كتبت صحيفة “الجمهورية”: شكّلت زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى المملكة العربية السعودية الحدث الأبرز على المستوى الداخلي أمس، الذي حرّك الآمال في أن تتبلور من خلالها فرصة تأسيسية لإعادة فتح أبواب الأشقاء، ولاسيما في دول الخليج، في وجه لبنان، وتوفير ما يحتاجه من مساعدات تساهم في إخراجه من أزماته، وتمكّنه من إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي. وبعد السعودية ينتقل رئيس الجمهورية إلى القاهرة للمشاركة في القمة العربية. وعلى خط العمل الحكومي ينتظر اللبنانيّون وعود الحكومة وما التزمت به من خطوات وإنجازات. فيما برزت أمس الدعوة التي تلقّاها رئيس الحكومة نواف سلام من نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، للمشاركة في قمة الإعلام العربي التي ستُقام في أيار المقبل في دبي.
عون إلى المملكة
رئاسياً، قام رئيس الجمهورية بزيارة سريعة إلى السعودية يرافقه وزير الخارجية يوسف رجي. وأكّد فور وصوله “أنّ الزيارة فرصة للتأكيد على عمق العلاقات اللبنانية- السعودية، وهي مناسبة أيضاً للإعراب عن تقدير لبنان للدور الذي تلعبه السعودية في دعم واستقرار لبنان وسلامته وانتظام عمل المؤسسات الدستورية فيه”.
وأكّد الرئيس عون: “أتطلع بكثير من الأمل إلى المحادثات التي سأجريها مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي ستمهّد لزيارة لاحقة تُوقّع خلالها اتفاقيات تعزّز التعاون بين البلدَين”. كما أشار إلى أنّ الزيارة ستكون مناسبة لشكر المملكة على احتضانها اللبنانيِّين الذين وفدوا إليها منذ سنوات بعيدة ولا يزالون، وساهموا في نهضتها العمرانية والاقتصادية.
عون وبن سلمان
ومساء، التقى الرئيس عون ولي العهد السعودي في قصر اليمامة، حيث اقيم له استقبال رسمي، ومن ثم عقدا محادثات رسمية في حضور الوفد الرسمي المرافق، وعدد من كبار المسؤولين السعوديين.
زيارة مهمّة
وقد تقاطعت القراءات والتحليلات على أهمية زيارة الرئيس عون إلى السعودية، ليس فقط لجهة إعادة تصويب العلاقة بين البلدَين، وتنقيتها من شوائب الماضي، بل لناحية الدور الذي يمكن أن تتصدّره المملكة في حشد الدعم للبنان، خصوصاً في هذه الظروف التي ينوء فيها بثقل أزمة اقتصادية ومالية صعبة، وكارثة حقيقية تبدّت في نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان. وكشفت مصادر رسمية لـ”الجمهورية”: “ممّا لا شك فيه أنّ جملة متغيّرات قد حصلت على مستوى المنطقة، ولبنان تأثر بها إلى حدود بعيدة، حيث فرضت وقائع لا تشبه ما كان سائداً في الماضي، سواء على المستوى السياسي أو على غير السياسي. وربطاً بذلك، فإنّ موقع لبنان الطبيعي هو داخل الحاضنة العربية، ومن هنا فإنّ العهد الرئاسي الجديد يتطلّع إلى دعم الأصدقاء والأشقاء لتوفير متطلبات وعناصر تمكينه من تجاوز الأزمة، ولاسيما من قبل المملكة العربية السعودية التي يعوّل لبنان على فتح صفحة جديدة من العلاقات الطبيعية والأخوية والصحيّة معها، بما يعود بالفائدة على البلدَين، وعلى لبنان تحديداً”.
وأشارت المصادر عينها، إلى أنّ المملكة التي كان لها الدور الفاعل في إتمام الاستحقاقات الدستورية في لبنان، تعوّل على العهد الجديد كفرصة للانتقال بلبنان إلى مدار الرخاء الذي يتوق إليه كل اللبنانيِّين. وهذا يتوقف على الأداء الحكومي والخطوات الواجب اتخاذها على هذا الصعيد”.
ورداً على سؤال لفتت المصادر إلى أنّ “زيارة الرئيس عون إلى المملكة تُعدّ أولى الخطوات المباشرة التي ستُبنى عليها خطوات أخرى متتالية تؤسس لاستعادة العلاقات على نحو ما كانت سائدة في السابق، ويؤمل ألّا يطول الوقت لنرى دفق السيّاح السعوديّين والاستثمارات السعودية إلى لبنان. على أنّ الدور الأساس في التعجيل بالمساعدات والاستثمارات، يقع على عاتق الحكومة اللبنانية في المبادرة العاجلة إلى التدابير والخطوات الإصلاحية الملموسة في شتى المجالات، وإلى الإجراءات الفاعلة والرادعة والصارمة، لاسيما على صعيد مكافحة الفساد والتهريب”.
إلى ذلك، وفي موازاة المطالبات على غير مستوى داخلي بدعم الأشقاء العرب للبنان، ولاسيما في مجال إعادة الإعمار، أوضح ديبلوماسي عربي لـ”الجمهوريّة”: “أنّ الوقوف إلى جانب لبنان ومساعدته واجب أخوي وإنساني وأخلاقي. والحال نفسه مع إخواننا في قطاع غزة”.
وعمّا إذا كانت المساعدات للبنان مشروطة، أكّد الديبلوماسي العربي عينه: “لم يُبحَث في هذا الأمر بصورة جدّية على المستوى الرسمي حتى الآن، هناك نقاشات ومداولات أولية لم ترقَ إلى عروضات وطروحات جدّية. وخصوصاً أنّه حتى الآن لا يوجد إحصاء دقيق لحجم الأضرار التي تسبّب بها العدوان الإسرائيلي، ولا تقدير دقيقاً أيضاً لحجم كلفة إعادة الإعمار. وأما في ما خصّ الشروط، فلا أحد يتحدّث عن شروط، بل ثمة تساؤلات صريحة عمّا إذا كانت هذه المساعدات إن حصلت لإعمار دائم، أو إعمار سيعود ويتهدّم بعد سنوات؟”.
وعن مصادر التمويل يؤكّد الديبلوماسي العربي: “لا توجد مصادر محدّدة. وربما تعتري هذا الأمر صعوبة، ذلك أنّ موضوع المساعدات دقيق وحساس في الظرف الحالي بالنظر إلى التحوّلات والمتغيّرات التي تتسارع في المنطقة، وإلى الأعباء الكبرى التي لم توفّر من انعكاساتها أي دولة عربية كانت أو أجنبية. وتبعاً لذلك لا وقت محدّداً للحديث جدّياً عن المساعدات للبنان، إذ يجب ألّا ننسى غزة وإعادة إعمارها”.
وعد حكومي
حكومياً، وعدٌ جديد أطلقه رئيس الحكومة نواف سلام من دار الفتوى أمس، بأنّ الحكومة ستولي عناية خاصة للقضايا المعيشية بالإضافة إلى الماء، الكهرباء، الطرقات، والوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي، وخصوصاً أموال المودعين، وتطبيق العدالة في كافة الملفات وإملاء الشواغر بالأكفأ والأصلح والحفاظ على التوازن وحقوق الجميع. كما أنّها ستستنفر كلّ علاقاتها العربية والدولية لانسحاب العدو الإسرائيلي من كافة الأراضي اللبنانية حتى الحدود الدولية المكرّسة باتفاقية الهدنة.
وأضاف سلام: “إنّ ترسيخ مفهوم الدولة بمؤسساتها هو الأساس في عملها، وسيلمس المواطن في الأشهر القليلة المقبلة مستوى جديداً من الأداء الحكومي والخدمات، وسيكون همّنا الأساسي مصلحة اللبنانيِّين وتخفيف الأعباء عن كاهلهم وإعادة لبنان إلى دوره الريادي وإقامة أحسن العلاقات مع الأشقاء العرب والدول الصديقة والحريصة على لبنان الدولة والمؤسسات والشعب”.
توتير وتحرّكات
جنوباً، في الوقت الذي تستمر فيه عمليات الكشف عن الأضرار وإزالة ركام الدمار الهائل الذي سبّبه العدوان الإسرائيلي في المناطق والبلدات الجنوبية، تواصل إسرائيل خروقاتها لاتفاق وقف إطلاق النار، وعملياتها الاستفزازية المتواصلة على طول الحدود، ومحاولات جيشها المتواصلة لتجاوز الخط الحدودي إلى الجانب اللبناني، بالتزامن مع تحليق الطيران التجسسي والحربي في الأجواء.
تحذير
وفيما أفيد عن اجتماع وشيك للجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، أكّد مصدر أمني لـ”الجمهورية” أنّ “بقاء الحال على ما هو عليه من تفلّت إسرائيلي من الاتفاق سواء على الحدود، أو بالغارات والاغتيالات في الداخل اللبناني، سيؤدّي إلى اشتعال الأمور، إن لم يكن اليوم فغداً، أو بعد أسبوع أو بعد شهر. الوضع خطير جداً، وثمة رسالة مباشرة أُبلغت بها لجنة المراقبة ووُجِّهت إلى الأميركيِّين والفرنسيِّين والمراجع الأممية الدولية لتدارك هذا الأمر”.
ولفت المصدر إلى أنّ الأميركيِّين يقولون إنّهم ملتزمون بتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس، لكن الواقع على الأرض يخالف ذلك، إذ يترسّخ احتلال هذه النقاط أكثر بالتحصين والتدشيم الإسرائيلي لها. وكشف أنّ “الجهد الديبلوماسي الذي يقوده رئيس الجمهورية جوزاف عون لإنهاء احتلال تلك النقاط التي تتذرّع إسرائيل بأنّها أخذت موافقة الولايات المتحدة الأميركية عليها والبقاء في النقاط الخمس من دون سقف زمني، لم يقابَل بالتجاوب المطلوب معه، ولا سيما من قِبل الأميركيِّين، الذين يكتفون بالوعود”.
خدمة للحزب
ويبرز في هذا السياق، ما نُقِل عن ديبلوماسي أوروبي تحذيره ممّا سمّاه “وضع مقلق للغاية في جنوب لبنان”، راداً السبب إلى أنّ “بقاء احتلال النقاط يعني إبقاء حالة التوتر وأسباب عدم الاستقرار قائمة، فضلاً عن أنّه يوفّر ذريعة لـ”حزب الله” في إعادة تثبيت حضوره الأمني ومعاودة استهداف إسرائيل”.
وبحسب الديبلوماسي عينه، فإنّ الدوائر الدولية تتقاطع على أولوية نزع السلاح جنوبي وشمالي الليطاني، لكنّ “احتلال النقاط الخمس بالإضافة إلى عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار، يوفّر ذريعة أمام “حزب الله” يجعلها مستنداً للتصلّب وتمسّكه بسلاحه. فقادة الحزب قالوا إنّهم يتركون للدولة اللبنانية أن تقوم بجهد ديبلوماسي لإنهاء الأمور، وأنا قلق جداً “من حزب الله”.
واستوضحت “الجمهورية” رأي مسؤول رفيع حول هذا الأمر، فأجاب: “رئيس الجمهورية يتحرّك بزخم واضح، والحكومة التي أكّدت تصميمها على العمل الديبلوماسي بما يؤدّي إلى تحرير كامل الأرض، تجد نفسها مقيّدة بعدم التجاوب معها. وإنّ عدم ممارسة أيّ ضغوط من قِبل الولايات المتحدة على إسرائيل لإنهاء احتلالها وخروقاتها، يعني إطلاق النار في أرجل الحكومة وإحباط اندفاعتها وكسر معنوياتها والرهان عليها”.
الخارجية الإيرانية
في سياق متصل، أكّدت وزارة الخارجية الإيرانية “أنّ علاقاتها مع لبنان جيدة وتعالج الملفات الثنائية بانفتاح وعبر الحوار”، مشيرةً إلى أنّ “هذا النهج سيستمر. نتائج ما جرى في لبنان وسوريا وما تفعله إسرائيل واضح للجميع، وعلينا العمل لتحقيق الأمن الجماعي”. لافتةً في السياق عينه إلى أنّ “الأمن في منطقتنا يجب أن ينشأ داخلياً وعلى دولها ضمان الأمن بالاعتماد على نفسها”.
