“الدوا مقطوع”، عبارة تلخّص عمق ازمة الدواء في لبنان، ازمة مرجّحة للتفاقم اكثر في الايام المقبلة بعدما نفد مخزون الصيدليات، وباتت بمعظمها تواجه خطر الإقفال، مع ما يترتب على الامر من ازمة صحية وانسانية كارثية تهدّد كل مواطن بات صعباً عليه ايجاد دوائه.
منذ عدّة اسابيع والحاج محمد يعاني من ازمة صحية، بعدما عجز أولاده عن ايجاد دوائه المزمن، ينتظر بفارغ الصبر هبوط الوحي ليعثر على دوائه، غير أن الامر بات شبه مستحيل، فكل الادوية المزمنة مفقودة او متوفرة بأقلّ من القطارة.
لم تتردّد سهام من توجيه سهام اللوم لكل المحتكرين في هذا البلد، فبحسبها “قد نتعايش مع فقدان كل السلع وحتى البنزين، ولكن لا يمكن ان نتعايش مع فقدان الدواء”، وتضيف: “يصعب عليّ أن ارى والدي يتعذّب من الوجع ويموت امام عينيّ، وأعجز عن ايجاد دوائه”، وأكثر ما يقلقها أنّ “الدواء بات العثور عليه مستحيلاً لأنّ هناك حلقة من المحتكرين تخزّنه لتبيعه إما بالسوق السوداء او بعد رفع الدعم، والى حينه هل أفقد والدي؟ أين وزارة الصحة مما يحصل؟ أين هم المعنيون؟ لمَ لم نشهد قوة ضغط باتجاه محتكري الدواء”؟
بين صيدلية واخرى يجول المواطن يومياً بحثاً عن دوائه المفقود، حتى دواء السعال مفقود ايضاً، ومنها ادوية علاج “كورونا”، معظم الصيدليات في منطقة النبطية إما مقفلة هرباً من المواجهة المباشرة مع المريض، وإما تعمل باللحم الحي.
الواقع المظلم لقطاع الدواء والصيادلة سيدفع به نحو الاضراب المفتوح ابتداء من الجمعة والى أجل، كورقة ضغط باتجاه مصرف لبنان والشركات ووزارة الصحة.
يعترف الصيدلي محمد بأن الصيادلة باتوا عاجزين عن مواصلة العمل، فالمخزون لديهم نفد، وبات صعباً عليهم تأمين حبة دواء لمريض السكري والضغط وغيرها من الامراض.
منذ بداية العام الحالي والصيادلية يرفعون الصوت خشية الوقوع في شرك انقطاع الدواء، الى أن وقعت الكارثة، وبات من المستحيل الخروج منها من دون حلول جذرية، حلول يراها محمد “بعيدة المنال سيما وان الكل ينتظر رفع الدعم، وغير ذلك لن يخرج الدواء الى رفوف الصيدليات”، لافتاً الى أنّ “الدواء البديل او الجنريك ايضاً مقطوع، ما يعني أننا في أسوأ أزمة صحية يعيشها البلد والمخزي أنّ الكل يتفرّج”.
على ما يبدو، الازمة متشعبة ابطالها ثلاثة: مصرف لبنان الذي يرفض فتح الاعتمادات للشركات، ما يحول دون استيراد الدواء من قبل هذه الأخيرة، ما أدّى الى توقف تدفّق الادوية الى السوق المحلي وانقطاعها بالكامل، اما وزارة الصحة فترفض اتخاذ قرارات غير شعبوية، وتطالب برفع الدعم أقلّه حتى سعر 3900 وهو ما يعقّد الامور اكثر، وِفق يوسف احد الصيادلة الذي يرى أن الازمة متجذّرة، فالكلّ يتقاذف المسؤوليات ونحن نواجه غضب الناس وغضب المريض، فيما الشركات تتمنّع عن تسليمنا الدواء بحجة “ما في ادوية”، واحياناً تسلّمنا علبة واحدة يحتاجها 25 مريضاً، فلمن الافضلية في توزيعه”؟
وفيما الكل يرمي الطابة في ملعب مصرف لبنان هناك من يرمي جزءاً من الازمة على المواطن، الذي عمد الى تخزين الدواء بكميات كبيرة ويخشى أن يكون تخزينها تمّ بطريقة خاطئة، كما يقول احد الصيادلة الذي يلوم المواطن الذي خزّن ادوية لمدّة عام، غالباً ما يلجأ الى الصيدلية لاستبدالها بسبب تغيير الدواء من قبل الطبيب، وهذا الامر تراه الصيدلانية نهى “الكارثة الكبرى، فهناك من يسأل عن الدواء وحين لا يجده لا يأبه، وحين نسأله عن سبب لامبالاته يكون جوابه مخزّن كمّيات منه”. وتخشى نهى من انفجار هذه الكارثة لسبب ان هناك من يخزّن الدواء في سيارته او في اماكن خطرة، في حين أن هناك ادوية تحتاج تبريداً وتهوئة، أضف الى أنّ هذا التخزين حرم من هم بحاجة له في هذه الظروف”، كما تشير الى ان هناك مواطنين باتت منازلهم صيدليات ويعمدون الى بيع الدواء سوق سوداء وهو ما يجب وضع حدّ له”.
لم تجد ازمة الدواء طريقاً لها للعلاج، لم يطرح ملفّه على طاولة تشريح الحكومة ولا مشرط جراحة مصرف لبنان، الذي يتعنّت باتخاذ قرارات تفاقم الازمة أكثر، وفيما العين على الاضراب الذي يُعدّ الحل الباقي أمام صيادلة باتت صيدلياتهم فارغة حتى من ادوية التجميل، يرى البعض أن الحل يبدو بعيد المنال لأنّ هناك من يتلاعب بالازمات، ريثما يرفع الدعم وحينها يهبط وحي الحل ويتم الافراج نهائياً عن الادوية بأسعار خيالية.
بإختصار، يبدو ان الدواء لن يكون الا للاثرياء في البلد، أما الفقراء فإما يموتون وجعاً أو من ثمن دواء سيصبح يوازي نصف راتب. فهل تتلقّف الحكومة الامر وتجترح حلاً سريعاً، أم تترك المحتكرين يتحكّمون في سوق الدواء؟