كتبت صحيفة “النهار” تقول: مع ان التوصل الى “اتفاق مبدئاي” اولي بين لبنان وصندوق النقد الدولي كان متوقعاً ومنتظراً، فان الدلالات الإيجابية نسبيا لهذه الخطوة لم تحجب التشدد الواضح الذي اتبعه الصندوق في وضع شروط هذا الاتفاق بما عكس تشكيكه الكبير في الالتزامات الإصلاحية للسلطات اللبنانية ووضعها تالياً تحت مجهر الامتحان الصارم لتنفيذ الالتزامات. ولم يكن ادل على هذا التشدد من ان يكون مجموع “التسهيلات المالية ” التي ستقدم للبنان ثلاثة مليارات دولار في مدة اربع سنوات، بما يعني ان التسهيلات “المتواضعة ” قياسا باحوال لبنان الكارثية ليست بدورها هدية مجانية ما لم تقترن بالتزامات إصلاحية محددة تضمنها الاتفاق الاولي.
وقد اعلن صندوق النقد الدولي التوصل الى اتفاق على مستوى بعثة الموظفين حول السياسات الاقتصادية مع لبنان لتوفير التسهيلات المالية لمدة اربع سنوات في بيان اصدره الصندوق في نهاية مشاورات بعثته الى لبنان مع السلطات اللبنانية قال فيه ان “السلطات اللبنانية، وبدعم بعثة الصندوق، أعدت برنامجاً للإصلاح الاقتصادي يهدف الى اعادة بناء الاقتصاد، والاستقرار المالي، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وازالة المعوقات من امام العمالة المولدة للنمو، وزيادة الانفاق الاجتماعي والاستثماري”. واكد البيان ان البرنامج المتفق عليه سيخضع لموافقة ادارة الصندوق ومجلس المديرين، وقد تعهدت السلطات اللبنانية اتخاذ سلسلة من الاجراءات الإصلاحية الملحة قبل اجتماع مجلس المديرين. وقال ان الدعم المالي الذي سيقدمه شركاء لبنان الدوليين بشروط ميسرة سيكون اساسياً لدعم جهود السلطات اللبنانية وللتأكد من ان تمويل البرنامج سيكون مناسباً ويلاقي الأهداف المرجوة منه.
واكد البيان ان السلطات اللبنانية ابدت تفهمها للحاجة الى ارساء الاصلاحات المطلوبة في أسرع وقت ممكن، واكدت التزامها تنفيذ الاجراءات المتصلة بها وهي: موافقة الحكومة على استراتيجية اعادة هيكلة القطاع المصرفي، واقرار البرلمان لتشريعات تتصل باعادة الهيكلة هذه، واقرار تعديل قانون السرية المصرفية ، واستكمال مسار التدقيق الجنائي لتعزيز الشفافية، موافقة الحكومة على برنامج متوسط المدى لاستراتيجية اعادة هيكلة الدين العام، اقرار البرلمان مشروع قانون موازنة ٢٠٢٢، وأخيراً مبادرة المصرف المركزي الى توحيد أسعار صرف العملة.
وقد يلقى برنامج صندوق النقد للبنان دعماً من اتفاق تمويل مدته 46 شهراً مع إمكان الحصول على 3 مليارات دولار تم طلبها.
وعقد لاعلان الاتفاق رسميا، اجتماع في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون حضره رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، ونائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، ووزير المال يوسف خليل، ووزير الاقتصاد والتجارة امين سلام، ورئيس بعثة صندوق النقد الدولي ارنستو راميريز وعدد من أعضاء البعثة. وصدر بيان رسمي تلاه ميقاتي تضمن “اعلان رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء، التزاماً راسخاً بالعمل على حلّ الأزمة ووضع لبنان على مسار النمو المستدام والمتوازن والشامل من خلال تطبيق إصلاحات بنيوية توطّد الإطار المؤسَّساتي، وتعالج أبرز مواطن اختلال التوازن الاقتصادي والمالي الكلي، وتوسّع شبكة الأمان الاجتماعي للتخفيف من وطأة الأزمة على اللبنانيين لا سيما منهم الفئات الأكثر حاجة، وتنشيط حركة الاستثمار في البنى التحتية وإعادة الإعمار”.
وأشار البيان الى ان “رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء يدعمان بقوة البرنامج الاصلاحي الاقتصادي الذي تقوم اللجنة الوزارية المكلفة من قبل مجلس الوزراء بالتفاوض بشأن مندرجاته مع صندوق النقد الدولي. وسوف نتعاون بشكل وثيق لضمان التطبيق السريع لكل الإجراءات المتفق عليها مع الصندوق، بما في ذلك إقرار التشريعات الضرورية، بالتعاون مع المجلس النيابي الكريم، الهادفة إلى إنجاح هذا البرنامج. كما نجدد الالتزام الكامل باستمرار التعاون مع صندوق النقد الدولي من اجل اخراج لبنان من كبوته ووضعه على سكة التعافي والحل”.
ارتياح فرنسي
رد الفعل الخارجي الأول على الاتفاق جاء من باريس، اذ أفادت مراسلة “النهار” رندة تقي الدين ان الأوساط الفرنسية المتابعة للملف اللبناني رحبت بالاتفاق الاولي الذي تم بين حكومة الرئيس ميقاتي وموظفي صندوق النقد الدولي ووصفته بانه مرحلة تقنية أولى. فالاتفاق مع صندوق النقد يسمح بتمويلات أخرى للبنان. فاذا تم الاتفاق النهائي سيفرج عن تمويل مشاريع مؤتمر سيدر والاتفاق النهائي يشترط تنفيذ الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها على الصعيد التقني في المرحلة الأولى في قطاعات عدة الطاقة والمرفأ وغيرها من الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها. ورأت باريس ان الاتفاق التقني الذي تم امس هو انجاز كبير وجيد ومهم وبعد ذلك سيبحث الصندوق في تنفيذ هذه الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها ليوقع الاتفاق النهائي.
والملفت ان هذا الاتفاق يصادف في مرحلة تقدم في المحادثات الفرنسية مع السعودية . وكانت جولة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان على دول الخليج الكويت وقطر وعمان اكدت لباريس ان هناك جوا إيجابيا جديدا لدول مجلس الخليجي حيال عودة الاهتمام بلبنان. وسبق للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري ان زار العاصمة الفرنسية الأسبوع الماضي في اطار المحادثات الفرنسية السعودية التي تتابعها الرئاسة الفرنسية عن كثب عبر الديبلوماسي باتريك دوريل المسؤول عن الشرق الأوسط في فريق الرئيس ايمانويل ماكرون. فهو على اتصال يومي بالمسؤولين السعوديين حول الملف اللبناني لمتابعة قرارات قمة ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة. وباريس على قناعة ان السعودية ستعاود اهتمامها في لبنان خلال الانتخابات مع عودة السفير بخاري التي تشكل إشارة مهمة لاهتمامها بلبنان والانتخابات فيه.
الى ذلك اكدت الأوساط ما سبق ان نشرته “النهار” ان جمودا يهيمن على الاتفاق النووي الإيراني، علما ان الاتفاق جاهز للتوقيع وان الشرط الإيراني لرفع الحرس الثوري الإيراني عن لائحة الإرهاب الاميركية جمد التوصل الى اتفاق، علما ان لو رفعت الإدارة الأميركية الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب تبقى العقوبات على أعضاء هذا الحرس بموجب عقوبات وزارة الخزانة الأميركية.
كذلك رحّب الاتحاد الأوروبي بإعلان الاتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد الدولي، معتبراً أنّها “خطوة رئيسية نحو برنامج تعاف اقتصادي شامل مرتكز على الإصلاح”، ومضيفاً: “نحن مستعدّون للدعم”.
عودة البخاري
في أي حال بدا لافتا ان توقيع الاتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد كما المعطيات الفرنسية تزامنت مع عودة السفير السعودي فعلا الى بيروت اذ أعلنت مساء امس وزارة خارجية المملكة العربية السعودية عودة السفير وليد البخاري إلى لبنان.وأشارت الخارجية في بيان إلى أنّ عودة وليد البخاري جاءت “استجابةً لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان، وتأكيداً لما ذكره رئيس الوزراء نجيب ميقاتي من التزام الحكومة اللبنانية اتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون مع المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي ووقف كلّ الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمسّ المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي”. وأكّدت المملكة “أهمية عودة جمهورية لبنان إلى عمقها العربي متمثلةً بمؤسساتها وأجهزتها الوطنية، وأن يعمّ لبنان الأمن والسلام، وأن يحظى شعبها بالاستقرار والأمان في وطنه”.
وفيما رحب الرئيس ميقاتي بقرار المملكة بعودة سفيرها الى لبنان اعلن لاحقا انه تبلغ من السفير الكويتي عبد العال القناعي قرار الحكومة الكويتية بعودته الى بيروت قبل نهاية الأسبوع .