كتبت صحيفة “النهار”: لعل معادلة ما بعد الزيارة السادسة للموفد الفرنسي الرئاسي جان إيف لودريان قد يكون أسوأ مما قبلها، تنطبق هذه المرة على الأجواء الملبدة التي عادت تخيّم على المشهد السياسي الداخلي بعد يومين من اللقاءات “العقيمة” التي أجراها لودريان مع المسؤولين والقادة السياسيين في لبنان من دون تسجيل أي تطور يُذكر في مسار الانسداد الذي يطبع الأزمة الرئاسية. وحتى لو أن لودريان كان اتخذ قراراً منذ فترة طويلة بالامتناع عن الإدلاء باي تصريحات أو اصدار أي بيانات في شأن مهمته في لبنان، فإن الغريب اللافت أن ما سمعه منه معظم الذين قابلوه من تحذير وتخوّف على لبنان السياسي، لم يلقَ مجرد تعليق أو رد سياسي وكأن المسؤولين والسياسيين لا يعنيهم كلام بهذه الخطورة يطلقه ممثل دولة كبرى أياً تكن ظروف تكراره لمثل هذه التحذيرات.
ذلك أن لودريان الذي اشتهر بأنه اطلق قبل سنوات التحذير التوصيفي للبنان من أنه عرضة لغرق مماثل لغرق سفينة التايتانيك، لم يطلق تحذيره الأخير المتخوّف على لبنان السياسي إلا من منطلق ما علم أنه خشية فرنسية جدّية من “انفجار” النظام الدستوري والسياسي اللبناني في نهاية المطاف إذا لم تنح الأزمة بسرعة إلى بدء إعادة الانتظام العام انطلاقا من انتخاب رئيس للجمهورية وقبل أن تدهم لبنان تطورات شديدة الخطورة في الجنوب وعبره الى كل لبنان.
ولعل هذا ما فسّر مسارعة الخارجية الفرنسية أمس، بعد ساعات من مغادرة لودريان لبيروت، إلى التصويب على إسرائيل لجهة عدم ردها بعد على المقترحات الفرنسية لتخفيف التصعيد على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية. وفي أي حال بات في حكم المؤكد أن مجمل الملف اللبناني، بشقيه الرئاسي والحدودي، سيطرح في قمة الرئيسين الفرنسي والأميركي في الثامن من حزيران (يونيو) المقبل، الامر الذي يستدعي انتظار موقف مشترك سينطوي على قدر بارز من الأهمية كما توحي المؤشرات.
ووسط هذه الأجواء غادر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بيروت أمس من دون أن تثمر جهوده في إقناع القوى السياسية على التوافق حول انتخاب رئيس للجمهورية، وفق ما نقل مصدر ديبلوماسي فرنسي لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال المصدر إنّ لودريان “لم يُحقّق أي خرق يذكر” في الملف الرئاسي، بعد لقائه قوى سياسية رئيسية في لبنان بينها “حزب الله”. وأضاف المصدر الديبلوماسي الفرنسي، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّ “كل فريق متشبّث بمواقفه، ما دفع لودريان إلى تحذير المسؤولين الذين التقاهم من أنّ وجود لبنان السياسي نفسه بخطر مع استمرار الشرخ في البلاد”. وحذّر لودريان خلال لقاءاته في بيروت من “مخاطر إطالة أمد الأزمة” وسط السياق الإقليمي المتوتّر، مشدّداً على “الضرورة الملحة لانتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير”، وفق المصدر الديبلوماسي.
وجاءت زيارة الموفد الفرنسي الى بيروت في إطار التحضير لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فرنسا والتي يمكن أن يتطرق خلالها الطرفان إلى الملف اللبناني.
يشار الى ان السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو زار مساء أمس رئيس “التيار الوطني الحر”النائب جبران باسيل فور عودته من إيطاليا، وعقد معه لقاءً مطولاً وضعه خلاله في “أجواء الزيارة الأخيرة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان الى لبنان، كما تطرق إلى الملف الرئاسي وسبل تنشيطه من أجل التوصل لانتخاب رئيس”، بحسب بيان للجنة الاعلامية في “التيار”. ولم يقابل باسيل وأي من مسؤولي تياره لودريان لدى زيارته الأخيرة إلى بيروت.
ومن المقرر أن يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأميركي جو بايدن في 8 حزيران (يونيو) في باريس خلال زيارة الدولة الأولى الى فرنسا حسبما أعلن “الاليزيه” أمس. وسيسبق هذه الزيارة مراسم إحياء الذكرى الثمانين لإنزال الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، في 6 حزيران (يونيو) في النورماندي والتي سيحضرها الرئيس الأميركي وزوجته جيل بايدن.
بدوره أعلن البيت الأبيض في بيان أن بايدن سيكون في فرنسا في الفترة بين 5 و9 حزيران (يونيو). وقال البيت الأبيض أمس إن بايدن سيسافر إلى نورماندي وباريس من الخامس إلى التاسع من حزيران (يونيو) للاحتفال بالذكرى الثمانين لعملية إنزال قوات الحلفاء في نورماندي خلال الحرب العالمية الثانية. وأضاف في بيان أن بايدن سيلقي كلمة في هذه المناسبة في السادس من حزيران (يونيو) وسيلتقي بماكرون في باريس في الثامن من الشهر نفسه في إطار زيارة رسمية.
وبعد ساعات من مغادرة لودريان لبنان أمس أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان، أنّ “اسرائيل لم ترد بعد على مقترحات باريس لخفض التوتر مع حزب الله”. ومعلوم أن فرنسا تقدمت بمقترحات مكتوبة لكل من لبنان وإسرائيل تتضمن انسحاب “حزب الله” مسافة عشرة كيلومترات من الحدود مع إسرائيل بينما توقف إسرائيل غاراتها على جنوب لبنان.
وزار وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه لبنان وإسرائيل في نيسان (أبريل) الماضي في إطار الجهود التي تبذلها فرنسا. كما زار وزير الخارجية الإسرائيلي باريس في وقت سابق من هذا الشهر. ووصل وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب إلى باريس أمس الأول لإجراء محادثات مع نظيره الفرنسي. وقال لوموان في إفادة صحافية يومية: “تلقّينا ردّاً إيجابيّاً نسبيّاً من اللبنانيين، لكنّني أعتقد أنّنا لم نتلق أي رد من إسرائيل حتى الآن”.
وتتناول المقترحات المكتوبة أيضاً مشكلات الحدود المستمرة منذ فترة طويلة والتي نوقشت مع الشركاء، ومن بينهم الولايات المتحدة التي تبذل جهودها الخاصة لتخفيف التوترات وتمارس أكبر قدر من التأثير على إسرائيل.
ملف التهريب والنازحين
عقب مغادرة لودريان عادت الى الواجهة تداعيات ملف النازحين السوريين في ظل تقارير إعلامية جديدة عن عمليات تهريب للسوريين إلى لبنان تتم عبر معابر تسيطر عليها عصابات مقربة من “حزب الله”. وتحدثت هذه التقارير عن أن ضابطاً في الأمن اللبناني يتقاضى 10 آلاف دولار عن كل عملية تهريب لتأمين الطريق.
وفي هذا السياق أكد وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي في حديث لقناة “الحدث”، “أننا حريصون على أن تكون قوى الأمن الداخلي منضبطة”. وشدد على “أننا سنحقق في التقارير عن عمليات تهريب السوريين عبر المعابر غير الشرعية”. وجزم “بأننا لن نقبل بأي تجاوزات من قبل قوى الأمن الداخلي”. وأشار إلى “أن المعابر البرية بيد قوى الأمن العام وما يتبقى من الحدود هو مسؤولية الجيش”.
وبدوره كشف وزير المهجرين عصام شرف الدين، أن وزارة المهجرين “قامت بتصنيف الوجود السوري في لبنان إلى ثلاث فئات، وهم فئة العمال التي تضم الحرفيين وأصحاب المؤسسات وهؤلاء يشرّعون وجودهم بسهولة من خلال الحصول على إجازة عمل وتصل أعدادهم إلى 400 ألف ولبنان بحاجة ماسة إليهم، أما الفئة الثانية، فهم النازحون من الحرب والنازحون الاقتصاديون، والفئة الثالثة هم اللاجئون السياسيون، ويجب أن يُطبق على هاتين الفئتين اتفاقية المفوضية السامية التي تم توقيعها عام 2003، بحيث يستطيع النازحون الذهاب إلى دولة ثالثة إذا رغبوا في ذلك”. واضاف: “يقوم اللاجئون السياسيون بتقديم طلب لجوء إلى دولة ثالثة، ومن المفترض أن تقوم المفوضية بترحيلهم إلى دولة ثالثة على أساس عدالة التوزيع التي نادى بها وزير الخارجية”. وقال إن “الدولة اللبنانية تحمّلت ما لا يقل عن 50 مليار دولار بسبب دعم النازحين السوريين في آخر 15 عاما”. وأكد أن “لنا الحق في المطالبة بتعويضات، ونحن نمر في الأساس بوضع اقتصادي سيّئ جداً، وجاء موضوع النزوح ليزيد من هذه الأزمة ويسبّب تداعيات خطيرة جداً، مجتمعية وأمنية وغير ذلك”.