اخر موقف سياسي نسب الى رئيس مجلس النواب نبيه بري كان في مطلع الاسبوع الجاري، وجوهره انه اختار عن سابق تصور وتصميم ان يسبح وحيدا بعكس التيار السائد ويبدي تفاؤلا ويكشف عن انه ماض في اعتماد المناخات الايجابية في موضوع استيلاد الحكومة العتيدة وانه واثق من التوليفة الحكومية التي ينتظرها الجميع وان اقتضى الامر بعض الوقت وتاخر بعض الشيء، وانه استطرادا، لامكان ولا لزوم لكل غيوم السلبية والتشاؤم التي تلبدت في حينهافي سماء الاوساط الاعلامية والسياسية.
من يومها والى الامس نذر سيد عين التينة صوماعن الكلام المباح واثر ان يلوذ الى صف المترقبين في انتظار اشارة ما تاتي من حيث يتعين ان تهب رياحها مبشرة بالانفراج الداني واعدة بغد ملؤه الامل والرجاء.
لم يكن هذا الانكفاء الطوعي لرئيس السلطة التشريعية، علامة يأس ودلالة قنوط وضيق منه، وان صدر الرجل يختزن الوانا من العتب على المشتغلين بالولادة الحكومية الموعودة نتيجة هذا التعسر الذي لايرى ان كل دواعيه ومبرراته مستساغة ومشروعة.
فالرئيس بري، وفق بعض اعضاء الحلقة الضيقة المحيطة به، اعتاد ان تكون حركته السياسية محسوبة بدقة بل وموزونة بميزان الذهب، واعتاد استتباعا ان لايتدخل فيما يحسب انه لايعنيه على الاقل من الناحية الدستورية.
ومن هذه المنطلقات والمسلمات، شاء بري ان يرصد الاخبار اليومية التي ترد اليه من فريق الرصد في مكتبه الخاص، والتي تنطوي على انباء ومتابعات عن اللقاءات المكثفة التي تكررت في قصر بعبدا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من جهة وبين الرئيس المكلف تاليف الحكومة سعد الحريري من جهة اخرى والتي بلغت 6 لقاءات.وهي اللقاءات التي حرص الطرفان المعنيان على تغليفها بستار الكتمان الشديد، لدرجة انها خالفت الاعراف المعمول بها في مثل هذه المناسبات والمحطات اذ ان دوائر الاعلام المعنية سواء في قصر بعبدا او بيت الوسط تتعمد الا تعلن عن موعد اللقاء قبيل انعقاده والا تميط اللثام عما دار في خلاله من اراء وافكار بعيد ارفضاض اللقاء.مما يدفع وسائل الاعلام الى اطلاق حبل التكهنات على غاربه، ويبقي الراي العام مقيما على انتظاره المشوب بطبيعة الحال بموجة عالية من القلق الذي ان له ان ينقضي ويتلاشى لتحل محله مشاعر تذخربالامال الواعدة.
الامر عند المقيمين العارفين في اروقة صرح الرئاسة الثانية، ليس دلالة او اشارة على ضيق او تبرم او عتبا نتيجة عدم وضعهم في اجواء هذه اللقاءات الجارية على قدم وساق، بقدر ما هي تساؤل يكتسب قدرا كبيرا من الشرعية عن ابعاد هذا “التاخير والتعثر ” في عملية استيلاد الحكومة الموعودة خلافا لكل التعهدات والوعود التي اطلقها سابقا هؤلاء المعنيين بالولادة الحكومية بانهم يسلكون الطريق القويم الذي هو اقصر الطرق وايسرها الى بلوغ الهدف المرتجى وهو ولادة حكومة جديدة تنهي حال الفراغ الذي طال وطالت معه فصول المعاناة الوطنية.
ونهج الصمت والسكوت الطوعي للرئاسة الثانية له ايضا ما يبرره من منطلق معادلة فحواها الاتي ما دمتم قد رغبتم السير في مسلك التاليف المطروق منذ البداية فليكن لكم ما اخترتم، خصوصا انكم تقرنون جهودكم ولقاءاتكم بالقول انكم لاتريدون للراي العام الواقف على قارعة الانتظار ان يستغرق وينشغل بانباء استمرار التباينات والعروض المضادة حول التشكيلة الحكومية، وانكم ستفصحون عن البشرى وتزفونها الى المنتظرين ساعة تكتمل كل عناصر الولادة الحكومية”.خصوصا ان الطرفين المولجين مباشرةانضاج طبخة التاليف سبق ان تعهدا ان يضعا نصب اعينهماهدفا اساسيا عنوانه العريض : السعي الدؤوب لتجاوز كل ما ينشأ من عقبات وعدم التراجع الى الوراءمهما حصل واستجد، اي اصرار الرئيس المكلف على عدم الاعتذار،في مقابل الا يوصد رئيس الجمهورية الابواب المفضية الى التاليف.
كل ذلك بالنسبة للمحيطين بالرئيس بري وقائع يمكن ادراجها في خانة الايجابيات ومراكمة عناصر التفاؤل.وبناء عليه فان هؤلاء لايكتمون ان بري ليس في وارد طلب التدخل او عرض الوساطة مادام المعنيون بالامر قد اعلنوامرارا المضي فيما عزموا عليه وقرروا من دون الاشهار عدم التراجع، وذلك لاسباب عدة ياتي في مقدمها : _ان التجارب الطويلة قد علمت كل الراصدين ان ” المصلح ” اذاما اندفع من تلقائه الى ساحة الخلاف معربا عن استعداده لاداء هذا الدور يحمل في نهاية المطاف جزءا من المسؤولية في حال الاخفاق.
– مادام الرئيس بري وحزب الله قد اديا ما يتعين عليهما ان يؤدياه وقدما كل مرونة وتسهيل فمن باب اولى ان يؤولا الى ضفة الانتظاربانتظار ان يستدعيا اما الى الوساطة او اخذ الصورة التذكارية للحكومة الموعودة.
– عامل اخر لدى بري هو تهافت كل ما يقال ويروج عن ان تاخير الولادة الحكومية سببه رهان مضمر على نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية فهو امر ليس مبالغا فيه بل هو في غير محله تماما ولايمكن لعاقل ان يرهن مجرى الامور المحلية بحدث بهذا الحجم وعلى هذه الدرجة من التعقيد والحساسية.
– ثمة معطى ايجابي اخر عند بري وهو ان الطرفين المعنيين بعملية التاليف اعتادا وفق التجارب ان يؤولا فجاة الى اتفاق وتوافق لتنتهي التباينات وتحل الخلافات بقدرة قادر وتعود الامور الى سيرتها الاولى.
– امر اخر يدعو المقيمين في عين التينة الى توسل الاطمئنان مبعثه ان طرفي التاليف يستندان في تقديم رايهما على بنود من الدستور وفق ما يراه ويفسره كل منهما اذ يعني ان الطرفين قررا ان يكونا ” تحت سقف القانون “لا فوقه وهو حال ينم عن توجه متعقل وحضاري ويشي بالرغبة في الحل وفق الاسس الديموقراطية ولا رغبة بالتعقيد والتصعيد وهذا مرتجى الجميع.
لكل هذه الاسباب مجتمعة اثر بري ان يعتصم بالصمت ويضع نفسه في موقع الانتظار، ولكن لكل شيء حدوده بما فيه الصبر نفسه