Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

لبنان الفرنسي ولبنان الإيراني: بقلم السيد صادق الموسوي

 

لبنان الفرنسي
ولبنان الإيران
تزامن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي بعد أكثر من سنة على استقالة الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب مع حدث مهم ومؤثر في حياة اللبنانيين.
لقد وصلت الأمور في لبنان إلى الإذلال بمعناه الكامل، فلا ماء ولا كهرباء ولا مازوت ولا بنزين ولا خبز ولا …، وصار من الضروري للحصول على قليل من البنزين من أجل تدوير محرك السيارة تبويس أيادي، ولكي يحصل رب العائلة على ربطة خبز لإطعام أبنائه وجب ربح جميل صاحب الفرن والسوبر ماركت والدكانه، وأصحاب المولدات يرفعون الأسعار ويقننون ساعات التغذية بالكهرباء بحجة نفاد المازوت، وأما بالنسبة للدواء فلا يمكن الكلام عنه لأن المرضى سلّموا أمرهم إلى الله وينتظرون عزرائيل ملك الموت لأن الدواء مفقود من الصيدليات وحبوب الأسبرين والبنادول لا يجدها المواطن إلاّ بعد البحث عنها كثيراً هنا وهناك، وبالنتيجة صار كل همّ اللبناني أن يبقى على قيد الحياة أي أن يتنفس الهواء وينبض القلب، وأول سؤال يوجّه إلى اللبناني في إتصال قريبه أو صديقه من الخارج: هل عندكم كهرباء ؟، هل يوجد لديك بنزين ؟، كيف وضع أفران الخبز ؟، وفي إتصال اللبناني بقريبه وصديقه في الخارج بعد التحية: هل يمكن أن تتكرم عليّ بإرسال الدواء الضروري لأمي وأبي الطاعنين في السن لأنهما على وشك الموت والدواء لهما مفقود في لبنان ؟.
في هذا الوضع الكارثي دخل الفرنسي على الخط وحط رئيسه ماكرون رحاله في بيروت من دون دعوة من السلطات الرسمية اللبنانية، واستدعى رؤساء وممثلي كافة الأطراف والطوائف والأحزاب إلى السفارة الفرنسية ليطرح عليهم ” مبادرة ” توقف الإنهيار، وتسابق الجميع في الترحيب بتلك المبادرة عبر مواقف معلنة وتصريحات إعلامية، وفي خارج مبنى السفارة كانت تنتظر الرئيس الفرنسي عريضة موقعة من الآلاف تطالب ماكرون بإعادة إستعمار لبنان لأن الحاكمين اللبنانيين الغارقين في الفساد والناهبين لثروات البلاد لا أمل فيهم ولا خير يُرجى منهم، وبقي الترحيب مستمراً حتى تشكيل الحكومة، بل صار الإلتزام بتطبيق المبادرة الفرنسية جزءاً من البيان الوزراي للحكومة الجديدة التي تم استدعاء عدد من أعضائها من الخارج حيث كانوا يقيمون ويمارسون منذ سنوات حياتهم هناك بعيدين عن هموم اللبنانيين والأزمات الخانقة.
وفي الجانب الآخر كانت المبادرة الإيرانية لتخفيف آلام اللبنانيين قليلاً وتامين المازوت للمستشفيات كي تتمكن من تدوير الأجهزة وانقاذ الأرواح، وللأفران كي تؤمن الخبز للناس، وللمولدات كي يصل الكهرباء إلى المنازل، وأيضاً إيصال البنزين كي تنتهي الصفوف الطويلة أمام محطات الوقود وتختفي تلك المشاهد المخزية في كافة المناطق اللبنانية، وهنا قامت القيامة لأولئك الذين قدموا العريضة للرئيس الفرنسي طالبين استعمار لبنان من جديد، ورأوا في وصول شحنات المازوت انتهاكاً للسيادة اللبنانية، ووصول البنزين تجاوزاً للدولة اللبنانية، وكأنهم يقولون للبنانيين: الموت جوعاً ومرضاً أو القبول بالإستعمار الفرنسي من جديد، أما البقاء على قيد الحياة من خلال المساعدة الإيرانية فهو أمر مرفوض.
إن الذين حضروا اللقاء مع الرئيس الفرنسي ماكرون سمعوا منه كلاماً استعلائياً وكانه الحاكم الفعلي للبنان، وأن البلد ما زال تحت الإحتلال الفرنسي، ولم يرَ أحد في ذلك السلوك انتهاكاً لسيادة لبنان، ولم يملك أحد من الحاضرين شجاعة ليذكّر الرئيس الفرنسي بأن لبنان أصبح منذ العام ١٩٤٨ دولة مستقلة عن فرنسا، وأن دخول الرئيس الفرنسي البلاد كان لا بد أن يكون بدعوة من رئيس الجمهورية اللبنانية، وأن العلاقة بين الدول تتم عبر المؤسسات الرسمية، وأن استدعاء الأشخاص من ذوي الصفات والمواقع إلى السفارة الفرنسية التي هي أرض فرنسية ومخاطبتهم في أمر يخصّ اللبنانيين وحدهم ينافي استقلال البلاد، وأن تهديد المسؤولين اللبنانيين من قبل دولة أجنبية امر مرفوض بالكامل، لكن المخزي أن التصفيق الشامل والطويل كان جواب الحاضرين اللبنانيين في السفارة الفرنسية على الكلام الإستعلائي للرئيس ماكرون.
أما إذا أتت مساعدة أخوية من الجمهورية الإسلامية في إيران لتخفيف معاناة اللبنانيين وتحريك عجلة الحياة قليلاً بعد توقفها عن الدوران بالكامل، فهذا الأمر يستدعي رفضه بكل قوة وشنّ الحرب الإعلامية ضده، ودخول أعلى الشخصيات الدينية على خط المعارضة والتحدث عن موقفه من على منبر الكرسي الرسولي في الفاتيكان، ثم تكرار نفس الموقف من القصر الجمهوري في بعبدا، وقبل ذلك كان التعبير عن الموقف الرافض أثناء إقامة قداس على نية بشير الجميل الذي فاز بالرئاسة بفضل الإجتياح الصهيوني، والذي جعله البطريرك الراعي مثالاً للحرية ومثلاً يجب أن يسير على منهاجه عموم اللبنانيين، ولا ندري كيف تمكن البطريرك الراعي من الجمع بين التباهي بشخص تواطأ مع عدو لبنان الرسمي والفعلي ويصفه المثل والمثال، وفي نفس الوقت يرى دخول المساعدة الإيرانية للبنانيين أمراً مرفوضاً في حين أن الجمهورية الإسلامية وبالإعتراف الرسمي للدولة اللبنانية هي دولة صديقة، وقسم كبير من المواطنين اللبنانين هم من طائفة يتبعون مرجعيات دينية تسكن العراق وإيران منذ قرون ويلتزمون بالفتاوى التي تاتيهم من مراجع التقليد في النجف الأشرف وقم المقدسة، وبصورة نادرة كان أحد مراجع الشيعة يسكن غير هذين البلدين الذين ذكرتهما؛ لكن المفارقة أن أحداً لا يرى غضاضة في ان يكون تثبيت انتخاب بطريرك الطائفة المارونية في العالم على يد البابا الذي هو رئيس دولة أجنبية لها سفارات رسمية وسفراء معتمدون لدى مختلف دول العالم، ولا يدين أحد إقامة قداس سنوي في بكركي وصلاة برئاسة البطريرك نفسه وذلك على نية فرنسا الدول المستعمرة التي ارتكبت المجازر أثناء احتلالها للبنان والمنطقة، بل إن رئيس الحكومة اللبنانية وفور تشكيل حكومته يُسرع إلى العاصمة الفرنسية ليقدم واجب الطاعة للسيد الفرنسي طالباً رضى فخامته ليتمكن من القيام بمهام رئيس الحكومة اللبنانية، وذلك في طل تغطية إعلامية لبنانية واسعة، ومن دون أن يرى أحد في ذلك عيباً ومنافاة للإستقلال وتعارضاً مع السيادة اللبنانية.
إن إزدواجية المعايير في لبنان أمر مرفوض فإذا كان إلتزام جمع من اللبنانيين بولاية الفقية انتقاصاً من الولاء للوطن فإن رهن مشروعية بطريرك أعلى لطائفة لبنانية بموافقة رئيس دولة الفاتيكان وتثبيته ورضى أبناء الطائفة بهذا الأمر لهو أمر أكثر دلالة على ارتهان رمز طائفة لبنانية بل طائفة لبنانية برمتها لسلطة خارجية.
وبالحسابات البسيطة نجد أن مجرد إعلان المبادرة الإيرانية تحركت السفيرة الأمريكية في بيروت وأعلنت رفع عقوبات بلادها المفروضة على سوريا والتواصل مع مصر والأردن لتزويد لبنان عبر سوريا بالكهرباء والغاز، وبدأت تنهال المساعدات الدولية على لبنان واعلنت المواقف المؤيدة للبنان والداعية إلى ضرورة الوقوف إلى جانبه في محنته، ولو لم تكن المبادرة الإيرانية تلك لاستمرت العقوبات والضغوط على لبنان ولدامت سياسة الحصار الخانق على الشعب اللبناني؛ ولذلك فإن المرتمين في أحضان الولايات المتحدة والمتزلفين لسفيرتها في عوكر والذين يطلقون التصريحات المنددة بالمبادرة الإيرانية يجب أن يشكروا في خلدهم الجمهورية الإسلامية في إيران التي تسببت في رفع جزء من العقوبات الأمريكية الظالمة وأعادت الإهتمام الدولي والعربي بلبنان، وتم الإفراج عن الحكومة اللبنانية التي كانت أسيرة المشادات الداخلية والخارجية.
ثم إننا نذكّر السادة الذين ” يدافعون ” عن السيادة اليوم ويعارضون المساعدات الإيرانية بأن الحضور الإيراني أيام شاه إيران المقبور كان أقوى، وتدخله في الشأن اللبناني لم يكن خافياً على أحد، وعلاقاته مع مختلف الأطراف اللبنانية كانت وطيدة، حتى أنه ساهم في تسليح ميليشيات انعزالية أثناء الحرب الأهلية، ولم يكن يرى أحد في ذلك عيباً، والتدخلات الشاهنشاهية انتهاكاً للسيادة الوطنية، والسبب في ذاك أن محمد رضا بهلوي كان موضع رضا السيد الأمريكي وحليفاً للكيان الصهيوني، لكن بمجرد أن أصبحت إيران خارج السلطة الإستعمارية الأمريكية، وأخذت المنحى التحرري، وأعلنت مساندتها للقضايا المحقة وعلى رأسها قضية فلسطين، فإن تحركاتها في نظر أذناب أمريكا والمستقوين بالكيان الصهيوني الغاصب صارت مرفوضة، ونشاطاتها أصبحت تنافي السيادة اللبنانية، ومساعداتها للبنانيين صارت تجاوزاً للدولة اللبنانية، والعلاقة معها أصبحت تعني التخلي عن الولاء للوطن.
إنني أنصح المراهنين على الغرب عموماً وعلى زعيمته أمريكا الهرمة كياناً والمهزومة عسكرياً والمأزومة اقتصادياً والفلتانة أمنياً أن يمعنوا النظر قليلاً في الأحداث من حولهم، ويأخذوا منها العبرة، فالرئيس الأمريكي الحالي يواجه طعناً في صلاحيته لإدارة البلاد بسبب شيخوخته وفقدانه قليلاً من داكرته، ومن قبل كان الرئيس الأمريكي يواجه طعنا في توازنه العقلي نتيجة تصرفاته الهوجاء، ثم إن الهزيمة في أفغانستان كانت دليلاً على منتهى العجز واعترافاً بالفشل في البلاد، والاستعداد للخروج من العراق مع نهاية العام الحالي دليل آخر على مدى الضعف الأمريكي، ثم إن العجز في الميزانية الأمريكية لهذه السنة قد يبلغ ٣ تريليون دولار، ويبحث الرئيس الأمريكي الحالي عن طريقة أخرى لحلب أبقار جديدة أو بذرائع جديدة لتخفيف أزمة بلاده الإقتصادية، وفي الجانب الأمني فيكفي الإستماع لنشرات الأخبار كل يوم لنسمع ونرى مشاهد القتل في مختلف الأماكن وفي المدن الأمريكية كلها، وسقوط عشرات الضحايا نتيجة إطلاق النار من قبل مسلحين ببنادق رشاشة، وفي اقتحام المسلحين لمبنى الكونغرس وعجز القوات المسلحة المولجة بحماية تلك المباني أكبر برهان على فقدان الأمن بالكامل في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي المقابل نرى ونسمع جميعاً التنازل تلو التنازل من جانب الإدارات الأمريكية أمام الجمهورية الإسلامية والإتصالات المتكررة للزعماء الغربيين مع رئيس الجمهورية الإسلامية ” متمنين ” عليه الموافقة على استئناف مفاوضات فيننا في ” أسرع وقت ممكن “، في وقت تزيد المخاوف الأمريكية والصهيونية من القدرة الإيرانية في المجال النووي والصاروخي وعلى مختلف الصُعُد العلمية والصناعية، وبعد الدخول الإيراني في منظمة شانغهاي الإقتصادية كدولة كاملة العضوية فإن العقوبات الأمريكية باتت غير ذي جدوى، والأبواب الروسية والصينية ودول آسيا قد أصبحت مفتوحة بالكامل أمام الجمهورية الإسلامية لتصدير منتوجاتها واستيراد ما تحتاجه من الدول الأعضاء في المنظمة.
أما أفغانستان التي أرادتها الولايات المتحدة خنجراً في الخاصرة الإيرانية فإن القيادات الجديدة تؤكد مراراً وتكراراً إصرارها على نسج أفضل العلاقات مع إيران، والمملكة العربية السعودية التي سلكت عقوداً طريق العداء مع الجمهورية الإسلامية في إيران فإنها أعلنت بكل صراحة توجهها نحو تطبيع العلاقات مع إيران وذلك على لسان الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، وجلسات المفاوضات الجارية بين إيران والسعودية في العاصمة العراقية خير دليل على التحول في السياسة السعودية.
فماذا ينتظر المراهنون الأغبياء ليدركوا أن الواقع العالمي قد تغير وأن الولايات المتحدة الأمريكية قد كسرت شوكتها الصين وروسيا، وأن الهيبة الأمريكية قد سحقتها الجمهورية الإسلامية، وأن الحديث الآن هو عن العالم بعد أفول السلطة الأمريكية، وهنا نتذكر قول الله سبحانه: ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) صدق الله العلي العظيم.
السيد صادق الموسوي