د. علي سيّد
الصحراء الغربية هي منطقة مُتنازع عليها تقعُ في المغرب العربي – الذي يُعرف أيضاً باسمِ المغرب الكبير – وتحديداً في منطقة شمال أفريقيا حيث يُسيطر المغرب على جزء كبير منها.
يحدّ الصحراء الغربية من جهة الشمال دولة المغرب بينما تحدها الجزائر من الجهة الشرقية ثم موريتانيا من الجهة الجنوبية فالمحيط الأطلسي من الغرب، وتبلغ مساحتها حوالي 266,000 كيلومتر مربع، يبلغ عدد سكانها 700.000، 40% منهم يعيشون في مدينة العيون كبرى مدن الصحراء الغربية.
تمّ احتلال الصحراء الغربية من قبل إسبانيا حتى أواخر القرن العشرين، وهي اليوم ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتياً وذلك منذ عام 1963. في عام 1965، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الأول بشأن الصحراء الغربية، حيث سائلت فيه إسبانيا حول ملكية الإقليم. وبعد عام واحد، تم إصدار قرار جديد من الجمعية العامة تطلب فيه إجراء استفتاء عُقد في إسبانيا من أجل تقرير مصير المنطقة. وفي عام 1975، تخلت إسبانيا عن الرقابة الإدارية للإقليم ثم منحت هذه الرقابة لإدارة مشتركة من قبل المغرب (الذي ادّعى أنّ الإقليم تابع رسميا له منذ عام 1957) وموريتانيا.
اندلعت حرب بين البلدان حول ملكية المنطقة، فتأسست حركة قومية صحراوية عُرفت بجبهة البوليساريو والتي أعلنت في وقت لاحق عن تأسيسها الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وشكلت حكومتها في المنفى في تندوف بالجزائر.
انسحبت موريتانيا من الصحراء الغربية عام 1979، ليُسيطر المغرب فعلياً على معظم مساحة الصحراء الغربية، إلا أنّ الأمم المتحدة تعتبر جبهة البوليساريو الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، وتطالب المنظمة من السلطات في المغرب بضرورة ترك حق تقرير المصير للصحراويين أنفسهم.
رعت الأمم المتحدة اتفاق وقف إطلاق النار في عام 1991، وكانت قد نشرت تقريرها الذي أكدت فيه أن ثلثي الأراضي (بما في ذلك معظم الساحل الأطلسي – الجزء الوحيد من الساحل خارج الجدار الرملي في أقصى الجنوب – بالإضافة إلى جزيرة رأس نواذيبو) تُدار من قبل الحكومة المغربية التي تحصل على دعم ضمني من فرنسا والولايات المتحدة، أما الثلث المتبقي فيُدار من قبل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم البوليساريو.
من الناحية الدولية، فهناك بعض البلدان التي اتخذت موقفا غامضا في قضية الصحراء مثل روسيا التي تقول إن موقفها محايد وتدعم الطرفين معاً، لكن يجب الضغط على كل الأطراف من أجل الوصول لاتفاق وحلّ سلمي. هذا وتجدر الإشارة إلى أنّ كلّ من المغرب وجبهة البوليساريو يسعيان للحصول على اعتراف رسمي من دول أفريقيا، آسيا، أميركا اللاتينية وباقي الدول في العالم النامي وهذا ما يُفسّر تحركاتهما الكبيرة في هذا المجال وإنجاز مشاريع عديدة في دول فقيرة قصد الحصول على دعمها. وكانت جبهة البوليساريو قد حصلت على الاعتراف الرسمي بملكيتها للمنطقة من 37 دولة مما مكنها من تمديد عضويتها في الاتحاد الأفريقي، أما المغرب فقد فاز بدعم العديد من الحكومات الأفريقية معظمها من العالم الإسلامي والبلدان ضمن جامعة الدول العربية.
واعتبارا من 2017 لا توجد أيّ دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف رسميا بسيادة المغرب على كلّ أجزاء الصحراء الغربية، ومع ذلك فهناك عدد من البلدان التي أعربت عن دعمها للمغرب واستعدادها في المستقبل القريب للاعتراف بملكية المغرب لتلك الأقاليم وذلك ضمن مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية.
45 عاماً من النزاع بين المغرب والبوليساريو
حتى وقف إطلاق النار العام 1991 شهدت الصحراء الغربية نزاعا مسلحا بين المغرب الذي ضمها في 1975 والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) التي تطالب باستقلالها مدعومة من الجزائر. ويسيطر المغرب على 80 بالمئة من الصحراء الغربية.
وبتوجيهات من الولايات المتحدة الأميركية للدول الخليجية المهرولة للتطبيع فقد أعربت البحرين عن دعمها وتضامنها «مع المملكة المغربية في الدفاع عن سيادتها وحقوقها في إطار السيادة المغربية، وعن اعتزام المنامة فتح قنصلية في العيون بالصحراء الغربية المتنازع عليها بين الرباط وجبهة البوليساريو.
وكان ملك الأردن عبد الله الثاني قد أعلن قراراً مماثلاً الأسبوع المنصرم في اتصال هاتفي مع الملك محمد السادس، بينما كانت الإمارات أول دولة عربية تفتح ممثلية دبلوماسية في الصحراء الغربية مطلع تشرين الثاني 2020.
كما أفيد بأن جمهورية هاييتي قررت هي الأخرى افتتاح قنصلية بمدينة الداخلة جنوب العيون. وتحتضن المدينتان (الداخلة والعيون) منذ أواخر العام 2019، 15 قنصلية لدول أفريقية جنوب الصحراء.
ويعتبر المغرب افتتاح هذه الممثليات الدبلوماسية الأجنبية في الصحراء الغربية تأكيداً لسيادته عليها، بينما سبق لجبهة البوليساريو والجزائر التي تدعمها، أن دانتا ذلك.
ويأتي هذا الإعلان في سياق عودة التوتر منذ منتصف تشرين الثاني إلى الصحراء الغربية، بعد عملية عسكرية نفذها الجيش المغربي في منطقة الكركرات العازلة بهدف إعادة حركة المرور إلى معبر حدودي مع موريتانيا.
وردت البوليساريو بأنّ العملية المغربية تُسقط وقف إطلاق النار المعمول به منذ 1991 بين الطرفين بإشراف الأمم المتحدة، معلنة الحرب.
إعتراف ترامب الفارغ
في 10 كانون الاول اتخذت الولايات المتحدة خطوة غير مسبوقة متمثلة بالاعتراف رسمياً بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في اتفاق قابله إعلان الرباط «استئناف» العلاقات الدبلوماسية مع «إسرائيل».
أدى إعلان الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب المفاجئ اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء الغربية الى قلب سنوات من التوافق الدولي حول هذه المسألة.
وهنا نستنتج بأنّ ترامب قام بإعطاء ما لا يملك الصحراء الغربية لمن لا يستحق أيّ المملكة المغربية، طبعاً بعد اتفاق ضمني ينص على تطبيع العلاقات بين المملكة والكيان الصهيوني.
من جهتها، اعتبرت البوليساريو القرار الأميركي باطلاً وشدّدت على أنها مستعدة على مواصلة القتال إلى حين انسحاب القوات المغربية المحتلة.
يقول المحلل هاميش كينير من شركة تحليل المخاطر العالمية «فيريسك مابليكروفت» إنّ «الاعتراف لن يؤدّي الى تبسيط الوضع المعقد لهذه المنطقة، لأنّ الأمم المتحدة لا تزال تدرجها في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي».
سارعت روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، الى التنديد بخطوة ترامب فيما قالت فرنسا، القوة المستعمرة سابقاً في المغرب، بأنها ملتزمة بـ «حل سياسي».
تحظى البوليساريو بدعم الجزائر. وقد توعّدت الجبهة بمواصلة القتال «حتى الانسحاب الكامل» للقوات المغربية.
هذا الإعلان الأميركي يجعل الوضع من سيّئ إلى أسوأ، فالمغرب الذي طبّع مع الكيان بتشجع وتأييد أميركي كما هو واضح مقابل هذا الإعتراف بالسيادة على الصحراء الغربية، سيشعر أنه حر في مواصلة جهود الحرب ضد جبهة البوليساريو التي قد تطلب تدخل الجزائر، الداعم الرئيسي لها في الخارج، ومع وصول ثقتهم بعملية السلام الى أدنى مستوى على الإطلاق، يمكن لقوات بوليساريو أن ترى هذه الخطوة مبرّراً إضافياً لاستئناف الأعمال العدائية وقد تؤدي إلى تصعيد العنف.
واحتمال ان يحدث ذلك يعتمد الى حدّ كبير على الجزائر التي تعتمد عليها بوليساريو إلى حدّ كبير وتدير فيها مخيمات لعشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين.
وأخيراً فإنّ اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية لا يغيّر وضعها في منظومة الأمم المتحدة كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي.
ثمار التطبيع «إسرائيلية» بالكامل
وهنا نطرح السؤال التالي: ماذا استفادت المملكة من هذا التطبيع من إدارة ستترك السلطة بعد أيام ومن دون أي مفاعيل ملموسة لهذا الاعتراف، بينما في المقابل فقد حصدت «إسرائيل» ونتنياهو ومن خلفها الإدارة الأميركية الكثير من التطبيع مع المملكة من الناحية الإعلامية والإقتصادية فالمملكة هي أول دولة في المغرب العربي تقوم بهكذا خطوة.
ماذا يمكن لـ «إسرائيل» أن تربح من علاقاتها مع الرباط؟
علاوة على الروابط العاطفية التي تجمع حوالي مليون «إسرائيلي» من أصول مغربية بالمغرب وعلاوة على فتح الخطوط الجوية للتبادل السياحي بين المغرب و»إسرائيل»، فإنّ العلاقات مع الرباط ستكون فرصة لـ «إسرائيل»، باعتبار المغرب أحد البلدان الأكثر تأثيرا في العالم العربي وأفريقيا وباعتبار اقتصاده أحد أقوى الاقتصادات الأفريقية، فقد يقنع تطبيع علاقات المغرب مع «إسرائيل» دولاً أخرى في المنطقة باتباع خطوة المغرب.
فالاتفاق الذي وقعه المغرب و»إسرائيل» يظهر ثلاثياً يضمّ «إسرائيل» والولايات المتحدة والمغرب، سيتمّ إنشاؤه في مجال التسليح.
من جهة اخرى يعتبر الاتفاق بين المغرب و»إسرائيل» هدية أخرى يهديها الرئيس ترامب لحليفه الإسرائيلي بنيامين نتانياهو المقبل على انتخابات تشريعية مبكرة.
الصحراء الغربيّة وحق تقرير المصير
انّ جبهة البوليساريو لا يمكن ان تقبل بأيّ حلّ لا يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، فالشعب يقود مسيرة تحررية ستمضي بتصميم راسخ نحو تحقيق الحرية والاستقلال .
فجبهة البوليساريو، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي وبعد 47 عاماً لقيادتها لكفاحه الوطني التحرري، وانسجاماً مع مبادئها وسر وجودها، لا يمكن أن تقبل بأيّ حلّ لا يضمن حق الشعب الصحراوي، غير القابل للتقادم ولا للتصرف، في تقرير المصير والاستقلال.
الشعب الصحراوي مسالم بطبعه، ولم يكن يوماً ليخوض حربه التحريرية لولا تعنّت الاستعمار الذي جثم على بلاده زهاء قرن من الزمن، ولولا الغزو والاحتلال المغربي منذ 31 تشرين الأول 1975.
انّ جبهة البوليساريو أبدت منذ زهاء ثلاثين سنة مضت، كامل التعاون مع جهود الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار الإسباني من الصحراء الغربية,، غير أنّ بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) فشلت، حتى الآن، في تنفيذ ولايتها على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن 690 (1991) والقرارات اللاحقة.
بل إن الأمم المتحدة – يقول الرئيس إبراهيم غالي أمين عام جبهة البوليساريو– وخاصة على مستوى الأمانة العامة ومجلس الأمن الدولي، «لم تثن دولة الاحتلال المغربي عن المضيّ في نهج التعنت والتنصل الممنهج من التزاماتها الدولية، والإمعان في ممارساتها الاستفزازية، من قبيل الخرق المتواصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وخاصة على مستوى منطقة الكركرات، مثل تنظيم الأنشطة والفعاليات السياسية والرياضية والثقافية وغيرها في الأراضي الصحراوية المحتلة، ناهيك عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في حق المدنيين الصحراويين العزل، في ظل الحصار والتضييق، والنهب المكثف للثروات الطبيعية.
فالجبهة ليست مجرد حركة تحرير وطني تقود كفاح الشعب الصحراوي، إنها روح هذا الشعب التي احتضنها ودافع عنها. وهناك دور تاريخي لأفريقيا في مرافقة ودعم الشعب الصحراوي.
والجبهة تطالب بحق الإستفتاء وتقرير المصير وباتخاذ خطوات أكثر صرامة تجاه الخرق الذي تقوم به المملكة المغربية للقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، وخاصة عدم احترام الحدود الموروثة غداة الاستقلال، والاحتلال العسكري لأجزاء من تراب بلد إفريقي مجاور، وعضو مؤسّس في المنظمة الأفريقية، هو الجمهورية الصحراوية.
وتطالب أيضاً أهم منظمة عالمية أيّ الأمم المتحدة من السلطات في المغرب بضرورة ترك حقّ تقرير المصير للصحراويين أنفسهم.
أخيراً، يعتبر نزاع الصحراء الغربية أحد أقدم النزاعات في العالم وأكثرها إهمالاً. وبمضيّ أكثر من خمسة وأربعين عاماً منذ بداية هذه الحرب وبنزوح أعداد ضخمة من الناس ووقف لإطلاق النار في العام 1991 الذي عمل على تجميد المواقف العسكرية، فإنّ نهاية هذه الحرب سوف تبقى بعيدة المنال. والسبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى الحقيقة التي تكمن في الوضع القائم حالياً وهو الذي يعطي مزايا معينة بالنسبة لمعظم الفاعلين على الساحة وهم المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو وكذلك إلى دول غربية، حيث من الممكن أن يتعرّضوا إلى مخاطر معينة جراء أية تسوية قد تتمّ على هذا النزاع، إلا أنّ لهذا النزاع تكاليف بشرية وسياسية واقتصادية وضحايا حقيقيين بالنسبة للدول المعنية بالنزاع بشكل مباشر وبالنسبة للمنطقة ككلّ وبالنسبة للمجتمع الدولي على المستوى الأوسع. وسيكون من المهمّ أن يتمّ الإقرار بذلك إذا ما تطلب الأمر أن يتمّ خلق ديناميكية جديدة لحلّ هذا النزاع.