كتبت صحيفة “النهار” تقول: أياً تكن الجهة التي تعمدت تسريب “خطة التعافي المالية” الحكومية قبل إقرارها في صيغتها النهائية في مجلس الوزراء وقبل اطلاع اللجان النيابية المختصة عليها، واياً تكن اهداف هذه الجهة، فانها اصابت من الخطة إياها مقتلا. ذلك ان الخطة تتضمن أساسا لغماً مدمرا كارثيا لجهة ما نصت عليه مما يمكن ان يتسبب باضخم “مجزرة” في حق المودعين من حيث التضحية بـ 60 مليار دولار “رست” عليها عملية تقديم الاضحية في الانهيار التاريخي الذي ضرب لبنان. ومع ان ما تضمنته الخطة لهذه الجهة وحدها كان كافيا باشعال النار في ثوب الحكومة، وتاليا المجلس النيابي لو اخذ بها، فان مجريات التطورات التي حصلت أمس جاءت لتعكس خطورة اللعب بنار الودائع والمودعين سواء في توقيت “عادي” او انتخابي فكيف عند مشارف الوقوف عند ثلاثة أسابيع فقط من موعد الانتخابات؟
يمكن القول في مجريات إطاحة جلسة اللجان النيابية المشتركة للمضي في محاولة إقرار مشروع قانون “الكابيتال كونترول” قبل نفاد المهلة القاتلة للمجلس الذاهب إلى التقاعد، بانها جاءت ثمرة مفارقة سياسية – انتخابية ساهم فيها تسريب “خطة التعافي ” التي اشعلت موجة ذعر وغضب يخشى ان تتطور إلى إعصار شعبي في أي لحظة اذا لم تترجم تعهدات الحكومة في إعادة تصويب شفافة وواضحة ومضمونة لتثبيت حقوق المودعين من كل “الفئات والطبقات” لان هذه حقوقهم المكفولة قانونيا ودستوريا وليسوا مادة تضحية في مجزرة لم يعرف مثلها أي بلد في العالم تعرض للانهيار.
ذلك ان نواب “الثنائي” العوني – القواتي اللدود الذي لا حاجة للتنويه بان ما بينهما من حروب داحس والغبراء لم يطمسها تفاهم معراب، تمكنوا من الإطاحة بجلسة اللجان وتجميد او تعليق البحث في مشروع الكابيتال كونترول لان نار “خطة التعافي” لجهة ما لحظته من “حذف” لتلك المليارات الـ60 للمصارف والمودعين لم تبق مجالا موضوعيا للمضي في إقرار المشروع الأول، فيما لم تقدم الحكومة بعد خطة التعافي كاملة وناجزة وواضحة للمجلس. وقد جاء الاعتراض القواتي – العوني – الاشتراكي على مناقشة القانون قبل الاطّلاع على خطة التعافي التي وضعتها الحكومة ليلاقي بدايات التعبير عن اعتراض الشارع بحيث حذرت جهات معنية من ان الأيام المقبلة كانت لتشهد تفجر عاصفة عنيفة للغاية لو لم تبدأ عملية احتواء العاصفة حول حقوق المودعين بعدما طارت جلسة اللجان وبعدما اقتنعت الحكومة بالتريث في اندفاعتها نحو اقرار القانون سريعا علما ان استدراك الامر البارحة لا يكفي للجزم بان العاصفة مرت ولن تتفجر قبل موعد الانتخابات . وستعاود اللجان عقد جلستها الثلثاء المقبل مبدئيا.
في ساحة النجمة
على وقع تحركات شعبية نفّذتها النقابات وروابط المودعين وصل عدد من النواب بصعوبة إلى ساحة النجمة غير ان وصولهم وتأمين النصاب لجلسة اللجان، لم يكونا كافيين لالتئامها. وفي تقاربٍ لافت ونادر، أبلغ نواب تكتلي “الجمهورية القوية” و”لبنان القوي”، المعنيين، رفضهم مناقشة الكابيتال كونترول قبل الإطلاع على خطة التعافي، فلم تعقد الجلسة. وحذر رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان مجددا من “شطب 60 مليار دولار من الديون التي سيتحملها المودعون ولا يجب البحث في الكابيتال كونترول قبل إقرار خطة التعافي وأيّ كلام عن حماية المودعين من قبل رئيس الحكومة هو غير صحيح”.
من جهته، اعلن رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان الاستعداد لمتابعة نقاش الكابيتال كونترول “بعد تعديله من الحكومة بما لا يحمّل المودع مسؤولية هريان الدولة بل مصرف لبنان والمصارف والدولة. واضاف: صارحوا الناس بالحقائق وسؤال الحكومة عن خطتها وماذا ستفعل بودائع الناس ليس جريمة بل حق في ضوء التسريبات التي جرت لخطة التعافي”. كما شدد أمين سر كتلة “اللقاء الديموقراطي ” النائب هادي أبو الحسن على “توزيع الخسائر، بحيث تتحمّل الدولة المسؤولية بالدرجة الأولى بالإضافة إلى مصرف لبنان والمصارف، إلى جانب مَن استفاد من الفوائد الخيالية والهندسات المالية”.
وفيما يواكب رئيس مجلس النواب نبيه بري عمل اللجان المشتركة من خلال اعضاء كتلته ونواب اخرين قال ردا على سؤال لـ”النهار” ان “طريق مجلس النواب معبدة امام الحكومة” وأضاف عبارة “ضمن الأصول” في اشارة منه إلى عدم تخطي القانون او القفز فوق هواجس المودعين في المصارف وقلقهم اليومي الذي ينتابهم. وعند انتهاء اللجان من درس الـكابيتال كونترول والسرية المصرفية إلى قانون الموازنة العامة سيدعو بري الهيئة العامة إلى جلسة تشريعية قبل موعد الانتخابات. وهو دعا النواب “إلى التعاطي مع المواضيع المطروحة بمسؤولية وطنية وابعادها عن الحسابات الانتخابية”.
موقف ميقاتي
اما على صعيد الموقف الحكومي فبعدما طارت جلسة اللجان، فقد اطلع نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي والنائب نقولا نحاس، رئيسَ الحكومة نجيب ميقاتي على اجواء البرلمان “الذي لا يريد ان يذهب عميقا باقرار خطة إن لم نطلع على مسألة حقوق المودعين في خطة التعافي الاقتصادي”، وفق الفرزلي. وعلى الأثر اعلن الرئيس ميقاتي “حرص الحكومة على ضمان حقوق المودعين والتزامها المُطلق بالمحافظة عليها وضمانها، لا سيما صغار المودعين على النحو الذي جاء صراحةً في الخطّة التي عرضتها في جلستها المنعقدة بتاريخ الرابع عشر من الجاري”. وقال “إن مشروع القانون يرمي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة، وهو، بهذا التوصيف، لا يتعلق بحقوق المودعين بل يشكّل ارضية يشترطها صندوق النقد الدولي في سبيل عرض خطة التعافي المنشودة على مجلس إدارته”. وقال: “أدعو جميع المعنيين إلى مقاربة هذا الموضوع بموضوعية بعيداً عن المزايدات والشعبوية، بهدف الوصول إلى حل منصف وعادل للجميع”. وقد وجه ميقاتي رسالة في هذا الصدد إلى مجلس النواب مرفقة بنسخة عن الخطة المبدئية التي عرضتها الحكومة لوضع الملاحظات على مضمونها”.
اقتراع المغتربين
ولم تحجب العاصفة المالية التطورات على الضفة الانتخابية حيث بقيت الاجراءاتٍ في ما يتعلق باقتراع المغتربين في دائرة الضوء. وفي هذا الاطار رأس الرئيس ميقاتي إجتماعا ضم وزير الخارجية عبدالله بوحبيب ووزير الداخلية بسام مولوي خصص للملف. واعلن بو حبيب انه جرى البحث في قضية الانتخابات في سيدني وفي غيرها من الأماكن “للخروج بقرار نهائي”. وعن عراقيل توضع أمام المغتربين للادلاء بأصواتهم قال “إن القنصل العام في سيدني شربل معكرون عمل بموجب ما طلبته منه لجنة الانتخابات وما إتفق عليه وزيرا الخارجية والداخلية وقسم كبير من المغتربين تم تسجيلهم من قبل الأحزاب فحصل اختلاف بالرمز البريدي، وهذا لا تتحمل مسؤوليته الدولة او القنصلية او وزارتا الخارجية والداخلية إنما الأحزاب التي سجلت الناخبين على المنصة”. وقال ان “العائق الوحيد هو تأمين المال نقدا، ونحن في الاغتراب بحاجة إلى 1200 مندوب لتوزيعهم على الاقلام، ويجب تأمين بدل اتعابهم نقدا، كما يجب تدريبهم”.
وكان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع واصل حملته في هذا الشأن فلفت إلى أن هناك “جريمة تحصل بحقّ المغتربين في الخارج وبدلا من أن تبحث وزارة الخارجية في تسهيل عمليّة اقتراعهم تصعبّ الأمور عليهم”. وقال “رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وفريقه في وزارة الخارجية هما المسؤولان عملياً عن توزيع المغتربين ووزير الخارجية يأخذ دور المبرّر بشكل أكاديمي ، فرضوا على كل مرشّح إعطاء وكالات لكل مندوبيه في كل دول العالم ووزير الخارجية يعلم بالتجاوزات ويبرّرها”. وأضاف “على رئيس الحكومة أن يطلب من وزير الخارجية توزيع المغتربين على أقلام الاقتراع الأقرب إليهم وتسليم لوائح الشطب”، مشيرًا إلى أن “سنطرح الثقة بوزير الخارجية انطلاقاً ممّا يقوم به في ملف انتخاب المغتربين”.