كتبت صحيفة “النهار”: اتضح بعد يومين من اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، تصاعد قلق أميركي فرنسي مشترك من انفجار مواجهة شاملة بين إسرائيل و”حزب الله” قد تكون أصبحت اقرب من أي وقت مضى منذ اندلاع حرب غزة، فبرزت في الساعات الأخيرة معالم جهود ساخنة فورية شرعت فيها الديبلوماسيتان في البلدين تجاه إسرائيل ولبنان أولا تحت عنوان أساسي هو منع انتقال حرب غزة الى لبنان. العنوان هذا ليس جديدا في تعامل الولايات المتحدة وفرنسا مع واقع المواجهات الميدانية الناشبة عبر الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، لكنه اتخذ وفق معطيات ديبلوماسية جادة تناهت الى “النهار” دلالات بالغة الأهمية هذه المرة في ظل مخاوف استثنائية من ان يكون الهجوم الإسرائيلي الجوي على مكتب “حماس” في الضاحية الجنوبية واغتيال العاروري مع مسؤولين اخرين في الحركة ومرافقين لهم قد وضع المواجهة امام صفحة مختلفة تنذر باتساع العمليات والردود الانتقامية وتاليا تفلت المواجهة من كل الضوابط التي التزمها “حزب الله” وإسرائيل حتى الان. ومع ان المعطيات نفسها لا تزال ترجح عدم بلوغ التصعيد غداة الاغتيال حدود الخشية النهائية من التفلت الحربي، فان الجهود الأميركية والفرنسية اكتسبت طابعا استباقيا عاجلا يعكس الدقة الاستثنائية التي باتت تطبع الوضع الإقليمي برمته انطلاقا من الخشية من اتساع الحرب الى لبنان تحديدا.
وترصد الأوساط الديبلوماسية والسياسية ما يمكن ان تتضمنه كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله اليوم بعد 48 ساعة من مواقف جديدة بعد كلمته الأربعاء الماضي خصوصا لجهة تداعيات اغتيال العاروري في معقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية. وعن صحة ما نشر عن توقيف عنصر امني في منطقة الحادث أفادت مصادر قضائية ان النائب العام التمييزي لم يتبلغ عن توقيف أي شخص في هذا الصدد.
اما جدية هذه التطورات والمخاوف فعكستها أولا وزارة الخارجية الأميركية التي أعلنت أنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيرته الفرنسية كاترين كولونا اتّفقا الأربعاء على السعي إلى اتخاذ خطوات لتجنيب توسّع الحرب في الشرق الأوسط بعد ضربات في لبنان وإيران. وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إنّ بلينكن وكولونا بحثا عبر الهاتف في “أهمية التدابير لمنع توسع النزاع في غزة، بما في ذلك خطوات إيجابية لتهدئة التوترات في الضفة الغربية وتجنُّب التصعيد في لبنان وإيران”. وجاء اتصال كولونا برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مساء الأربعاء الماضي.
اما المؤشر البارز الاخر على الطابع الفوري للتحرك الأميركي الفرنسي فتمثل في وصول المبعوث الاميركي اموس هوكشتاين الى تل ابيب امس موفدا من الرئيس الاميركي جو بايدن، تحت عنوان السعي الى منع توسّع رقعة حرب غزة الى لبنان. ولم تتوافر أي معطيات رسمية لبنانية حتى مساء امس عن موعد محتمل لوصول هوكشتاين الى بيروت. وأفادت معلومات واردة من اسرائيل ان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت استقبل هوكشتاين قائلا “نفضل حل الصراع مع “حزب الله” سياسيا لكن الوقت ينفد، وملتزمون بإعادة السكان للشمال بعد تغيير الوضع الأمني”.
وفي غضون ذلك اكد السفير الفرنسي في لبنان هرفيه ماغرو خلال لقاء له مع الرابطة المارونية “أن جهد بلاده منصب لضمان عدم جر لبنان إلى التصعيد الجاري في الإقليم”.واعلن ماغرو ان “أن الوزير جان ايف لودريان سيكون قريبا في بيروت لمتابعة مهمة اللجنة الخماسية في السعي لإيجاد حل لازمة الشغور الرئاسي”.
الوضع الميداني
ولكن مؤشرات القلق تصاعدت مع دعوة وزارة الخارجية الكويتية “المواطنين المتواجدين في لبنان إلى توخي الحذر أو المغادرة الطوعية تفادياً لأي تصعيد عسكري بالمنطقة جراء العدوان الإسرائيلي على غزة” بحسب ما أفادت به وكالة “كونا” . وأضافت الوكالة أن الوزارة تحثّ المواطنين الكويتيين على “الالتزام بتعليمات السلطات اللبنانية والتواصل مع السفارة ببيروت عند طلب المساعدة”. وكانت ألمانيا دعت اول من امس رعاياها الموجودين في لبنان الى مغادرته .
واتسمت العمليات الميدانية ليل الأربعاء الخميس بتصعيد حاد اذ كثف الجيش الإسرائيلي اعتداءاته واستهدف بالطيران منزلا في بلدة الناقورة لصاحبه من آل حمزة مؤلفا من ثلاث طبقات فدمره بالكامل، واسقط ضحايا وألحق اضرارا جسيمة بالمنازل المحيطة وبالسيارات والممتلكات. وأدى قصف المنزل الى مقتل اربعة عناصر من “حزب الله” من بينهم القيادي حسن يزبك، كما ادى الى اصابة تسعة جرحى من المدنيين نقلتهم سيارات الاسعاف الى مستشفيات مدينة صور. وأفيد امس عن ارتفاع عدد ضحايا الغارة في الناقورة الى خمسة.
وتواصل القصف الإسرائيلي امس على القرى الحدودية واستهدف أطراف بلدة حولا – وادي السلوقي. واغارت الطائرات الحربية الاسرائيلية على الطرف الشرقي لحديقة مارون الراس على مقربة من نقطة الجيش اللبناني. وأعقب ذلك غارة مماثلة على محلة عقبة صلحا على اطراف مدينة بنت جبيل. ونفذت مسيرة اسرائيلية غارة ثانية على مارون الراس حيث استهدفت الطرف الشرقي لحديقة المدينة. واستهدفت المدفعية الاسرائيلية بالقذائف الفوسفورية معتقل الخيام سابقا.
وفي المقابل أعلن “حزب الله” استهداف تموضع للجنود الإسرائيليين في شتولا ثم نقطة الجرداح ومن ثم تجمع للجنود الإسرائيليين في المطلة . وقال الاعلام الاسرائيلي ان “حزب الله” أطلق صاروخاً مضاداً للدروع تجاه “المطلة” وأصاب مبنى داخلها.
في سياق متصل جال قائد اليونيفيل على المسؤولين محذرا من الاسوأ. فقد استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة قائد اليونيفيل اللواء آرولدو لاثارو حيث جرى عرض للأوضاع العامة لاسيما الأمنية والميدانية منها على ضوء مواصلة اسرائيل لإعتداءاتها على لبنان لاسيما القرى اللبنانية الجنوبية الحدودية . كما تابع الرئيس بري المستجدات السياسية والامنية والميدانية خلال استقباله وزير الدفاع موريس سليم. ايضا، استقبل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الجنرال لاثارو وتم البحث في تطبيق القرار 1701 والخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، وسجل لبنان اعتراضه لليونيفيل على هذا الموضوع. وتناول اللقاء أيضا التحضيرات للتقرير المرتقب صدوره عن مجلس الامن والذي سيتطرق للخروقات التي تطال القرار 1701. في خلال الاجتماع جدد رئيس الحكومة ادانته الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان والانتهاكات المتمادية للسيادة اللبنانية، وطالب برفع الصوت في الامم المتحدة رفضا للانتهاكات الاسرائيلية للخط الازرق وللقرار 1701. وجدد التزام لبنان الدائم بالقرار الاممي ومندرجاته. وقال: المطلوب من كل الاطراف تحييد اليونيفيل عن العمليات العسكرية من أجل تمكينها من القيام بدورها كاملا.