} د. علي سيّد
بقدر ما أدرك الإمام الصدر مخاطر الانقسامات العربية على لبنان والعرب والقضية الفلسطينية، كان مؤمناً كلّ الإيمان بضرورة العمل الجاد والمتواصل من أجل معالجة الخلافات العربية الطارئة والمحافظة على زخم التضامن العربي الذي بدأ يتبلور اثر هزيمة حزيران 1967 وحرق المسجد الأقصى 1969، وتمّت ترجمته فعلياً في حرب تشرين الأول ـ أكتوبر 1973. إذ انّ التضامن العربي ينعكس إيجاباً على كافة المستويات اللبنانية والعربية وقضية الصراع العربي ـ “الإسرائيلي” فهو:
1 ـ يدرأ الخطر عن لبنان، إذ عند انتفاء الخلافات العربية ـ العربية التي تترجم اقتتالاً في الشارع اللبناني، يسهُل الخروج من الأزمة، ويبتعد شبح التقسيم وضرب المقاومة الفلسطينية.
2 ـ يجعل للدول العربية وجامعتهم “مكاناً تحت الشمس”، فيترجم وزنهم الحقيقي على الساحة الدولية، لا أن يظلّوا مجرّد أدوات تتنازعهم المصالح المتضاربة بين الشرق والغرب، إذ هناك نوعان من الساسة ـ وفق تعبير كسينجر ـ أولهما يكون “صانع تاريخ”، وثانيهما يكون مجرّد “أداة في يده”.
3 ـ يُحبط “سياسة فرّق تسد” المتبعة تاريخياً، تجاه الدول العربية والإسلامية، والتي باشرها من جديد وزير الخارجية الأميركية في السبعينيات هنري كيسنجر، وبخاصة بعد حرب تشرين 1973، التي وقفت فيها كافة الدول العربية متضامنة خلف دول المواجهة (مصر وسورية آنذاك) واستخدمت سلاح النفط في خدمة المعركة، الأمر الذي أزعج الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية (الحليف الإستراتيجي لإسرائيل). فباشر كيسنجر سياسة “الخطوة – خطوة” بهدف تحويل وجهة الصراع في الشرق الأوسط بجعله صراعاً عربياً – عربياً، بدل أن يكون صراعاً عربياً ـ “إسرائيلياً”.
وبالفعل كانت الخطوة الأولى مع مصر التي بدأت تخرج من الصراع، ووافقت على المحادثات المباشرة مع “إسرائيل” (الكلم 101)، إلى أن كان اتفاق كامب دايفيد في ما بعد والذي شقّ العرب بين مؤيّد ومعارض وتمّ نقل مقر الجامعة العربية من مصر الى تونس.
هذا السياق أضعف الموقف العربي وفجّر الصراع حرباً أهلية في لبنان نيسان 1975، وشجّع العدو الإسرائيلي على اجتياح الجنوب اللبناني آذار/ مارس 1978، وسهّل حَبك المؤامرة الكبرى التي أدّت الى إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه أواخر آب/ أغسطس 1978، ومهّد للإجتياح الإسرائيلي الكبير للبنان في حزيران/ يونيو 1982 الذي أخرج المقاومة الفلسطينية من بيروت إلى تونس آنذاك .