كتبت صحيفة “النهار” تقول: بدا السؤال البديهي الذي برز عشية اجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف تأليف اخر الحكومات في عهد الرئيس ميشال عون هو أي تداعيات ستترتب على اكثر المشاهد النيابية والسياسية تشتتاً الذي شهدته استحقاقات التكليف اقله طوال هذا العهد ؟ وما اثر هذا التشتت ولو أدى في النهاية الى تكليف هش بأكثرية ضعيفة او “اقلية كبيرة” على مجريات التاليف ؟
والحال انه من غير المستبعد ان يكون صاحب الارجحية في التكليف الرئيس نجيب ميقاتي نفسه، الذي بات يصعب تماما ان يتقدمه أي مرشح بعد تراجع فرصة السفير السابق القاضي في محكمة العدل الدولية نواف سلام، وان يطرح السؤال السابق ذكره على نفسه في ظل المعطيات البارزة الاتية :
أولا: ان التشرذم غير المسبوق في اتجاهات ومواقف الكتل حتى من تحالفاتها العريضة بدد تماما القواعد السابقة التقليدية، فلن يكون امكان اليوم لبروز أكثرية موصوفة ثابتة ولو ان مجموع الكتل والنواب الذين يؤيدون إعادة تكليف ميقاتي يرجحون في النهاية تمرير تكليفه كـ”اقوى الضعفاء” بأكثرية هشة .
ثانيا: ان ترشيح السفير السابق نواف سلام ظل من دون قدرة او رافعة كبيرة كان يحتاج اليها من خلال تحالف معارض عريض تعذر، بل استحال، لاسباب عدة لم تكن مفاجئة. ولكن موقف “القوات اللبنانية” الذي اعلنه رئيسها سمير جعجع اكتسب طابعا مفاجئا لجهة الغمز من قناة سلام وعدم قيامه بمبادرة تؤكد استعداده لتحمل المسؤولية وتجاهله التواصل مع الأفرقاء الذين دأبوا على ترشيحه وكانت “القوات” في مقدمهم بما كشف عن تراكم ساهم في نزع الغطاء المعارض الجامع عن صورة سلام كمرشح .
ثالثا: ان جبهة المعارضة المشتتة تقابلها ضعضعة على جبهة 8 اذار حيث لم تبت بعد عقدة التباين بين “التيار الوطني الحر” وحليفه “حزب الله” بعدما فشلت محاولات اقناع “التيار” بترشيح ميقاتي الامر الذي سيرتب تداعيات فورية ستظهر غدا على خريطة التكليف الذي سيتسم بهشاشة ما لم تساعده أصوات النواب السنة القريبين من مناخ الحريرية .
رابعا: ثمة ظاهرة لن يمكن القفز فوقها بسهولة تتجلى في ان اكبر كتلتين مسيحيتين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” سيمتنعان عن تسمية أي اسم للتكليف. ومع انه من المتوقع ضمان عامل “الميثاقية” للتكليف المرجح لميقاتي من خلال نواب مسيحيين مستقلين فلن يقلل ذلك وقع استنكاف “القوات” و”التيار” عن التسمية.
اذا ستجرى الاستشارات اليوم في قصر بعبدا على وقع هذه المعطيات كما وسط توقع مواقف قد تتسم بطابع “مسرحي” في لحظات حرجة ولكن النتائج التي ارتسمت حتى ليل امس تشير بوضوح الى ترجيح حصول الرئيس ميقاتي على الأكثرية التي لن تكون كبيرة .
“القوات” ونواف
واتجهت الأنظار امس الى موقف كتلة “الجمهورية القوية” الذي كان يتوقف عليه بت الفرصة الأخيرة لترشيح السفير السابق نواف سلام ولكن رئيس حزب “القوات” سمير جعجع اعلن سبب عدم تسمية “القوات” لايّ من المرشحين ميقاتي وسلام وقال: “كنا من اوائل من سمّى نواف سلام لرئاسة الحكومة سابقا، ولكن بكل صراحة ومع احترامنا له، منذ ذلك الوقت الى اليوم، لم نلمس منه اي نية جدية في تحمل هذه المسؤولية لا بل لم يحضر الى لبنان سوى مرات قليلة نجهل فيها بمن اجتمع او التقى، وبالتالي كيف يُنتظر من تكتل كبير ان يؤيد مرشحا ويخوض معركته لرئاسة الحكومة دون معرفته مباشرة، كما انه لم يخض معركة الانتخابات النيابية على الرغم من طرح اسمه من نخب كبيرة. وثمة سؤال، هل لديه فعلا الرغبة بتحمل هذه المسؤولية في هذه المرحلة؟ نحن لم نلمس اي نية او رغبة لديه، وفي حال كانت متوافرة لا نعرف عنها شيئا ولا عن خططه العملية كما نجهل موقفه من بعض الامور. من جهة اخرى، لم نشهد اي توافق على اسم سلام بين فرقاء المعارضة او بين من ليسوا من فريق “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.
وشدد جعجع على انه “طالما الرئيس ميشال عون موجود في بعبدا لن يسمح لأي احد بالعمل، وبالتالي كل هذه الاعتبارات حالت دون توجه “القوات” لتسمية نواف سلام”.
اما لناحية عدم تسمية ميقاتي فبرره جعجع: ” بانه لا يتمتع ببعض المواصفات التي نطرحها، ولا سيما رغبته الدائمة بتشكيل “حكومات وحدة وطنية” نعتبرها حكومات الفشل بامتياز لعبت دورا اساسيا في ايصال البلد الى هذه الحال. وبالتالي لا يمكن ان نسميه.”
وأشارت مصادر مطلعة الى ان “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” التقيا على عدم التسمية وعدم المشاركة في الحكومة ، ولكل اسبابه وحيثياته واهدافه، متحدثة عن انزعاج واضح لدى “حزب الله” من اداء التيار ورفض تسمية ميقاتي.
بدوره، أعلن رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض خلال الإعلان عن انشاء “الكتلة السيادية المستقلة” “لن نسمّي أي مرشح من المنظومة لرئاسة الحكومة، ولن نسمّي نجيب ميقاتي بالتّحديد.
وإذ تبقى الأنظار مستطلعة التوجّه الذي سيتخذه النواب التغييريين علمت “النهار” أنّ هؤلاء عقدوا اجتماعاً مشتركاً بعد ظهر امس الأربعاء وقرّروا تحضير بيان مشترك يضمّهم والإعلان عن التسمية مباشرة من بعبدا. ويعملون على تحديد خياراتهم المتاحة، علماً أن الإسم الذي سيطرحونه سيكون نتاج تقويمهم للمعركة الكاملة. ويتركون خيارهم “حتى آخر لحظة”. ويستطلعون الاختيارات التي ستنبثق من 80 نائباً يمرّون قبلهم على منبر الاستشارات. ويعلنون عن إسم مرشّحهم من القصر الجمهوري، بما يتناسب مع قراءتهم للمنحى العام للتكليف الحكوميّ.
النسخة الثانية!
وسط هذه الأجواء كانت تدور فصول المواجهة التي انفجرت مجددا بين المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلام اذ بدا فاضحا ان عون عاودت استحضار فصول النسخة الرقم 2 في مطاردة سلامة اسوة بما فعلت في مكاتب شركة مكتف. وقد أشرفت عون شخصيا امس على “غارة” دهم امنية ثانية لمنزل سلامة في الرابية بعد اقل من 24 ساعة من عملية دهم ليل الثلثاء، وجرت باشرافها عمليات تفتيش الفيلا واجراء جردة بموجوداتها . وتداولت أوساط معنية معطيات تشير الى دعم جهات نافذة لهذه الإجراءات مع علم الجميع ان سلامة لا يبرح مكتبه في مصرف لبنان. ولكن الوضع تطور نحو حماوة تصاعدية بعدما اندفع سلامة الى الهجوم إعلاميا للدفاع عن المصرف المركزي وعن نفسه من خلال كشفه للمرة الأولى المبالغ التي اخذتها الدولة من المصرف المركزي والتي فنّدها معلنا “أن البنك المركزي سجل بالنقاط أين ذهبت الدولارات. في الفترة الممتدة من 2010 حتى 2021، أخذ قطاع الطاقة نقدا 24 مليار و537 مليون دولار، أما القطاع العام فأخذ 8 مليارات و320 مليون دولار، وتمويل الاستيراد للمواد المدعومة كلف 7 مليارات و572 مليون دولار، إضافة إلى الخسائر التي تكبدها مصرف لبنان من اليوروبوند فكانت 7 مليارات و446 مليون دولار، أما كلفة الفائدة على هذه الاموال المأخوذة فكانت 14 مليار و800 مليون دولار ،كما وأن الدولة اخذت بموجب قوانين وخلال 10سنوات 62 مليار و670 مليون دولار”. وقال في مقابلته “ثمة من يحاول وضع يده على المصرف المركزي وأنا واجهت هذه المحاولة، ولا أستطيع إعطاء أسماء ولكن من الواضح من تكون هذه الجهات”.
غانتس
وعلى وقع التشتت السياسي والفوضى القضائية، وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس تهديداً ثانياً بشنّ عملية عسكرية على لبنان، خلال أسابيع قليلة، بعد تهديد سابق لرئيس الأركان، وقال: “إذا لزم الأمر فسنسير مرة أخرى إلى بيروت وصيدا وصور”.
وأكد غانتس أنّه “إذا واجهنا الحاجة لعملية عسكرية في لبنان فستكون قوية”، مضيفاً أنّه “في مواجهة أي تهديد من حزب الله، لن نعطي حصانة لأي بنية تحتية في لبنان”.
وفي موقف آخر، أكد غانتس “لا نريد حرباً مع لبنان، ومستعدون للذهاب بعيداً جدّاً في طريق السلام والتسوية”.