كتبت صحيفة “النهار” تقول: مشهد كارثي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى دراماتيكي أسفرت عنه الأيام الثلاثة من الحرائق التي التهمت مساحات شاسعة من غابات لبنان وأحراجه، وبدأ معه الأسبوع اللبناني الجديد مثقلاً بمزيد من القتامة.
وإذ ظلت صور التفحّم الذي اجتاح الأحراج والغابات في معظم مناطق لبنان في صدارة المشهد الداخلي، فلم تعد الصور الرتيبة للمسؤولين في مقارهم الرئاسية او الوزارية وهم يستقبلون الزوار تفي بحاجة المناورة والتخفي والالتفاف والتمويه عن العجز الفاضح القاتل الذي يطبع حال اهل العهد والحكومة ومجلس النواب قاطبة امام تسلط سياسي موصوف، لم يعد ممكناً تجاهل المفاعيل الانقلابية القسرية التي أدى ويؤدي اليها في شلّ حكومة باتت ميتة سريرياً مهما قيل في واقعها تلطيفاً وتخفيفاً وتهذيباً! مع مطلع أسبوع جديد وسط الشلل القاتل الذي أصاب الحكومة بدا هزلياً ان يستمع اللبنانيون إلى الانباء المملة الفارغة من أي محتوى عن “فعاليات” الدولة وأركانها في يومياتهم، وكأنهم كما وصفهم تماماً مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الانسان أوليفييه دي شوتر قبل أيام “يعيشون في عالم خيالي” وسط مسافات لا تصدق بين واقع الازمات الكارثية التي يتخبط فيها لبنان والأطر العاجزة والفارغة لممارسة المسؤوليات في مواجهة الازمات المتعاظمة. لم تظهر أي معالم حلحلة في الازمة الحكومية المصابة بانسداد لا يبعد كثيراً عن استحضار تجارب الإنسداد القريبة العهد مثل ازمة تشكيل الحكومة التي استمرت نحو 11 شهرا قبل ولادة الحكومة الحالية. ولا يختلف الوضع بل لعلّه اشدّ سوءا في ازمة تدهور العلاقات بين لبنان والدول الخليجية على نحو غير مسبوق، التي لم تشهد بدورها أي تطور إيجابي. ولعل ما بات يصعب انكاره وتكذيبه ونفيه على ألسنة أي مسؤول او معني ان الشلل المتعمّد الذي افتعله الثنائي الشيعي، وبضغط متزايد خصوصا من “حزب الله”، يبدو كأنه بدأ يخطّ مسلكاً نحو تحقيق هدف أساسي لديه هو ربط كل أوجه الازمة المفتعلة بعضها ببعض لجعل طريق العودة إلى إحياء مجلس الوزراء يمر بصفقة او مقايضة ضمنية تشتمل على الإطاحة بالمحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، والتفاهم على مخرج لمطالبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بإقالة او استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، كما والتفاهم مسبقاً على موقف من العاصفة الخليجية لئلا تنفجر الانقسامات الحكومية منها داخل مجلس الوزراء لدى معاودته جلساته. ومع ان المعطيات المتوافرة أمس لم تشر إلى نضج كامل بعد لمعالم هذه الصفقة – المقايضة، فإن معطيات تحدثت عن استعداد رئيس مجلس النواب نبيه بري لإخراج حل جزئي لأزمة تعليق جلسات مجلس الوزراء، ونقلت عن اوساطه انه يعمل بهدوء وبعيداً من الاضواء ويبلور مبادرة لن تكون بكركي بعيدة عنها وبدأت مع زيارة وزير الاعلام جورج قرداحي إلى عين التينة. كما ان اوساطا مطلعة على اجواء السرايا الحكومية تحدثت عن بذل جهد كبير لإخراج الأزمة من حال المراوحة تمهيداً لعودة الاجتماعات الحكومية عبر تجزئة ملف التحقيقات بين المحقق العدلي في جريمة المرفأ طارق البيطار وبين المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، على ان يشرع المعنيون فور طي هذه الازمة في البحث الجدي لمعالجة الازمة الخليجية وبدء التحرك في اتجاه ترتيب زيارة للرئيس نجيب ميقاتي إلى السعودية وبعض دول الخليج للبحث في إطار الحل.
زيارات ديبلوماسية
في غضون ذلك، تتكثف الاجتماعات الحكومية الجانبية والتحضيرات لملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وانجاز وضع خطة الكهرباء، في ظل معلومات عن ربط بدء التفاوض بانجاز الاستحقاق الانتخابي النيابي، في إطار خطوة التفافية دولية على اي محاولة لتطييره.
ويقوم وزير الخارجية عبد الله بو حبيب يوم الجمعة المقبل بزيارة لروسيا على رأس وفد حيث يلتقي عددا من المسؤولين الروس ويبحث معهم في ملفات لبنان والمنطقة ويستمع إلى مقاربة موسكو للازمة في لبنان.
ومساء أمس وصل وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو إلى بيروت آتياً من العاصمة الإيرانية طهران، في زيارة يلتقي خلالها الرؤساء الثلاثة وعدداً من المسؤولين كما يفتتح مشاريع إنمائية عدة في عدد من المناطق ساهمت بلاده في تمويلها على أن يعقد مع نظيره اللبناني مؤتمراً صحافياً مشتركاً بعد ظهر اليوم في مقر وزارة الخارجية. ويدشن أوغلو خلال زيارته مشاريع مولتها شركة تركية أبرزها مشروع لانتاج الطاقة في الضبية كما يطلع على سبل الاستثمار في لبنان وفي اعادة اعمار المرفأ وانشاء خط قطار بيروت الشمال.
اما في ملف الازمة الخليجية، فأكد رئيس الجمهورية ميشال عون، أمام زواره أن “العمل جار لمعالجة الوضع الذي نشأ بين لبنان والسعودية وعدد من دول الخليج إنطلاقاً من حرص لبنان على إقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة”. والتقى عون أمس سفير لبنان في السعودية فوزي كبارة، وسفير لبنان في البحرين ميلاد نمور والقائم بالأعمال في سفارة لبنان بالكويت هادي هاشم وعرض معهم التطورات المتصلة بالعلاقات اللبنانية مع الدول الثلاث وسبل معالجتها.
وفي المقابل أعتبر المكتب السياسي لحركة “امل” أن “المدخل الأساس لأي حل هو خروج المعنيين من حالة المراوحة القاتلة التي أوصلت البلاد إلى آخر درك يكون بدور الدولة الراعية التي تلتزم تطبيق الدستور والقوانين دونما استنسابية أو إنتقائية في المجالات كلها، أو على أسس الفرز المذهبي والطائفي، الذي عطّل ويعطّل انتظام عمل المؤسسات ويمنعها من تأدية واجباتها الأساسية في رعاية المواطن وعيشه الكريم، وخصوصاً في ما هو على تماسٍ مع يومياته وأبسط مقومات حياته”.
وكانت تطورات الوضع الداخلي محور لقائين لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس مع سفير بريطانيا إيان كولارد ثم سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو التي رافقها المدير العام للعولمة والتدريس والتنمية ميشال ميرييه. ويندرج اللقاء في إطار جولة يقوم بها ميراييه على بعض المسؤولين في لبنان وتمت مراجعة العلاقات الثنائية في مجالات التربية.
الحرائق
من جهة اخرى، وفي وقت انحسرت إلى درجة كبيرة الحرائق التي تلتهم احراج لبنان منذ ايام، وغابات بيت مري والمونتيفردي وعين سعادة في شكل خاص، تابع ميقاتي مع وزير البيئة ناصر ياسين أضرار الحرائق المتنقلة في عدد من المناطق، بعدما عاين الوزير ياسين الوضع ميدانيا الاحد. وافادت معلومات ان عدد الحرائق بلغ في عطلة نهاية الأسبوع بحسب أول تقرير لوزارة البيئة 93 حريقاً من بينها 35 حريق غابات في كل من الجنوب والبقاع الغربي والمتن وكسروان وعكار، وكان أبرزها الحريق الهائل الذي اندلع اول من أمس في بيت مري واستمر على مدى يومين، وقضى على مساحات شاسعة من غابات الصنوبر واقترب من المنازل، لكن بفضل جهود الدفاع المدني تمت السيطرة على الحرائق بنسبة 80%، وتوجه ميقاتي بتحية إلى الجيش والدفاع المدني والفرق الكشفية وكل من ساهم في إخماد الحرائق، مشددا على ضرورة استمرار التحقيقات لمعرفة الأسباب التي أدت إلى اندلاعها ومنع تكرارها، اضافة إلى توقيف المتسببين بها وإحالتهم على القضاء المختص”. كما طلب من الهيئة العليا للاغاثة “إجراء الكشف اللازم على أماكن الحرائق ورفع تقرير سريع في هذا الصدد”. وشدد ميقاتي على “وجوب إنصاف عناصر الدفاع المدني، الذين بذلوا جهودا جبارة في اخماد الحرائق، والذين لم يترددوا في القيام بواجباتهم وتقديم التضحيات الكبيرة رغم المعاناة المستمرة من عدم إنصافهم”.