وبعد تلاوة الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان “تعظّم نفسي الربّ، لأنّ القدير صنع بي العظائم” (لو 1: 46 و 49) . قال فيها: “في بيت أليصابات، وقد أمتّه مريم حينما علمت من الملاك جبرائيل أنّ نسيبتها المتقدّمة في السنّ، والعاقر حبلى بولد، وهي في شهرها السادس، للحال قامت مريم مسرعة ومضت إلى عين كارم إلى بيت أليصابات، لتخدمها مدّة ثلاثة أشهر حتى مولد يوحنّا المعمدان. هناك رفعت مريم نشيدها. هو نشيد التعظيم لله والإبتهاج به وبخلاصه، ونشيد الإقرار بقدرته على العظائم التي أجراها لمريم وفيها: “تعظّم نفسي الربّ، لأنّ القدير صنع بي العظائم”(لو 1: 46 و 49). إنّه نشيد الكنيسة والمؤمنين”.
وتابع: “تحتفل الكنيسة اليوم بأهمّ عيد للسيّدة العذراء، هو عيد إنتقالها بنفسها وجسدها إلى السماء. وقد اعتاد البطاركة في قنوبين الإحتفال بهذا العيد بحضور ومشاركة قناصل الدول. وهو عيد نياحها أو رقادها. تصوّرها الرسوم ممدّدة على مرتبة الموت، محاطة بالرسل القدّيسين. وهو عيد تتويجها سلطانة السماء والأرض، فتصوّرها الرسوم جالسة على عرش السماء، يكلّلها الآب والإبن المخلّص بإكليل الملوك، ويظلّلها الروح القدس بشبه حمامة. وتصوّرها الرسوم الليتورجيّة محمولة بجمهور من الملائكة على الغمام في اندهاش الرسل وتضرّعاتهم، وبنظرتهم الخاشعة والمنذهلة إلى أكفانها وقبرها الفارغ. إنّ انتقال مريم بنفسها وجسدها إلى السماء عقيدة إيمانيّة أعلنها المكرّم البابا بيوّس الثاني عشر في أوّل تشرين الثاني 1950. لكنّها عقيدة في الأساس حفظها التقليد الرسوليّ الحيّ منذ عهد الرسل”.
واضاف: “ما هي العظائم التي أجراها الله في مريم ولها، وهي في أساس عيد إنتقالها بالنفس والجسد. إنّنا نختصرها بأربع.
أ- العظمة الأولى: عصمة مريم من دنس الخطيئة الأصليّة في الحبل بها، في بطن أمّها القدّيسة حنّه زوجة القدّيس يواكيم كسائر البشر، ما جعلها هيكل الله المنقاة من كلّ خطيئة أصليّة وشخصيّة، والمتّحدة به اتّحادًا كاملًا.
ب- العظمة الثانية: بتوليتها الدائمة: أصبحت أمًّا بقوّة الروح القدس، من دون زرع بشريّ، فعلّمت الكنيسة أنّها عذراء قبل الميلاد وفيه وبعده، كما تنبّأ الأنبياء بالشكل المباشر على لسان أشعيا: “ها إنّ العذراء تحبل وتلد ابنًا اسمه عمّانوئيل”، وبالرموز بصور مثل: العليّقة المتّقدة ولم تحترق (خروج 3: 3) وسواها.
ج- العظمة الثالثة: أمومتها لابن الله المتجسّد، التي جعلتها “ابنة الآب، وأمّ الإبن، وعروسة الروح القدس”. فيجدر أن يشركها الإله بقيامة النفس والجسد من الخضوع لفساد القبر,
د- العظمة الرابعة؛ مشاركتها في آلام الفداء، فتُدعى شريكة الفداء السخيّة، هي التي بإيمانها الصامد وصلت مع ابنها الفادي الإلهيّ حتى الصليب، متألّمة معه بصبر وصمت، لكي يتحقّق كلّ تدبير الله الخلاصيّ. فكانت أمة الربّ في البشارة وفي موت ابنها على الصليب، واحتضنته بين يديها جثّة هامدة، وقدّمته وكأنّها “كاهن” من دون كهنوت القربان المرضيّ الأمثل للآب. وراح كهنة الكنيسة يقدّمون من بعدها ذبيحة الفادي إيّاها أسراريًّا، بشكل غير دمويّ تحت شكلي الخبز والخمر. إنّها الشريكة في التجسّد، والشريكة في الفداء. في الأولى أصبحت أمّ المسيح التاريخيّ؛ وفي الثانية أمّ المسيح السرّي الذي هو الكنيسة”.
وتابع: “من أجل كلّ هذه الاستحقاقات، وتتويجًا رفيعًا لإنعاماتها حفظها الله من فساد القبر. وعلى مثال ابنها الذي انتصر على الموت، شاء الله أن ينقلها بنفسها وجسدها إلى مجد السماء الأسمى، حيث تتلألأ ملكة عن يمين ابنها الملك الذي لا يموت إلى دهر الدهور (راجع براءة إعلان عقيدة الحبل بلا دنس: الدستور الرسوليّ “الله العجيب جدًّا- Munificentissimus Deus للبابا المكرّم بيوس الثاني عشر)”.
واشار الى ان “مريم مكرّمة في المسيحيّة والإسلام، وقد أُقرَّ عيد بشارتها عيدًا وطنيًّا في لبنان. إنّه أحد العناصر الجميلة التي تجمع بين اللبنانيّين. إنّ الأمور التي تجمع بين المسيحيّة والإسلام عديدة، فيجب العودة إليها وتثميرها في حياتنا الوطنيّة، وهي الأساس لنظام التعدّديّة الثقافيّة والدينيّة في لبنان، ولكنّها تعدّديّة في الوحدة. ونعني بالتعدّديّة التنوّع. وهذه ميزة أساسيّة في نظام لبنان السياسيّ. فلبنان اللون الواحد، ليس بلبنان؛ ولبنان الحزب الواحد، ليس بلبنان؛ ولبنان الرأي الواحد الذي يفرضه شخص أو فئة، ليس بلبنان، ولبنان الدين الواحد، ليس بلبنان. وعليه يحتاج لبنان إلى إنتخاب رئيس له، لأنّه وحده ضمانة الوحدة في التنوّع، كرئيس للجمهوريّة هو وحده رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن (المادّة 49 من الدستور)”.
وختم الراعي: “فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات إلى الله، لكي بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سلطانة الإنتقال، أن يجعلنا شبيهين بفضائلها، وأن يوقف حرب الجنوب، ويُحلَّ سلامه العادل والشامل والدائم في الجنوب اللبنانيّ، وفي غزّة، ويُلهم معرقلي إنتخاب رئيس للجمهوريّة القيام بهذا الواجب الوطنيّ المشرّف. فنرفع لله المجد والشكر الآن وإلى الأبد، آمين”.
وبعد القداس، استقبل البطريرك المؤمنين المشاركين في الذبيحة الالهية الذين قدموا له التهنئة بالعيد.