كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
مع سريان الهدنة في قطاع غزّة لأربعة أيّام، ثمّة احتمالان متوازيان، الأول؛ أن تؤسّس المرحلة الاولى لتبادل اسرى بين إسرائيل وحركة «حماس» لتمديد هذه الهدنة فترة اضافية لتفتح الطريق نحو مرحلة ثانية. والثاني الّا تكون هدنة الايام الاربعة اكثر من استراحة مؤقتة، تُستأنف بعدها حرب الإبادة الجماعيّة على قطاع غزة بوتيرة أعنف ممّا كانت عليه خلال 48 يوماً من المذابح والتدمير.
الاحتمالان واردان، فتمديد الهدنة مرتبط بحركة الوسطاء حيال المرحلة الثانية من تبادل الاسرى، اضافة الى «أنّ الولايات المتحدة الاميركية تريد هدنة اطول»، على ما ورد على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية قبل ايام». ثم أنّ التحوّل في الرأي العام العالمي بات يشكّل عاملاً ضاغطاً على الجميع، واللافت في هذا السياق، ما اشارت اليه مجلة «نيوزويك» الاميركية قبل يومين بقولها «إنّ الرئيس الاميركي جو بايدن صار اكثر ميلاً الى الضغط على اسرائيل من اجل كبح تصرفاتها في غزة، بعدما اثارت غاراتها الجوية احتجاجات عالمية». وسبقها إلى ذلك وزير الخارجية الاسرائيلي ايلي كوهين بقوله «إنّ امام اسرائيل اسبوعان أو ثلاثة قبل أن تأتي الضغوط للتوصّل الى اتفاق لوقف اطلاق النار».
واما احتمال تصعيد اسرائيل لحربها أكثر فهو قائم بقوة، حيث انّها لم تحقّق في حربها التدميرية لقطاع غزّة سوى الانتصار على الاطفال والنساء والمستشفيات والأبنية وبيوت المدنيين، ولم تلامس ما وصفته مستوياتها السياسية والعسكرية «الانتصار الساحق» على «حماس» وهزيمتها او إضعاف قدراتها. وتلك المستويات نفسها ما زالت تتحدث عن جولة قاسية من الحرب بعد الهدنة. ولفت في هذا السياق ما قاله وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت «إننا سنستأنف القتال في غزة بعد الهدنة، ومن المتوقع أن يستمر لشهرين آخرين على الاقل». فيما ذهب وزير الخارجية الاسرائيلي الى القول انّ اسرائيل وبعد انتهاء الهدنة واستعادة الاسرى ستستأنف الحرب حتى تصفية حماس».
وبمعزل عمّا إذا كانت هذه الهدنة ستؤسّس إلى هدنة اضافيّة أو سيليها تصعيد أكبر في غزة، فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه في موازاتها: ماذا عن جبهة لبنان؟ وهل ستتمدّد هدنة الأيام الاربعة اليها؟
من دون إعلان، بدا أنّ هدنة غزة تمدّدت تلقائياً الى الجبهة الجنوبية، حيث لم تُسجّل أيّ عمليّات حربيّة على جانبي الحدود، الاّ انّ اجواء الحذر بقيت مسيطرة امتداداً من الناقورة الى مزارع شبعا وتلال كفر شوبا. فيما سُجّلت حركة خجولة في البلدات الحدودية، ولوحظ انّ عودة الاهالي الى منازلهم كانت متفاوتة بين بلدة واخرى، واصدرت قيادة الجيش بياناً دعت فيه المواطنين العائدين إلى اتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر من مخلّفات القصف المعادي، ولا سيما الذخائر الفوسفورية والذخائر غير المنفجرة».
الرئيس بري: إسرائيل مصدر الخطر
وفيما لم يصدر عن «حزب الله» اي بيان حول وقف عملياته العسكرية ضدّ المواقع والجنود الاسرائيليين، برز موقف لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اكّد «أنّ ما جرى في الجنوب هو نصرة لغزة ولأجل غزة، و«حزب الله»، ومنذ بداية الحرب لم يتخطّ في عملياته حدود استهداف المواقع العسكرية لجيش العدو وجنوده، ملتزماً بالقواعد المعمول بها، فيما اسرائيل هي التي خرقت هذه القواعد باستهدافها المدنيين، وقتل الصحافيين، وعمق القرى والبلدات، ومناطق في الداخل بعيدة من الحدود الجنوبية، وهذا بالتأكيد لا يمكن أن يمرّ من دون ردّ. كل هذه التطورات تؤكّد بما لا يقبل أدنى شك أنّ اسرائيل هي التي تدفع في اتجاه توسيع دائرة المواجهة».
وعلمت «الجمهوريّة»، انّه بموازاة الرسالة التي تلقّاها رئيس المجلس من الرئيس الاميركي والذي اكّد فيها سعي الولايات المتحدة الاميركية لمنع توسّع رقعة الصراع، كانت خطوط باريس مفتوحة مع الرئيس بري، تؤكّد على مضمون مشابه للرسالة الاميركية، وتشدّد على أنّ عودة الهدوء واولوية استقرار لبنان، وبذل كل جهد ممكن لمنع انحدار الوضع على الحدود اللبنانية الى مواجهات واسعة». وبحسب المعلومات فإنّ برّي ردّ بالتأكيد على «أنّ مصدر الخطر الدائم سواء على لبنان وكلّ المنطقة هو إسرائيل، والمطلوب أوّلاً وأخيراً هو ممارسة الضّغوط عليها لحملها على الإلتزام بالقرار 1701 ومنعها من الإعتداء على لبنان».
ميقاتي وبوغدانوف
الى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان انّ محادثة هاتفية جرت بين الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي لشؤون الشرق الأوسط ودول إفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، جرت خلالها مناقشة القضايا الراهنة المتعلقة بمواصلة التطوير التدريجي للعلاقات الروسية- اللبنانية الودية التقليدية، بما في ذلك الحفاظ على الحوار السياسي المنتظم. كما تمّ التطرق إلى الوضع الناشئ في الشرق الأوسط، مع التركيز على الأحداث في قطاع غزة وجنوب لبنان. واكّد الجانب الروسي موقفه الثابت الداعم لوحدة الجمهورية اللبنانية وسلامتها الإقليمية وسيادتها، وعدم جواز امتداد التصعيد المسلّح في منطقة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى الأراضي اللبنانية».
الحرب الاقليمية واردة!
وكشفت مصادر ديبلوماسية غربية لـ«الجمهورية»، انّ الاميركيين يمارسون ضغطاً جدّياً على اسرائيل لمنع التصعيد مع لبنان، وعلى المنوال ذاته تحرّك الفرنسيون في اتجاه لبنان واسرائيل لتوجيه رسائل مباشرة الى المسؤولين اللبنانيين والاسرائيليين لتجنّب التصعيد العسكري».
ورداً على سؤال حول الهدنة التي سرت في غزة امس، قالت المصادر، «الهدنة امر جيد وقد تفتح نافذة للتنفس، ونأمل ان تتمدّد لفترات اطول، لكن الوضع لا يزال يبعث على القلق، وخصوصاً اننا لم نرَ حلاً نهائياً بعد لموضوع غزة، اضافة الى انّ الجنوب اللبناني في حالة حرب، وبالتالي فإنّ الوضع يمكن ان ينحدر مجدداً الى تفجير كبير في اي لحظة، ومخاطر اندلاع حرب اقليمية ما زالت قائمة، صحيح انّ هذا الاحتمال حالياً أبعد مما كان عليه قبل اسابيع لكن لا يمكن استبعاده. وذلك يعود الى ضغوط دولية، الاميركيون لعبوا دورهم في هذا المجال وكذلك الفرنسيون وخصوصاً في بدايات الحرب حيث كانت اسرائيل بصدد شنّ الحرب على جبهتين في آن معاً، جبهة لبنان وجبهة غزة».
باريس للجم التصعيد
وقالت مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ«الجمهورية»: «انّ باريس معنية بلبنان وسياستها الثابتة الوقوف الى جانب لبنان والحفاظ على استقراره، وفي هذه المرحلة الصعبة التي تمرّ فيها منطقة الشرق الاوسط اولويتنا الأساس العمل الحثيث لكي لا ينجرّ لبنان الى التصعيد، فالوضع في جنوب لبنان والتوتر القائم على جانبي الحدود وما رافقه من عمليات عسكرية، يبعث على القلق الكبير من خروج الوضع عن السيطرة، وباريس تحدثت مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي لاحتواء الوضع ومنع الانفجار».
وكشفت المصادر أنّ اولوية باريس في هذه المرحلة هي اعادة تحريك الملف الرئاسي في لبنان، ومساعدة اللبنانيين على اتمام هذا الاستحقاق، وضمن هذا السياق تأتي زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت في وقت قريب.
وكشفت المصادر انّ ملف رئاسة الجمهورية في لبنان كان قبل فترة قصيرة، محل بحث في الدوحة بين لودريان ومسؤولين قطريين، وتوقيت زيارته الى بيروت ليس مرتبطاً بالتطورات التي شهدتها المنطقة منذ السابع من تشرين الاول الماضي، بل انّها كان مقرّراً ان يقوم بها لودريان قبل هذه التطورات التي أرجأتها.
واوضحت المصادر، «انّ لودريان لا يحمل معه اي مبادرة فرنسية جديدة، بل هي استمرار للجهود التي بذلها في زياراته السابقة، لمساعدة الاطراف في لبنان على التحاور في ما بينهم والتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، وباريس ترى في هذه الزيارة فرصةً تاريخية لإنجاز هذا الملف».
واكّدت المصادر «انّ باريس تريد ان ترى شيئاً ايجابياً قد تحقق للبنان، ومن هنا المزيد من الانتظار بسبب حسابات داخلية لن يكون مفيداً للبنان، وليس مجدياً على الاطلاق، وخصوصاً انّ الضرورات في لبنان، سواءً ما يتعلق بالتصعيد العسكري الذي نراه على حدود لبنان الجنوبية، او باشتداد الأزمة الاقتصادية والمالية، باتت تحتّم اعادة انتظام المؤسسات بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ترعى شؤون لبنان في هذه المرحلة الصعبة التي تمرّ فيها المنطقة ولبنان، وتباشر سريعاً في تنفيذ الخطوات الاصلاحية والانقاذية المطلوبة للخروج من الأزمة».
«اليونيفيل» قلقة
إلى ذلك، اعرب قائد قوات «اليونيفيل» في الجنوب الجنرال أرولدو لاثارون، عن «قلق إزاء تبادل اطلاق النار المكثف المستمر على طول الخط الأزرق الذي أودى بحياة الكثير من الناس، وتسبّب في أضرار جسيمة، وبدّد أرزاق الناس»، لافتاً الى انّه «باعتبارنا حفظة سلام، فإننا نحثّ أولئك الذين يتبادلون إطلاق النار على طول الخط الأزرق على وقف دائرة العنف هذه، وإنّ أي تصعيد إضافي في جنوب لبنان يمكن أن تكون له عواقب مدمّرة».
واضاف: «يجب على الأطراف أن تؤكّد من جديد التزامها بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 ووقف الأعمال العدائية، بينما تسعى إلى إيجاد حلول طويلة الأمد لمعالجة الأسباب الكامنة وراء النزاع».
ملف قائد الجيش
من جهة ثانية، ما زال ملف قيادة الجيش جاثماً على مائدة الاتصالات من دون ان تتمكن حتى الآن من تجاوز الصعوبات التي تعترض مساره سواءً في اتجاه تأخير تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون أو تعيين قائد جديد.
وبحسب مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ فكرة تعيين قائد جديد للجيش قد أُخرجت من التداول، والنقاش يدور حالياً على تأخير تسريح العماد عون، مع انّ هذا التعيين ممكن لو انّه حظي بموافقة البطريرك الماروني بشارة الراعي عليه، وبالتالي فإنّ الاسبوع المقبل قد يكون موعداً لحسم هذا الملف في مجلس الوزراء في جلسة تعقدها الحكومة في السرايا الحكومي لاتخاذ قرار بتأخير التسريح، بناءً على «دراسة قانونية ودستورية» اعدّتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تتجاوز صلاحيّة وزير الدفاع في تأخير التسريح، وجوهرها أنّ الصلاحية العليا (لمجلس الوزراء) اقوى من الصلاحية الدنيا ( للوزير).
ولفتت المصادر الى انّه رغم ترجيح انعقاد جلسة لمجلس الوزراء للبت في تأخير التسريح، الّا انّ قراراً من هذا النوع ليس سهلاً ان تبادر الحكومة الى اتخاذه، برغم أنّه يحظى بتأييد غالبية مكوناتها، ذلك أنّ الفتوى المحكي عنها، التي تجيز لمجلس الوزراء أن يتخذ قراراً من هذا النوع قد تكون قوية، ولكن في مقابل ثمة إشكالية وموانع قوية ايضاً، حيث انّ قراراً من هذا النوع يقفز فوق صلاحيات الوزير المنصوص عليها في الدستور(المادة 66)، ويتجاوز صلاحيات وزير الدفاع في حالة تأخير التسريح، المنصوص عليها صراحة في المادة 55 من قانون الدفاع الوطني، قابل للطعن به امام مجلس شورى الدولة. واحتمال ان يبطل مجلس الشورى هذا القرار اذا ما طُعن به أكثر من وارد.
الإشكالية الى مجلس النواب
وإذا كانت مصادر متابعة لهذا الملف ترى أنّ الكلمة الفصل في هذا الأمر، هي لمجلس النواب، في الجلسة التشريعية التي سيدعو اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال النصف الاول من الشهر المقبل (منتصف كانون الاول المقبل يُعتبر آخر فرصة لحسم تأخير تسريح قائد الجيش باعتبار انّ النصف الثاني من كانون الاول يصادف فترة الاعياد). الاّ انّه وحتى لو تمّ إقراره في مجلس النواب، فلا يعني ذلك انّ الأمر قد حُسم نهائياً.
ولفتت المصادر الى أنّ الجلسة التشريعيّة ستنعقد بجدول أعمال عادي يتضمن جملةً من مشاريع القوانين المحالة من الحكومة، من ضمنها المشروع المتعلق بالكابيتال كونترول، والصندوق السيادي، والى جانبها مجموعة من اقتراحات القوانين التي تحمل صفة المعجّل مكّرر، مدرج في اولها اقتراح القانون المقدّم من «كتلة الجمهورية القوية» للتمديد سنة لقائد الجيش، والنصاب المطلوب لهذه الجلسة هو الاكثرية المطلقة من عدد اعضاء المجلس النيابي اي 65 نائباً، فيما التصويت على بنود جدول الاعمال بالأكثرية النسبية (ربطاً بعدد النواب الحاضرين في الجلسة، اي نصف الحاضرين زائداً واحداً). ما يعني انّ نسبة التصويت النيابي في الجلسة التشريعية متوفرة، ومعنى ذلك انّه سيُقرّ.
الاّ انّ إقرار هذا الاقتراح في رأي المصادر عينها تقابله اشكالية اساسية قد تبرز في موازاته عبر مبادرة «تكتل لبنان القوي» الى الطعن بالقانون المتعلق بالتمديد لمن هم في رتبة عماد، امام المجلس الدستوري، وقد سبق للتيار الوطني الحر ان لوّح بذلك قبل فترة، والمجلس الدستوري قد لا يتأخّر في إبطال هذا القانون، على اعتبار انّ نقطة الضعف الأساسية التي تعتريه هي عدم جواز التشريع لمصلحة شخص بعينه، وانّ لدى الحكومة صلاحية التعيين. في حين انّ ثمة رأياً آخر يقول بأنّ المجلس الدستوري قد يبادر الى ردّ مراجعة الطعن ارتكازاً على قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات في الظروف الاستثنائية» التي توجب التمديد وتغليب مصلحة المؤسسة العسكرية واستمراريتها وعدم تعريضها الى اي خلل.