كتبت صحيفة “النهار”: مع ان تفاقم الازمات الاجتماعية والخدماتية وابرزها الاشتباك المتصاعد داخل الحكومة حول ملف الكهرباء في ظل التجاذبات العنيفة بين رئاسة الحكومة ووزارة الطاقة حول معركة بواخر الفيول يبدو عاملا طاغيا على الاهتمامات اليومية وحاجبا حتى للاولويات السياسية، تتجه الازمة الرئاسية الى افق تصعيدي متدحرج تحولت معه مجددا الوساطة الفرنسية مادة اذكاء للتزاع الداخلي العميق بما ينذر هذه الوساطة تكرارا بمزيد من التعثر، فيما ترتسم معالم انقسام متسع حول المرحلة التالية منها. ذلك ان معطيات ثابتة تشير الى ان فريق “الممانعة” وعلى رأسه الثنائي الشيعي قرر مواجهة موقف نواب المعارضة الذين اعلنوا غداة توزيع رسالة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان على رؤساء الكتل النيابية والنواب المستقلين، بحيث تتحول المواقف من هذه الرسالة مادة تصعيد سياسي جديد قبيل بت مصير الفصل المقبل من مهمة لودريان. وتشير هذه المعطيات الى انه على رغم عدم اقتناع الثنائي الشيعي ولا سيما وتحديدا رئيس مجلس النواب نبيه بري بما اقدم عليه لودريان خصوصا ان الأخير “خالف” تفاهمات حصلت بينه وبين بري قبيل مغادرته لبنان في زيارته الأخيرة، فان الفريق الممانع قرر المضي قدما في تظهير موقف معاكس لنواب المعارضة بعدما بادر هؤلاء بسرعة الى اعلان رفضهم أي حوار مع “حزب الله” ونادوا باولوية تنفيذ القرارات الدولية. وبدا واضحا انهم لن يستجيبوا لمضمون رسالة لودريان بالاجابة على السؤالين اللذين طرحهما وطلب ارسالهما الى السفارة الفرنسية قبل نهاية آب الحالي.
وتبعا لذلك من المتوقع ان ترد كتل “الممانعة” مع عدد من نواب مستقلين على الرسالة وهي كتل “أمل” و”حزب الله” ومجموعة نواب سنة ومجموعة من النواب المسيحيين في حين لم تقرر بعد كتلة نواب “اللقاء الديموقراطي” ما اذا كانت سترد على الرسالة ام تمتنع عن الرد.
وأفادت أوساط عين التينة ان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا ينفك عن دعواته لسلوك طريق الحوار وكان بدأ التشديد على ذلك قبل سنة في صور في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه سيكرر كلامه في الذكرى نفسها في 31 آب الجاري على اساس ان لا مفر امام كل الافرقاء والكتل الا اتباع طريق الحوار.
واذا كان بري لا يريد التعليق على كل ما رافق رسالة لودريان لكنه ينتقد الرافضين للحوار وعدم التجاوب مع المساعي التي تبذلها باريس في هذا الخصوص.
ويتوقف بري عند الرافضين لمطلب الحوار تحت المظلة الفرنسية ويتهم هؤلاء بانهم “يهوون المعارك الخاسرة حيث يرون من وجهة نظر خاطئة ان فرنسا في وضع صعب بعد تثبتهم من ارتفاع منسوب التقارب السعودي- الايراني على أهميته”.
وينقل عن بري انه “كان من الافضل لنواب المعارضة التجاوب مع لودريان بدل المراهنة على خيارات أخرى”.
وفي غضون ذلك نقلت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين عن مصدر فرنسي رفيع ان المبعوث الرئاسي الفرنسي لودريان سيزور لبنان قبل نهاية ايلول . اما بالنسبة الى الرسائل التي بعثها الى النواب فجاءت بعدما طرح الخطوة على وزراء الدول الخمسة التي شاركت في الاجتماع الخماسي في الدوحة.
والى ذلك يصل الى لبنان هذا الاسبوع رئيس قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا في شركة “توتال” لوران فيفييه بالتزامن مع وصول منصة التنقيب عن الغاز الى المياه اللبنانية. وتهدف زيارة فيفييه للتاكيد ان حفر البئر الذي سيظهر مضمون الخزان الموجود في البحر سيتم في نهاية الربع الاخير من هذه السنة اي ان لبنان لن يعرف ما اذا كان يملك مخزونا واعدا من الغاز للانتاج واذا كان موجودا بكميات كافية ليتم الانتاج قبل بضع سنوات.
موقف متقدم
في المقابل، برز امس ما يمكن ان يشكل الاسناد الأقوى لقوى المعارضة ونوابها في المضي قدما بالاصرار على مطلب انعقاد الجلسات المفتوحة لانتخاب رئيس الجمهورية وعدم القبول بتجارب الحوار قبل الانتخاب كما في موقفها المقاطع لجلسات “تشريع الضرورة”، وذلك في موقف حاسم اتخذه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي معتبرا فيه ان الحوار هو التصويت. ومن شأن هذا الموقف ان يرد ضمنا وعلنا على محاولات تعويم الحوار قبل الانتخاب الرئاسي او كشرط له في وقت تكتمل فيه مع الأول من أيلول مدة سنة كاملة على بدء المهلة الدستورية التي تلاها بدء الفراغ الرئاسي.
وفي هذا السياق تساءل الراعي في عظته امس “ماذا يبغي أسياد تعطيل إنتخاب رئيس للجمهوريّة وفقًا للدستور منذ أحد عشر شهرًا وهم يدركون أنّهم بذلك يحوّلون المجلس النيابي من هيئة تشريعيّة إلى هيئة إنتخابيّة فقط، ويتّهمون المقاطعين بأنّهم لا يريدون انتخاب رئيس، ويعادون الطائف ؟ وهم يدركون أيضًا أنّ حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع إجراء تعيينات وإتخاذ قرارات إجرائيّة تستدعي مشاركة رئيس الجمهوريّة وتوقيعه، وينتقدون مقاطعي الجلسات حفاظًا على الدستور ويبتكرون “الضرورة” للتشريع والتعيين والإجراء! فيما “الضرورة” واحدة وأساسيّة وهي انتخاب رئيس للجمهوريّة. وهي المدخل إلى التشريع والتعيين والإجراء، لأن بوجود الرئيس يستعيد المجلس النيابي طبيعته كهيئة تشريع ومحاسبة ومساءلة، وتستعيد الحكومة كامل صلاحيّاتها الإجرائيّة. ويسلم الدستور؟ ” وأضاف “الى متى يا معطّلي انتخاب رئيس للجمهورية، تخالفون الدستور، وتهدمون الجمهوريّة، وتعطّلون الحياة الإقتصاديّة والماليّة، وتبعثرون السلطة، وتفقّرون الشعب وتهجّرونه إلى أوطان غريبة؟ خافوا الله ولعنة التاريخ! لقد شكرنا الله على عودة الممارسة الديموقراطية في اختيار الرئيس انتخابًا بين متنافسين ظهورًا جليًّا في جلسة 14 حزيران الماضي الانتخابية لكن لم نفهم لماذا بُترت الجلسة بعد دورتها الاولى الاساسية، بمخالفة واضحة للمادة 49 من الدستور وفي هذه الايام تسمعونهم يتكلمون عن سؤال وجواب ولقاء وحوار. فالحوار الحقيقي والفاعل هو التصويت في جلسة انتخابية دستورية ديموقراطية. والمرشحون موجودون ومعروفون”.
وبدوره شدد رئيس حزب “القوات اللبنانية ” سمير جعجع على “أن ما يريده محور الممانعة إما أن يكون الرئيس له أو لا يريد رئيساً” وأكد أن “القوات اللبنانية تريد أن يكون الرئيس للبنان أو لا تريد رئيساً بكل بساطة”. واضاف “ماذا علينا أن ننتظر بعد اليوم من أجل المطالبة برئيس للبنان، فنحن لا نطالب برئيس لنا رغم أننا التكتل النيابي الأكبر والحزب المسيحي الأكبر” ولفت إلى أن “الفريق الآخر لا يملك قوّة ديمقراطيّة لإيصال مرشّحه إلى سدّة الرئاسة ويصر على وصوله وكأنه يريد منا أن نقوم بالإسهام لإيصاله “غصب عنا”، وهذا ما لن يحصل أبداً هذه المرّة”.
وعن جريمة قتل الياس الحصروني في عين ابل قال “نحن نعرف أن هذه عمليّة قتل متعمّدة، وبالرغم من أنني أفضّل ،كما دائماً،إنتظار أطول فترة ممكنة من أجل أن يكون ما نقوله مؤكداً، إلا أنه، وبكل صراحة، كل أصابع الإتهام متجهة نحو “حزب الله”، إنطلاقاً من ظروف حدوث الجريمة”.
“الحزب” و”التيار”
وسط هذه الأجواء تبين ان الحوار يمضي قدما بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بدليل ما كشفه النائب حسن فضل الله اذ قال : “إنّ انتخاب رئيس للجمهورية هو مدخل ضروري وطبيعي لإعادة انتظام مؤسسات الدولة بما فيها تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تضع خطط التعافي وتبدأ مسيرة العلاج، وحزب الله مع انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد، ولكن هذا يحتاج إلى تعاون مع آخرين، ولدينا مساعٍ في هذا المجال، وهناك حوار مع التيار الوطني الحر، وقد عقدت لقاءات في الأيام القليلة الماضية، ونناقش ورقة قدمها التيار، ولدينا وجهات نظر نتبادلها من أجل الوصول إلى قواسم مشتركة للاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا الحوار نريده أن يصل إلى نتيجة، ونسعى لكي يصل إلى نتيجة، ولدينا مرونة متبادلة في تبادل الآراء والأفكار، وقد يؤسس ذلك لأرضية مشتركة لتوفير النصاب الدستوري والقانوني لانتخاب رئيس متفاهم ومتفق عليه، وهذا يفتح الباب أمام الحلول والمعالجات في المستقبل”.
وفي اطار المواقف والتحركات ذات الصلة بالملف الرئاسي اصدر امس المكتب الاعلامي للنائب طوني فرنجيه بيانا اعلن فيه “تمسكه بالحوار مع مختلف الأفرقاء، وتأكيد انفتاحه على الجميع ” غير انه نفى ما نشره بعض الاعلام حول زيارةٍ قريبةٍ له الى معراب ووصفه بانه “عارٍ من الصحة جملة وتفصيلاً “.