ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس عيد البشارة في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، بمشاركة السفير البابوي المونسينيور جوزيف سبيتاري ولفيف من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات، في حضور الوزير السابق سجعان القزي، النائب المستقيل نعمة افرام، ممثل المجلس العام الماروني في اوروبا المهندس مارون كرم، رئيس تجمع موارنة من أجل لبنان المحامي بول كنعان وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “انا أمة الرب، فليكن بحسب قولك” قال فيها: “بجوابها لبشارة الملاك، قالت عذراء الناصرة (نعم) لإرادة الله وتصميمه الخلاصي، متخذة بطاعتها موقف الخادمة. بكلمة (نعم) بدأ الحبل بابن الله، المخلص والفادي، بقوة الروح القدس. وظلت مريم أمينة لكلمة (نعم) المجسدة في الطاعة والخدمة حتى أقدام الصليب. إنها لنا المثال والقدوة في حياتنا الأسقفية، وقد دعينا جميعا لخدمة كلمة الله، يسوع المسيح، وتدبير الله الخلاصي. هذه كانت أبعاد كلمة (نعم) التي قالها كل واحد منا، عندما إختاره الروح القدس بصوت آباء السينودس المقدس. فلا ننسى أن هذا الإختيار وهذه الدعوة يتجددان كل يوم، في كل ظرف من ظروف حياتنا وخدمتنا، بوجهيها المفرح والمؤلم”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معا بذبيحة الشكر في ختام السنة الحادية عشرة من خدمتي البطريركية بموآزرتكم، وقد وضعتم في ثقتم الغالية. فإني أجدد ثقتي بكل واحد منكم لنواصل معا خدمتنا لكنيستنا في لبنان والنطاق البطريركي وبلدان الإنتشار. فأذكر في هذه الليتورجيا كل إخواني السادة المطارنة في أبرشياتهم، مع كهنتهم والرهبان والراهبات وكل أبناء كنيستنا المارونية وبناتها. فنلتمس لكم أيها الإخوة الأجلاء الحاضرون معنا ولكل إخواننا حيثما هم في أبرشياتهم فيض النعم السماوية وثمار الخدمة المثلثة: التعليم والتقديس والتدبير”.
وتابع: “إن خدمتنا الأسقفية المثلثة تبقى حاجة أساسية. فكلمة الله هي التي تنير وتشدد وتوجه وتعزي شعبنا في مختلف ظروف الحياة. ونعمة التقديس تحيي نفوسهم وقلوبهم وتدخلهم في شركة عميقة مع الله الذي وحده يشفي جراحهم الروحية والمعنوية، ويبعث فيهم روح القيامة والرجاء. وخدمة التدبير تدعونا لنكون لهم وجه المسيح الراعي الصالح. نسير أمامهم لندلهم إلى الطريق الذي يجب سلوكه، ولنحميهم من الذئاب، ونسير في وسطهم لنتضامن معهم، ونعيش بقربهم، ونضمد الجراح، ونسير وراءهم لنجمعهم ونوحدهم بالحقيقة والمحبة، ساهرين على ألا يشردوا ويتشتتوا.
في هذا الإطار المثلث الأبعاد نسير في آن مع الكنيسة الجامعة، بقيادة قداسة البابا فرنسيس، في مسيرتها الإعدادية السينودسية من أجل تعزيز الشركة والمشاركة والرسالة، وداخل كنيستنا المارونية في تحقيق سينودسية السير معا لنشدد عرى الشركة فيما بيننا، ونعيش مقتضيات المشاركة بمختلف وجوهها، ونلتزم بالرسالة الموكولة إلينا من المسيح الرب في إطار رسالة الكنيسة الجامعة”.
وأردف الراعي: “وتبقى خدمة المحبة رسالة جوهرية تدعونا كل يوم أكثر فأكثر، نظرا لإشتداد الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية والإجتماعية الخانقة شعبنا. إني أوجه تحية شكر وتقدير لكل المبادرات التي تقوم بها البطريركية والأبرشيات والرعايا والرهبانيات والأديار، ومؤسساتنا التربوية والإستشفائية والطبية والإجتماعية المتنوعة. لكن الحاجات المتزايدة تلزمنا بالمزيد من المبادرات. لا أغفل ما تقوم به رابطة كاريتاس لبنان في برامجها المتنوعة، وما تقدمه مثيلاتها من المؤسسات الخيرية غير الحكومية. وأوجه تحية شكر وامتنان إلى المنتشرين في القارات الخمس الذين يسندون أهلهم في لبنان ومشاريع قراهم وبلداتهم. إننا نشكر الله على هذه المسؤولية التضامنية. أجل المحبة أقوى من الموت. وتبقى لها الكلمة الأخيرة، لأن كل شيء يبوخ ويبلى كالثوب (مز 102: 26؛ أش 51: 6). وكل شيء يزول وهي وحدها تبقى أبدا (1 كور 13: 13). فلا نخاف.
في هذا المساء عند الساعة السادسة كما تعلمون، في كنائس رعايانا وأديارنا، نشارك قداسة البابا فرنسيس في تكريس روسيا وأوكرانيا لقلب مريم الطاهر. وإذ يصادف هذا اليوم ليتورجيا إحياء زياحات آلام المسيح الفادي والعبادة لصليبه، فإنا نضم آلام إخوتنا وأخواتنا في أوكرانيا وروسيا إلى آلام المسيح لفدائنا، فيكون ثمن السلام إيقاف شر الحروب وويلاتها”.
وقال: “إني أشكر الله على الزيارة الراعوية لأبرشية مصر والسودان التي قمت بها بدعوة لطيفة من مطران الأبرشية سيادة أخينا المطران جورج شيحان، وقد اتسمت بأربعة أبعاد: البعد الروحي والبعد الكنسي والبعد التربوي-الثقافي، والبعد الرسمي. فأشكر سيادته على تنظيم مواعيدها ولقاءاتها الرسمية مع سعادة سفير لبنان الأستاذ علي حلبي. لقد شمل البعد الراعوي والثقافي الإحتفال بعيد القديس يوسف شفيع الكاتدرائية، وتدشين القاعة على إسم المرحوم الخورأسقف يوحنا طعمه في مبنى مدارس مار يوسف المارونية المجاور للكاتدرائية، وافتتاح قاعة البطريرك المكرم الياس الحويك في مبنى المطرانية تجاه الكاتدرائية، وتوقيع كتاب الخوري مخائيل قنبر عن تاريخ أبرشيتنا في مصر التي حاك أساستها البطريرك الحويك، والإحتفال بيوبيل خمسين سنة على تأسيس كابيلا القديسة ريتا إلى جانب كنيسة مار مارون للرهبانية المارونية المريمية. واني اوجه عاطفة شكر لقدس الاب العام الاباتي بيار نجم الذي حضر لهذه المناسبة. وكانت لنا لقاءات كنسية مثمرة مع قداسة البابا الأنبا تواضرس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس، ومع غبطة الأنبا إبراهيم اسحق بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، وسيادة السفير البابوي المطران Nicolas Thévenin. وكانت لنا لقاءات رسمية مثمرة هي أيضا مع فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيسي، وأمين عام جامعة الدول العربية الدكتور أحمد أبو الغيط، ومع مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية السفير علاء موسى ونائبه المساعد لشؤون المشرق العربي كامل جلال، ومع الدكتور الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر. وقد لقينا عندهم جميعا حبا جما للبنان وهما واهتماما بقضيته واستعدادا لمساعدة شعبه. إنني أحييهم جميعا وأدعو لهم بالخير والنجاح الدائمين”.
وختم الراعي: “أستطيع القول أن هذه العلاقات تشكل صفحة جميلة تضاف إلى صفحات مماثلة من تاريخ البطريركية المارونية، وتقتضي تثميرها وتوطيدها من أجل الخير العام الروحي والراعوي والكنسي. وإنني معكم نجدد الشكر لله، وباسمه وبنعمته نبدأ السنة الثانية عشرة من الخدمة البطريركية، تمجيدا وتسبيحا للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.