كتبت صحيفة “النهار” تقول: قد يكون الأكثر بلاغة وجدية في تفسير الموقف المشترك المفاجئ لكثيرين، في الداخل والخارج، على حذره وتعميته، الذي اتخذه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب باسم الدولة والحكومة من المسيّرات التي اطلقها “حزب الله ” فوق حقل كاريش، وتبرؤ الدولة من تبعاتها، وتشديدهما على التمسك بالوساطة الأميركية في ملف ترسيم الحدود البحرية، انه سيتعين على الحزب الادراك ولو لم يعترف بذلك ان سوء تقدير الحسابات يقود الى نتائج مباغتة. على طريقة “الاحراج فالاخراج” حشر “حزب الله” الدولة في خانة اظهارها الزوج المخدوع في المغامرة التي ارتكبها بارسال المسيرات في وقت كانت بيروت تستقبل تظاهرة ديبلوماسية عربية طالما تاق لبنان الى استردادها وإعادة إشاعة الدفء في علاقاته العريقة السابقة مع العرب. فكانت المسيّرات أولا بمثابة التشويش الفاقع على المشهد العربي في العاصمة اللبنانية. واما الأشد وطأة في الرسائل – المهمات الخفية الأخرى لاطلاق المسيّرات فتمثل في اخطر محاولة لاجهاض الوساطة الأميركية بعدما تبلغ اركان الدولة ووزير الخارجية رسميا من السفيرة الأميركية دوروثي شيا نتائج إيجابية محفزة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين على المضي قدما في اتصالاته والتهيئة لاعادة استئناف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في الناقورة. بإزاء هذا الاحراج للدولة بدا “حدثا نادرا” امس ان يتلقى “حزب الله” رداً ولو على طريقة التعمية الخجولة اللغوية التي اعتمدت في بيان مقتضب، ولكنه جاء ليفصح عن عدم تمكن الدولة من القبول بتداعيات كانت لتكون خطيرة وكارثية لو صمتت الدولة والحكومة. هذا الموقف الاعتراضي على ما قام به “حزب الله” من تفرد بالفعل والقرار وحشر الدولة واظهارها فاقدة القرار تماما امام سياسات الحزب وتصرفاته الذي اعلنه بصورة مشتركة الرئيس ميقاتي والوزير بوحبيب، شكل تطورا لافتا سيكون بعده غير ما كان عليه قبله. فليس تفصيلا عابرا ان يصدر رد هو عمليا موقف “اعتراضي” مشترك لرئيس الجمهورية ميشال عون ضمنا الذي يمثله وزير الخارجية ورئيس حكومة تصريف الاعمال حول تفلت “حزب الله” على رغم الخلافات المتصاعدة بين الرئيسين حول ملف تاليف الحكومة الجديدة .
اذ انه بعد صمت رسمي مطبق، وعقب ظهور معطيات تنذر بموقف أميركي سلبي من الاستمرار في الوساطة في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، أطلقت الدولة موقفا من الحادثة. فعقد الرئيس ميقاتي إجتماعا مع الوزير بوحبيب وصدر بيان صيغ بعناية شديدة، وبدا واضحا انه موجه الى “حزب الله” من دون ان يسميه. وذكر البيان ان “البحث تطرق الى الوضع في الجنوب وموضوع المسيّرات الثلاث التي اطلقت في محيط المنطقة البحرية المتنازع عليها وما أثارته من ردود فعل عن جدوى هذه العملية التي جرت خارج اطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي، خصوصا وأن المفاوضات الجارية بمساعي من الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين قد بلغت مراحل متقدمة. وفي هذا الاطار، فان لبنان يجدد دعمه مساعي الوسيط الأميركي للتوصل الى حل يحفظ كامل الحقوق اللبنانية بوضوح تام، والمطالبة في الاسراع في وتيرة المفاوضات. كما أن لبنان يعوّل على استمرار المساعي الأميركية لدعمه وحفظ حقوقه في ثروته المائية ولاستعادة عافيته الاقتصادية والاجتماعية. إن لبنان يعتبر أن اي عمل خارج اطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي الذي تجري المفاوضات في اطاره، غير مقبول ويعرّضه لمخاطر هو في غنى عنها. من هنا نهيب بجميع الاطراف التحلي بروح المسؤولية الوطنية العالية والالتزام بما سبق وأعلن بأن الجميع من دون استثناء هم وراء الدولة في عملية التفاوض. كما أن لبنان يجدد المطالبة بوقف الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة لسيادته بحرا وبرا وجوا”.
وسارعت “القوات اللبنانية” الى التعليق على الموقف الرسمي فاعتبرت أنه “تبين أنه حتى الحكومات المحسوبة على حزب الله لم تعد قادرة على التستر على أعماله وخلفيات هذه الأعمال، وتصريح وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب عقب اجتماعه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي واضح وجلي، حيث شدد بأن “أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره غير مقبول ويعرضه لمخاطر هو في غنى عنها”، ما يعني أنّه جاء مَن يحاول تعطيل هذه الاستراتيجية من خارج إطار الدولة كليا من خلال اعتماد استراتيجيّة أخرى خاصة به ممكن أن تؤدّي، تبعًا للتصريح المذكور، إلى ما لا تحمد عقباه”. ولفتت الى أنه “من جديد يتبين أن حزب الله مصر على مصادرة القرار الاستراتيجي والأمني والعسكري للدولة اللبنانية، ممّا يضرب صدقية هذه الدولة أكثر مما هي مضروبة، ويضرّ بمصالح الشعب اللبناني، وكل ذلك خدمة لمصالح أخرى واستراتيجيات أخرى لا علاقة للبنان ومصالح الشعب اللبناني بها”.
أزمة التآليف
في غضون ذلك غرق ملف تاليف الحكومة الجديدة في جمود واسع فلم تظهر أي معطيات الى امكان كسر”العدائية” التي باتت تتحكم بموقفي كل من رئاسة الجمهورية و”التيار الوطني الحر” من جهة والرئيس المكلف من جهة مقابلة، بعدما توغلت السجالات الإعلامية بينهما أخيرا الى تبادل حاد في الاتهامات. وستتجه الأنظارالى زيارة ميقاتي المقبلة الى بعبدا في اليومين المقبلين كما قال امس. وغداة زيارته الديمان السبت، زار ميقاتي امس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة في دار المطرانية وأعلن الرئيس ميقاتي ” بداية نقل صاحب السيادة هواجس الناس وآلامهم خصوصا في المواضيع الاستشفائية، والتربوية، والمعيشية، وقال أنه يتحسس بها يوميا، اضافة الى موضوع مدخرات المواطنين اللبنانيين في المصارف. وشرحت بإسهاب كل هذه المواضيع، وأعتقد انه كان مطمئنا لأنه بارك كل الأعمال”. وتابع: “طالما نعمل بصدق وانتماء ووطنية فباذن الله سيكون الخلاص قريبا”.
وفي مؤشر الى امكان تفعيل عمل حكومة تصريف الاعمال خلال الازمة ترأس ميقاتي اجتماعا وزاريا واداريا بعد ظهر امس ، لاستكمال البحث في ملف الادارة العامة في ضوء الاضراب المفتوح في القطاع العام واعلن مقرراته وزير العمل مصطفى بيرم وابرزها :
– اعتماد المساعدة الاجتماعية لتتحول الى راتب كامل بدل نصف راتب تدفع شهريا من اول تموز شرط الحضور يومين كحد أدنى في الاسبوع. وهذه المساعدة ليس ضروريا ان تدفع في اول الشهر مع الراتب الاصلي، بل ستدفع خلال الشهر بحسب برمجة الدفع في وزارة المال.
– بدل النقل أصبح 95 الف ليرة عن كل حضور يومي تماشيا مع الزيادة التي حصلت في القطاع الخاص عبر لجنة المؤشر في وزارة العمل.
– تم إقرار زيادة اعتمادات تعاونية موظفي الدولة في الموازنة بحيث تم رفع موازنة الاستشفاءات نحو اربعة اضعاف، فكانت الاعتمادات 212 مليار ليرة فاصبحت 1200 مليار. أما اعتمادات التعليم فكانت 104 مليارات فاصبحت 500 مليار، اي خمسة اضعاف”.
وأوضح انه “سيعقد اجتماع قريب سيدعى اليه وزير التربية ليصار الى الطلب من المدارس الخاصة والتشدد في الطلب، عدم تقاضي الاقساط المدرسية للموظفين في القطاع العام بالدولار. هناك أيضا دراسة يعدها وزير الاتصالات سيعلن عنها بنفسه لاحقا، تتعلق بحسومات معينة. ومن المسائل التي سيصار الى وضع دراسة سريعة بشأنها، اعتماد بطاقة تمويلية خاصة بموظفي القطاع العام، عبر برنامج يتم دعمه”.
واعلن: “ما نقوله للموظفين ان الدولة ستكون معكم، وراعية لكم ضمن الاطر السريعة والاطر الاخرى. واذا تم اقرار الموازنة سريعا، وهذا ما نتمناه، وما نطلبه من المجلس النيابي الكريم، فهناك مجموعة من الواردات المهمة جدا والتي ستنعكس ايجابا بلا ادنى شك على معاشات الموظفين ونريد من الموظفين تفهم الواقع لكي نتعاون جميعا، والاساس وقف الاضراب المفتوح كي لا تتضرر مصالح المواطنين، والادارة يجب الحفاظ عليها”. وليلا ذكر ان وزير العمل قرر التنحي عن ملف مطالب الموظفين “بسبب حملات التجريح والتشكيك”.