كتبت صحيفة النهار تقول: على رغم الانطباعات الغالبة لدى معظم الجهات الرسمية والديبلوماسية والأمنية الداخلية والخارجية حيال استبعاد اتساع المواجهات على جبهة الحدود الجنوبية مع إسرائيل الى حرب شاملة، أقله في ظل تطورات الأشهر الأربعة ونيف التي مرت على هذه المواجهات، تعاظمت بقوة في الفترة الأخيرة المخاوف من تمدد غير ممكن تحديده زمنياً لواقع هذه الجبهة التي تحولت واقعياً الى جبهة استنزاف لا أكثر ولا أقل. ومع تراجع الرهانات التي عقدت على أمكان التوصل إلى هدنة ظرفية في غزة في ظل التعقيدات والشروط التي حالت دون إبرام التفاهم حول تبادل الأسرى والسجناء لوحظ انكفاء الوساطات والجهود والمبادرات الخارجية المتصلة بالجبهة الجنوبية الى حدود كبيرة الأمر الذي بات يعكس واقعاً شديد السلبية يتمثل بربط أي تحرك محتمل لتبريد الجبهة الجنوبية بالهدنة التي قد يطول انتظارها طويلاً في غزة. وهذا ما يفسر بداية النسج لدى العديد من الأوساط المعنية على رهان متجدد هو التوصل الى تذليل تعقيدات التسوية أو الهدنة في غزة بداية شهر رمضان بعد أسابيع مع أن أي معطيات حاسمة ليست متوافرة بعد في هذا السياق. وتالياً فإن واقع الجبهة الجنوبية مرشح للاستمرار على الاستنزاف الذي يحكمه من دون أفق محدد وواضح.
ولم يحمل كلام جديد لكبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون أمن الطاقة وموفد الرئيس الأميركي الى لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين في حديث تلفزيوني ما يبدد هذا الواقع إذ أنه قال “اننا نعمل بهدوء لإنهاء الصراع على الحدود اللبنانية واتساع الحرب لن يكون بمصلحة أحد”. وأكد “أنّنا نحاول إبقاء الصراع في جنوب لبنان عند أدنى مستوى ممكن”، مشدّداً على “ضرورة عودة سكّان البلدات والقرى الحدوديّة الجنوبيّة إلى منازلهم، وكذلك السكّان على الحدود الشماليّة لإسرائيل”. وقال “الوضع على الحدود بين البلدين تغيّر بعد 7 أكتوبر، وسيتعيّن علينا القيام بالكثير لدعم الجيش اللبناني، وبناء الاقتصاد في جنوب لبنان، وهذا سيتطلب دعماً دولياً من الأوروبييّن وكذلك دول الخليج، وآمل أن نرى منهم الدعم في المرحلة المقبلة”.
وشكل الوضع الحدودي جنوبا محور اللقاءات التي واصل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عقدها على هامش مشاركته في “مؤتمر ميونيخ للأمن” في ألمانيا. وفي هذا السياق، عقد رئيس الحكومة إجتماعاً مع وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بول غلاغير وتم البحث في الجهود المبذولة لوقف الحرب في غزة وجنوب لبنان وأهمية أن يصار الى انتخاب رئيس جديد للبنان. كما اجتمع مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، في حضور الوزير عبدالله بو حبيب، وتم التشديد على اولوية وقف العدوان الاسرائيلي على غزة والتوصل الى وقف لاطلاق النار ومن ثم العمل على ايجاد حل مستدام للقضية الفلسطينية. واجتمع أيضاً مع الممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في حضور ممثل الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط سفن كوبمانس، وأثنى على المواقف التي أطلقها في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لا سيما لجهة التشديد على حل الدولتين. والتقى أيضا عضوي مجلس الشيوخ الاميركي كريس مورفي وكريس فون هال، وتمّ التشديد على أهمية دعم الجيش للقيام بمهامه.
الحريري.. كلام لافت
أما في المشهد الداخلي، فسجلت أمس مواقف جديدة لافتة أطلقها الرئيس سعد الحريري، خلال استقباله في “بيت الوسط” وفداً كبيراً من قطاع الشباب والطلاب في “تيار المستقبل”، في حضور الأمين العام للتيار أحمد الحريري. وتوجه الرئيس الحريري إلى الشباب والشابات المشاركين، فأكد أن “حضورهم في بيت الوسط وقبل أيام على ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري “يكبر القلب”، ويؤكد أن “الجيل الشاب في لبنان لا يزال يسعى نحو مستقبل أفضل للبلد”. وتحدث عن تعليقه للعمل السياسي، فأكد أنه “اتخذ هذا القرار حين أيقن أن الوجوه القديمة ستتكرر بالمواقف والعقلية نفسها، وتيار المستقبل كتيار سياسي لن يتمكن من تحقيق إنجازات، في حين أن الإنجاز هو أساس أهداف أي عمل سياسي. وإذا كان الناس اليوم لا يزالون يستذكرون الرئيس الشهيد فبسبب ما خلفه من إنجازات عديدة، كما بفضل نهجه المعتدل وانفتاحه على الأطراف كافة”. وأكد أن “كل واحد وواحدة من هؤلاء الشباب والشابات هو مشروع رفيق حريري جديد للوطن، وهذا الجيل سيشهد تطورات في العالم لم تشهدها الأجيال السابقة، لا سيما من خلال التطور التكنولوجي الحاصل والذكاء الاصطناعي الذي سيغير حياة الناس”، مشيراً إلى أن “لبنان لا بد أن يصل في لحظة من اللحظات إلى الاستقرار المنشود، لذلك يجب أن يكون الجيل الشاب في هذا البلد حاضرا لمواكبة كل تطور”. ولفت إلى أن “المرحلة التي يمر بها لبنان حالياً ترقى إلى كونها مرحلة جنون سياسي، حيث كل طرف يعتقد نفسه أكبر من بلده ويتشبث بمواقفه السياسية”. وقال “بالمقابل، كانت طريقة عملي شخصياً في السياسة مختلفة. فقد أجرينا ربط نزاع مع حزب الله وتعالينا على كل الخلافات التي كانت تحصل مع باقي الأفرقاء، وحرصنا على عدم إظهار هذه الخلافات إلى العلن، وكنت دائما آخذ الأمور في صدري وأحاول أو أسيّر شؤون البلد، لأن واجبي كان تسيير شؤون البلد وتطوير الاقتصاد وتحسين عمل المؤسسات التي تقوم عليها الدولة وإجراء الإصلاحات اللازمة وليس التشبث بمواقفي السياسية. هذا كان تركيزي ولم أكن أهتم أبدا لما يقال في حقي، لأن همي الأساسي كان تحقيق الإنجازات والإصلاحات. ولكن للأسف، العقلية الموجودة أوصلتني إلى مكان تعبت فيه أن أقول أني لم أستطع أن أنجز، لذلك قررت تعليق العمل السياسي. وربما اكتشف اليوم الناس ما الذي كنت أتعرض له من محاولات تخوين أو اتهامات تطلق جزافا بحقي”. وأضاف “لو بقيت في العمل السياسي كنت سأكون مضطرا لأفاوض من جديد وأقوم بالتسويات وأتحملها أنا وحدي، وفي النهاية تقع علي كل المسؤولية. أما اليوم الجميع يقول أنه يحب سعد الحريري. لذلك قررت أن أبتعد وأترك الناس ترى الحقيقة”. ولفت إلى أن “تيار المستقبل بقي منكفئا خلال السنتين الماضيتين، أما الآن فسنكثف عملنا أكثر، ليس في الأمور السياسية، وإنما نؤكد أن محاولة التضييق على المحسوبين على تيار المستقبل في الدولة وغير الدولة فلن نسكت عليها مطلقا”. وشدد على “أننا سنقف في وجه كل من يتجه نحو التطرف، فهذا من المحرمات لدينا”، وقال: “الاعتدال هو الأساس، وبالاعتدال يمكنك أن تدير بلد، أما بالتطرف الذي نراه فلا يمكن أن نصل إلى أي مكان. كل منهم يعتقد أن موقفه المتطرف هو الصائب فقط، وخير دليل على هذا التطرف هو ما نراه في الحكومة الإسرائيلية، وهو ما أدى إلى ما تقوم به من مجازر وقتل للأطفال والأبرياء”. وختم “أنتم تيار الاعتدال، وهذا ليس ضعفا، وتيار المستقل لن يسمح بأي نوع من أنواع التطرف، بل تطرفنا هو للاعتدال وللبنان فقط لا غير، ومن هنا التسّمك بشعار لبنان أولا، وأنا أعتمد عليكم من أجل بناء مستقبل لبنان المزدهر”.
الوضع الميداني
أما على صعيد الوضع الميداني في الجنوب فظل التصعيدُ سيد الموقف حيث نفذ الجيش الاسرائيلي غارات متتالية على أطراف بيت ليف ورامياً في خراج وادي المظلم. وشن غارة استهدفت بالصواريخ أطراف بلدة عيترون في قضاء بنت جبيل. كما تعرضت منطقة حامول – الناقورة ولأطراف علما الشعب، لقصف مدفعي وطاول القصف ايضا أطراف بيت ليف، راميا، عيتا الشعب وجبل بلاط، كما اغار الطيران الحربي على أطراف بلدة عيتا الشعب ومحلة المعصرة في بلدة مارون الراس. وأعلن الجيش الإسرائيلي أن طائراته الحربية هاجمت بنى تحتية لحزب الله في جبل البلاط ومبنى عسكريا في بنت جبيل جنوبي لبنان. في المقابل، أعلن حزب الله انه استهدف ثكنة برانيت بصاروخ “فلق 1” كما استهدف موقع السمّاقة في مزارع شبعا وتجمعا للجنود في محيط موقع الضهيرة وموقع رويسات العلم والتجهيزات التجسسية في موقع بركة ريشا وموقع راميا.