كتبت صحيفة النهار تقول: لم يقفل الأسبوع الحالي على دورة جديدة من دورات التصعيد الميداني في الجنوب وعلى جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية كخلاصة أساسية لخلاصات المشهد اللبناني فحسب، وإنما أيضاً على انكشاف عقم الرهانات السياسية والديبلوماسية تكراراً على إمكان تحييد ملفات وأزمات الداخل اللبناني عن الربط القسري لها بالواقع الميداني بما يبقي البلاد وأزماتها بأسرها قيد “الاسترهان” من دون أي آفاق جدية لكسر معادلات التأزيم التي تتحكم بها. ذلك أن مجمل التحركات الكثيفة التي شهدها الأسبوع المنصرم في صدد الأزمة الرئاسية، سواء في ما يتعلق بما سمي مبادرة “كتلة الإعتدال الوطني” او في ما يخص التحرك الأخير لسفراء مجموعة الدول الخماسية المعنية بالأزمة الرئاسية، أفضى إلى خلاصة جازمة ولو يفترض أن تكون غير مفاجئة، وهي عدم تبدل أي عامل من عوامل قرار الاستمرار في تعطيل الانتخابات الرئاسية بما يعني أن ظروف حلحلة أو تسوية الأزمة الرئاسية لم تحن بعد لا خارجياً ولا داخلياً.
وإذا كانت معظم القوى السياسية الداخلية، إن لم تكن كلها، تدرك تمام الإدراك هذه الحقيقة فيما بعضها يساهم مساهمة أساسية في قرار التعطيل، فيمكن القول تبعاً لذلك أن لا حاجة إلى انتظار نتائج اللقاء الأخير لـ”كتلة الاعتدال الوطني” مع “كتلة الوفاء للمقاومة” مطلع الأسبوع الطالع لأن “المكتوب معروف من عنوانه” ولن يكون صعباً التكهن بأن أجوبة الكتلة الممانعة لن نوفر المسلك الذي تبحث عنه “كتلة الاعتدال” لإقلاع مبادرتها نحو جلسة تشاور تتبعها جلسة انتخاب مفتوحة.
ولذا برز تكرار رئيس حزب الكتائب النائب سلمي الجميل أمس انتقاد هذه المبادرة وحتى مَن وافقوا عليها، غامزاً من قناة “القوات اللبنانية”. إذ رأى أن “لا شيء يميز المبادرات التي طُرحت عن مبادرة الرئيس برّي”، مشيرًا إلى أن “النائب علي حسن خليل وضّحها على أنها عملية حوار كما دعا إليها برّي سابقًا”. وقال “أولًا لم نرَ أي التزام من قبل الفريق الآخر لعقد جلسات مفتوحة وليس فقط متتالية، وثانيًا: لم ينسحب مرشح 8 آذار سليمان فرنجية من السباق الرئاسي، وبالتالي لا نزال عند نقطة الصفر اليوم، وأستغرب كيف وافق البعض على مبادرة لم تُعالِج هذه النقاط البنيوية وبظلّ عدم قبول حزب الله المناقشة بمرشحٍ ثالث”.
وفي ظل ذلك ظل الحدث الميداني على الحدود الجنوبية طاغياً على ما عداه خصوصاً في ضوء المعلومات التي أفادت أن الموفد الأميركي كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون أمن الطاقة آيموس هوكشتاين سيصل إلي بيروت غداً الاثنين في استئناف لمهمته المتصلة بتبريد الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية تمهيداً لإطلاق مفاوضات غير مباشرة يتولاها بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البرية أو “تثبيتها” وفق التسمية الرسمية اللبنانية. ومع أن العودة المحتملة لهوكشتاين لم تتوافر حولها بعد معلومات تفصيلية عما يمكن أن يحمل خلالها من أفكار واقتراحات وتوجهات، تتجه التقديرات الأولية إلى اعتبار عودة الموفد الأميركي مؤشراً لارتفاع منسوب خطر انفجار حرب واسعة في لبنان طالما حذر منها الأميركيون وتمسكوا برفض انزلاق لبنان أو دفعه إليها.
في أي حال عكس الوضع الميداني أمس التمادي في الوتيرة التصعيدية ولا سيما لجهة إمعان إسرائيل في استهداف كوادر وعناصر “حزب الله” الذي فقد في أقل من أربع وعشرين ساعة سبعة كوادر وعناصر اغتالتهم إسرائيل في انحاء حدودية جنوبية بسلاح المسيرات الامر الذي رفع عدد عناصر الحزب الذين سقطوا في المواجهات منذ 8 تشرين الأول الى 225. فصباح أمس نفذ الطيران الإسرائيلي غارة بمسيّرة استهدفت سيارة على طريق عام الناقورة وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف سيارة جنوب لبنان “كانت تقل عناصر مسؤولين عن إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. والعناصر المستهدفون يتبعون “لواء الإمام الحسين” التابع لإيران ويعملون لصالح حزب الله”.
ونعى “حزب الله” على الأثر ثلاثة من عناصره هم فاروق حرب من بلدة الحلوسية، وحسين محمد بدوي من بلدة دير قانون رأس العين، وعباس أحمد خليل من بلدة السمّاعية، وكان الحزب قبل ذلك نعى أربعة عناصر سقطوا في الغارات على راميا أول من أمس. كما طاول قصف مدفعي إسرائيلي أطراف طيرحرفا والجبين ومنطقة الوزاني وعيتا الشعب ووادي السلوقي. وشنت طائرات حربية إسرائيلية غارات على تلال بلدة رامية الجنوبية. واستهدف قصف مدفعي أطراف بلدتي مركبا وبني حيان في القطاع الشرقي. وشن الطيران الإسرائيلي غارة على اللبونة.
وكان “حزب الله” أعلن أنه قصف جنوداً في محيط جل العلام كما هاجم قيادة القطاع المستحدث في ليمان بمسيرة انقضاضية أصابت هدفها بدقة. كما استهدف موقع الراهب.
واستتباعاً للمواقف التي اطلقها خلال مشاركته في منتدى أنطاليا الديبلوماسي أشار وزير الخارجية عبد الله بو حبيب خلال مشاركته في حلقة حوارية حول التأسيس لسلام دائم في الشرق الأوسط إلى “التهديدات اليومية الإسرائيلية بتدمير لبنان، في حين يسعى لبنان للاستقرار”، داعياً الإسرائيليين إلى “تجربة خيار مختلف عن الحرب المستمرة منذ أكثر من 75 عاماً”.
وأكد أن انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، واحترام الحدود الدولية، ووقف الخروقات اليومية يحقق الأمن للجميع، وبأن لبنان مستعد للتفاوض غير المباشر، لأن الخيار الآخر امامنا هو خطر اتّساع رقعة الحرب لتصبح حرباً إقليمية.
في المقابل أعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن “المعطيات تظهر بأن “حزب الله” غير قادر على محاربة إسرائيل، أما الجيش اللبناني فيتمتع بوحدات كفؤة ومدربة ومجهزة، وشدّد جعجع على أن أي حرب شديدة على لبنان هي “حرب على البلد برمته”، وتصب تبعاتها والنتائج كلها في الداخل اللبناني”. أما عمّن يتحمل مسؤولية ما يجري في الجنوب إن كانت إسرائيل أم الحزب، أجاب: أكيد إسرائيل بتتحمل المسؤولية، بس “حقك مش على عدوك، حقك على يلي عم يسهل لعدوك إلحاق الاذى فيك”. فنحن كلبنانيين وحكومة وسلطة ودولة يجب أن يكون هدفنا الحفاظ على الأراضي اللبنانية وأمن اللبنانيين، قبل التفكير بالآخرين ومساعدتهم وفق قدراتنا وليس العكس. فماذا كان سيحدث لو انتشر الجيش اللبناني بدلاً من “الحزب” في أماكن تواجده اليوم وتعاون مع “القوات الدولية” في الجنوب عند الحاجة، وهو ما تؤيده دول العالم كلها”. وعما إذا كانت لديه خشية من اتفاق “أميركي – إيراني يشارك فيه الحزب يبدأ من الحدود ويمتد إلى الداخل”، قال: باختصار في الداخل اللبناني هناك “الحزب” وحلفاؤه من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، علماً أن قرار المعارضة حرّ وواضح ولن تبدّله، ولا يمكن للولايات المتحدة “المونة” عليها. إذا هذا الاتفاق قد يحصل نظرياً ولكن عملياً لن يسري”.