د.علي السيد
من المتوقّع أن تواجه الولايات المتحدة صعوبة في إدارة حربها بالوكالة مع الصين في إثيوبيا، إذ سيكون من الصعب أن تتخلّى الأخيرة عن علاقتها بالصين.
تحوَّلت إثيوبيا مؤخراً إلى ساحة معركة بين الصين وأميركا، لكن هذه المرة، لم تستخدم فيها الأسلحة والنيران، بل فتحت جبهة جديدة في معركة التكنولوجيات الأميركية – الصينية في إثيوبيا، وربما بدأ التنافس يتسلّل أكثر، من خلال ما يحدث الآن في الأراضي الإثيوبية في إقليم تيغراي والمعارك بين المعارضة والحكومة، وخصوصاً بعد رعاية الولايات المتحدة 9 مجموعات معارضة لحكم آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، تحت مسمى “الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفيدرالية الإثيوبية”، والتي أعلنت معارضتها خلال حفل توقيع في واشنطن.
يُعد المجال التكنولوجي من أهم ساحات النزاع بين الصين والولايات المتحدة، فإدارة بايدن مثل إدارة ترامب لن تتهاون مع استمرار صعود الشركات التكنولوجية الصينية، وخصوصاً شركتي “هواوي” و”ZTE”.
وكان من المتوقع أن تعمل إدارة بايدن على كبح جماح توسّع الشركات التكنولوجية الصينية، وخصوصاً في القارة الأفريقية التي توليها الصين اهتماماً مكثفاً لعدة أسباب، من بينها كون السوق الأفريقية سوقاً ناشئة ضخمة لتصريف المنتجات الصينية.
وقد برزت إثيوبيا كساحة جديدة للتنافس الأميركي – الصيني في المجال التكنولوجي والاقتصادي بشكل عام. وفي هذا السياق، يمكن القول إنَّ استهداف إثيوبيا بالعقوبات يمثل جزءاً من الصراع الصيني على أديس أبابا، والذي يظهر في المجال التكنولوجي.
كما أنَّ الصين تعتبر شريكاً استراتيجياً لإثيوبيا. وقد تطوّرت العلاقات معها خلال الفترة الماضية، وأصبحت من أكبر الدول المستثمرة والممولة لإثيوبيا في مختلف مجالات التنمية. ويعتبر سبب الموقف المتشدد للولايات المتحدة تجاه الحكومة الإثيوبية هو الروابط القوية بين حكومة آبي أحمد والصين ومحاولة منع تنامي نفوذ بكين في المنطقة.
الصّين تعارض العقوبات الأميركية على إثيوبيا
ظلّت الصين تعترض على عدة محاولات من قبل الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات على حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي.
وصرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، في مؤتمر صحافي في بكين، “أنَّ الصين ترى دائماً أنّ القانون الدولي والأعراف الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية يجب أن تلتزم بالعلاقات بين الدول، وأنَّ إثيوبيا شريك تعاون مهم للصين في أفريقيا، وأن الأطراف المعنية في إثيوبيا لديها الحكمة والقدرة على حلّ الخلافات الداخلية بشكل صحيح”.
وقد أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال زيارته الأسبوع الفائت إلى أديس أبابا ثقة الصين بإثيوبيا ودعمها حكومة رئيس الوزراء أبي أحمد. وأضاف وانغ يي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين، أنَّ “الصين تقف ضد أي محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية لإثيوبيا، لأنَّ الإثيوبيين لديهم الحكمة في حل مشاكلهم وتحقيق الاستقرار في الأوضاع بأنفسهم”.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الإثيوبي “تقدير بلاده للصداقة المبدئية والثابتة مع الصين”، وأعرب عن سعادته بالترحيب بوانغ يي في أديس أبابا، “حيث كل شيء آمن، والوضع في البلاد لا يزال هادئاً وتحت السيطرة”، وتقديره “لالتزام الصين القوي بسيادة إثيوبيا ووحدة أراضيها”.
مؤشرات المنافسة
خلال العقدين الماضيين، طوّرت إثيوبيا روابط تجارية واستثمارية قوية مع الصين. ووفقاً لإحصائيات مبادرة أبحاث الصين وأفريقيا في جامعة “جونز هوبكنز”، فقد وقّعت الحكومة الإثيوبية اتفاقيات قروض مع مقرضين صينيين خلال الفترة الممتدة من العام 2000 إلى العام 2018 بمبالغ تُقدّر بـ13.7 مليار دولار، في حين أنَّ المؤشر الأكبر على النفوذ التكنولوجي الذي تتمتع به الصين في إثيوبيا، تمثل بإطلاق إثيوبيا أول قمر صناعي إثيوبي (في كانون الأول/ديسمبر 2019) بدعم من الحكومة الصينية. كما أعلنت السفارة الصينية في أديس أبابا (في شباط/فبراير 2021) عن اتفاق بين الصين وإثيوبيا على تعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا بين البلدين.
وتعدّ إثيوبيا دولة ذات أهمية استراتيجية لكل من الولايات المتحدة والصين، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي، وظهورها كمركز تصنيع، وأهميتها الدبلوماسية كموطن للاتحاد الأفريقي.
تزداد أهمية إثيوبيا بالنسبة إلى الصين مع ازدياد نزاع الأخيرة مع الولايات المتحدة والقوى الغربية، إذ إنّ النزاعات الاقتصادية الصينية – الغربية وفرض العقوبات على شركتي “هواوي” و”ZTE” تُمثّل دافعاً أساسياً للصين لتعزيز تعاونها مع الدول الأفريقية بشكل عام، ومن بينها إثيوبيا، وخصوصاً في مجال تكنولوجيا المعلومات، وذلك حرصاً من الحكومة الصينية على استمرار شركاتها التكنولوجية في جني مزيدٍ من الأرباح وعدم التأثر بشكل كبير بالعقوبات.
ويمكن استقراء أهم مؤشرات التنافس الأميركي – الصيني في إثيوبيا كما يلي:
1- الصين هي المستثمر الأكبر، والولايات المتحدة هي مصدر المساعدات الأكبر لإثيوبيا، إذ تُعد الصين أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) في إثيوبيا، وتمثل الاستثمارات الصينية التمويل الرئيسي لحوالى 60% من المشروعات التي يتم تنفيذها في إثيوبيا خلال العام 2019، في حين أن الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للمساعدات الإنمائية الرسمية لإثيوبيا.
وعلى مدار الأعوام العشرين الماضية، بلغت استثمارات الولايات المتحدة الطويلة الأجل في إثيوبيا أكثر من 13 مليار دولار، من بينها 4 مليارات دولار في السنوات الخمس الماضية، ما يؤكّد رغبة الولايات المتحدة الحثيثة في تعزيز التعاون الاقتصادي في شتى مجالاته، لتحجيم النفوذ الصيني في إثيوبيا.
2- تزامن إطلاق المشروعات والمبادرات التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، إذ قام كلّ من جاك دورسي، المؤسس المشارك لمنصة “تويتر”، وجاك ما المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق لشركة “Alibaba” الصينية، بزيارة عدد من الدول الأفريقية، ومن بينها إثيوبيا، خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2019. وقد تم إطلاق لقب “two Jacks” على هذه الزيارة، للتعبير عن أهمية الدول الأفريقية وإثيوبيا كساحة للتنافس التكنولوجي الأميركي -الصيني.
تزامن ذلك مع إطلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) مشروعَ الصحة الرقمية، وذلك بمبلغ 63 مليون دولار، بهدف تعزيز المعلومات الرقمية حول قطاع الصحة، وتحسين جودة خدمات النظام الصحي في إثيوبيا خلال 5 سنوات. كما ستشترك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مع الجامعات المحلية لتقديم دورات تدريبية لتطوير الكفاءات في الابتكارات الصحية والحلول الإلكترونية.
وفور إعلان إثيوبيا استراتيجيتها الرقمية الأولى في أيار/مايو 2020، أكدت بيلين سيوم، المتحدثة باسم رئيس الوزراء الإثيوبي، أن إثيوبيا ترحب بالدعم الصيني لتنفيذ هذه الاستراتيجية، ما يعني مزيداً من التعاون التكنولوجي بين إثيوبيا والصين.
وتزامن ذلك أيضاً مع إعلان السفارة الأميركية في أديس أبابا قيام الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة المالية الإثيوبية بالتوقيع على اتفاقية شراكة تنموية بقيمة تزيد على 230 مليون دولار، بهدف دعم قطاعات التعليم والصحة والزراعة، وكذلك دعم جهود إثيوبيا للانتقال إلى فئة الدول ذات الدخل المتوسط.
3- فوز تحالف الشركات المدعوم من الولايات المتحدة لبناء شبكات 5-G، تَمثل المؤشر الأكبر والأحدث للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين في المناقصة التي أجرتها إثيوبيا لتعزيز بنية الاتصالات لديها وبناء شبكات الجيل الخامس (5-G) وتشغيله.
وقد تم الإعلان في 22 أيار/مايو 2021، عن فوز تحالف الشركات بقيادة شركة “فودافون جروب بي إل سي” في المملكة المتحدة، والمدعوم مالياً بأكثر من نصف مليار دولار من مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية، وهي وكالة مساعدات خارجية أميركية تم إنشاؤها في العام 2019 لتقديم تمويلات ميسرة لمجابهة النفوذ الصيني العالمي. وتقدم هذه المؤسسة قروضاً منخفضة الفائدة، بشرط عدم استخدامها لشراء معدات اتصالات من شركتي “هواوي” و”ZTE”.
ختاماً، إن تراجع العلاقات الأميركية – الإثيوبية هو السيناريو الأكثر ترجيحاً وفقاً للمعطيات الحالية، ففي ضوء البيان الصادر عن وزارة الخارجية الإثيوبية، والمتضمن الإفادة بأن إثيوبيا ستراجع علاقتها بالولايات المتحدة بسبب فرض الأخيرة قيوداً على منح تأشيرات لأي مسؤول أمني أو حكومي حالي أو سابق إثيوبي ثبت ضلوعه في الانتهاكات التي تُرتكب في إقليم تيغراي، فضلاً عن أن وزير الخارجية الأميركي أعلن فرض قيود واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة لإثيوبيا، مؤكداً مواصلة مساعدة إثيوبيا فقط في مجالات الصحة، والأمن الغذائي، والتعليم الأساسي، ودعم النساء والفتيات، وحقوق الإنسان، والديمقراطية والحكم الرشيد، وتخفيف حدة النزاعات.
لذا، من المتوقّع أن تواجه الولايات المتحدة صعوبة في إدارة حربها بالوكالة مع الصين في إثيوبيا، إذ سيكون من الصعب أن تتخلّى الأخيرة عن علاقتها بالصين، وخصوصاً في ظلّ تراجع الدعم الأميركي.