كتبت صحيفة “النهار”: أثارت أزمة التعتيم وانقطاع التيار الكهربائي انقطاعاً شاملاً مزيداً من التفاعلات التي لم تقتصر على الجانب الداخلي، بل الخارجي أيضاً لجهة إقحام هذه الأزمة المزمنة التي ترمز إلى أسوأ وجه من وجوه الفساد والمديونية والهدر والعجز في ملفات العلاقات الديبلوماسية للبنان مع دول مدّت أيدي العون والدعم إليه وأبرزها العراق وأخيراً الجزائر.
وإذ نصحت أوساط معنية بمتابعة هذا الملف السلطة، الإسراع في طي أزمة التعتيم الشامل ومعالجة الأمر بروية مع الدولتين اللتين تساعدان لبنان وعدم التسبب بمزيد من انكشاف التخبط الفضائحي في إدارة أزمة الكهرباء، تبين أن تردّدات الأزمة الأخيرة باتت عند مشارف انفجار داخلي أي داخل المؤسسات المعنية بمجريات ما أدى الى الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي بحيث لم يعد في إمكان الحكومة الاستمرار في عدم التحرك للمحاسبة بعد انفجار فضيحة التلكؤ عن تامين الفيول.
ولذا ظلت هذه الأزمة في صدارة المشهد الداخلي في ظل تطور”نادر” تمثّل في توجيه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كتاباً إلى رئيس هيئة التفتيش المركزي لإجراء تحقيق فوري في موضوع الانقطاع الكليّ للتيار الكهربائي الذي بدا واضحاً أن رئيس الحكومة يحمّل المسؤولية الأساسية فيه إلى رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك. وقد أفاد ميقاتي في كتابه إلى التفتيش أن مجلس الوزراء كان وافق على كتاب ورد من وزير الطاقة يعلم به مجلس الوزراء عن الخطوات التي تنوي الوزارة القيام بها في سبيل تجنب الوقوع في العتمة الشاملة، ورغم ذلك “وبدلاً من تجاوز الأزمة بفعل التجاوب المطلق مع طلب وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان تفاجأت بأن مجلس إدارة المؤسسة لم ينعقد بسبب غياب المدير العام لا بل قطع التواصل مع الجميع ولم يفوّض أياً من أعضاء المجلس بالصلاحيات لا سيما منها المالية…
ولم يبادر مجلس إدارة المؤسسة إلى القيام بواجباته ولم يجتمع لاتخاذ القرارات اللازمة بغياب أي دعوة من رئيسه حتى تاريخ الأحد 18 آب (أغسطس) الجاري، وذلك بعد أن حصلت العتمة الكاملة… وبعد أن تبيّن أن التقصير بعدم دعوة مجلس إدارة كهرباء لبنان للانعقاد أدى الى وقوع أزمة كان من الممكن تفاديها ما يقتضي مساءلة المسؤولين عنها، نطلب إليكم بالسرعة القصوى إجراء التحقيقات اللازمة مع الأشخاص المعنيين بهذه المسالة جميعهم من دون استثناء”.
واجتمع ميقاتي أمس مع وزير الطاقة والمياه وليد فياض الذي مضى في التبرؤ من الأزمة وإطلاق المواعيد والوعود، فقال في موضوع تجديد الالتزام العراقي، “إن العراق، قيادة وشعباً، يؤكد وقوفه إلى جانب لبنان وإعادة التزامه تزويد لبنان بمادة زيت الوقود الثقيل وتمديد الاتفاقية وتجديدها، كذلك التزامه بزيادة الكميات خلال هذا الشهر ليصبح 125 الف طن بدلاً من 100 الف طن ويفترض تحميلها من العراق في السادس والعشرين من الشهر الحالي”.
وأعلن “أننا بصدد تنفيذ اتفاقية تبادل “كرود أويل” من العراق والذي من خلالها نستحصل على زيادة الكمية، والعراق اكد التزامه بذلك، وأمس أجريت اتصالاً مع الوزير حيان عبد الغني ومع رئاسة الحكومة العراقية ولديهما الرغبة بالسرعة في تنفيذ هذا الموضوع كي يكون لدينا مصادر عدة للفيول، وليس مصدراً واحدا”.
أضاف: “ما حصل معنا استراتيجياً خلال هذه الأزمة منبثق من اعتمادنا على مصدر واحد، بينما الاتكال على مصادر عدة هو الأفضل، ولدينا استعداد منذ فترة للاستحصال على “سبوت كارغو” وتحدثنا في السابق أن العراقيين قد ينزعجون من هذا الموضوع.
وكان المدير العام للكهرباء طلب تغطية من الرئيس ميقاتي بقرار خطي، لكن على العكس من ذلك كي يكون لدينا مصدر آخر لاستيراد الفيول حتى لا نقع بالعتمة، علماً أننا أجرينا المناقصة في حزيران (يونيو) الماضي وتم تلزيمها موقتاً في أوائل تموز (يوليو)، وانتظرنا أكثر من عشرة أيام للتلزيم النهائي كي تكون شركة الكهرباء مستعدة لتسلم البضاعة ولكنها ربطت قرارها بمجلس الوزراء أو بقرار مكتوب من الحكومة ما أدى الى تأخر الموضوع”.
وفي غضون ذلك، كان وزير الخارجية عبدالله بوحبيب يشيد خلال استقباله سفير الجزائر لدى لبنان رشيد بلباقي، بـ”المبادرة الأخوية المقدّرة جداً لفخامة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تزويد لبنان بشكل فوري بالفيول لسدّ حاجته في قطاع الكهرباء”. ونقل للقيادة الجزائرية “إمتنان الحكومة اللبنانية وتقديرها الكبيرين لقرار الرئيس تبون، وهو قرارٌ ليس مستغرباً أن يصدر عنه وعن دولة الجزائر الشقيقة التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان وشعبه ودعمتهما في أصعب الظروف التي مرّت ولا تزال عليهما”.
وفي الوقت نفسه، نفى المتحدث الرسميّ باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، ما يشاع عن توقف العراق عن تزويد لبنان بالوقود وأوضح “أنّ التأخير حصل لأسباب فنية ولوجستية تتعلق بالنقل والشحن”. وقال “إنّ العراق ملتزم الاتفاق، الذي وُقّع بين بغداد وبيروت، والأهم والأصدق هو الالتزام الاخويّ والقوميّ والإنسانيّ من الحكومة العراقية والشعب العراقي تجاه اشقائنا في لبنان في الأوقات العصيبة الحالية”. وأكد أنّ الشحنة الجديدة ستحمّل خلال الايام المقبلة.
التصعيد الميداني
أما على “الضفة الأخرى” من المشهد الميداني في الجنوب، فاتسمت الساعات الأخيرة بقدر كبير من التصعيد. وشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارة استهدفت منزلاً في الساحة العامة لبلدة طيرحرفا في القطاع الغربي من قضاء صور. وألقى الجيش الإسرائيلي قذائف فوسفورية على منطقة تل نحاس ما أدى إلى اندلاع حريق قرب مركز قوة “اليونيفيل”.
وتعرض وادي حامول اطراف الناقورة في القطاع الغربي لقصف مدفعي. وكان “حزب الله” أعلن أنه بعد منتصف ليل الأحد الماضي “رصد تسلُّل مجموعة من الجنود الإسرائيليين إلى حرش حدب عيتا، فتصدّى لها مجاهدونا واستهدفوها بالأسلحة الصاروخية وقذائف المدفعية، ما أجبرها على التراجع وأوقعوا فيها إصابات مؤكدة”. وفي المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي، أنه في وقت مبكر صباح أمس هاجمت طائراته مبانٍ عسكرية لـ”حزب الله” في عيتا الشعب وبيت ليف وحولا في جنوب لبنان. وصدر عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة بيان أعلن أن الغارة الإسرائيلية على بلدة حولا صباح أمس أدت إلى استشهاد شخصين. ونعى “حزب الله ” لاحقا عباس بديع ملحم “جهاد” من بلدة مجدل سلم ومحمد علي حسن قدوح “أمير” من بلدة الغندورية.
وفي وقت لاحق، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية الى إطلاق صفارات الإنذار في زرعيت وشتولا بالجليل الأعلى وفي مناطق قضاء مدينتَي عكا ونهاريا إثر انفجار مسيّرة أطلقت من جنوب لبنان باتجاه مستوطنة يعارة وأفادت عن وقوع إصابات بعد استهداف مبنى في مستوطنة يعرا قرب الحدود اللبنانية. وأعلن “حزب الله” أنه “رداً على الاعتداء والاغتيال الذي نفذه العدو الإسرائيلي في منطقة قدموس، شَنَّ مجاهدو المقاومة الإسلامية هجوماً جوياً مُتزامناً بأسراب من المسيّرات الإنقضاضية على ثكنة يعرا (مقر قيادة اللواء الغربي 300) وقاعدة سنط جين (قاعدة لوجستية تابعة لقيادة المنطقة الشمالية)، مُستهدفةً أماكن تموضع واستقرار ضباطها وجنودها وأصابت أهدافها بدقة وأوقعت فيهم عدداً من القتلى والجرحى”.
وأفادت معلومات أولية عن سقوط قتيل و6 إصابات جراء انفجار عدد من الطائرات من دون طيار في منطقة يعرا في الجليل الغربي. وعصراً، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل جندي برتبة رقيب وإصابة ضابط بجروح خطرة في الجبهة الشمالية خلال العمليات القتالية التي تجري مع “حزب الله” عند الحدود اللبنانية.
ومساء امس استهدفت مسيّرة إسرائيلية سيارة على طريق بلدة ديرقانون راس العين ما أدى الى احتراقها ومقتل شخص فيها. وليلاً، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارات على أعالي بلدات النبي شيت، السفري وضهور العيرون في منطقة بعلبك في البقاع. ونقلت رويترز عن مصدرين أمنيين أن الغارات استهدفت مستودعاً للأسلحة لـ”حزب الله”.