وجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ، رسالة للبنانيين لمناسبة حلول شهر محرم الحرام ورأس السنة الهجرية لهذا العام، من مكتبه في دار الإفتاء الجعفري”، وقال:
“أيها اللبنانيون، السلام عليكم سلاما بسعة محبة الله للوطن والإنسان، سلاما مخضبا بدماء الإمام الحسين سبط النبي الأكرم محمد الذي قدم نفسه الزكية وأهل بيته وأصحابه في سبيل أكبر وأهم قضية، وهي قضية الإنسان والإيمان والعدالة والصيغة الأممية التي تستوعب كل عذابات الإنسان.
لذلك، حين نتحدث عن الإمام الحسين إنما نتحدث عن الإنسان الإلهي، عن دوره الإلهي، عن ارتباطه الإلهي، نتحدث عن الروح التي نفخها الله بخلقه وناسه، عن طمأنينة الإنسان وحاجاته المختلفة، نتحدث عن حقه بمعرفة ذاته وطبيعة أدواره وجوهر حقيقته، ومجموع احتياجاته الطبيعية التي يجب على السلطة والعقول والبرامج والهندسات أن تأخذها عنوانا لقداسة حق الإنسان.
وفي هذا السياق قال الإمام الحسين لأمية بل لكل العالم: لا يمكن القبول بسلطة ظالمة، أو سلطان جاهل، كما لا يمكن القبول بتسوية تزيد من متاهة الإنسان، أو تعطي فرصة جديدة للظلم والجهل والأنانية والطغيان، ببعد النظر عن طبيعة وشكل الطغيان والأنانية والنزعات الفردية.
لذا في يوم عاشوراء حين استعرض الإمام الحسين عذابات الإنسان، عرّف الإنسانَ بأنه “المخلوق المقدّس”، وعرّف السلطة بأنها “الحقّ الذي يليق بعظمة الإنسان”، بعيداً عن لونه وجنسه وعرقه وطائفته، وكان من حوله “جون” العبد، و”وهب” المسيحي، و”أسلم” التركي، و”ابن القين” العثماني، و”عليّ الأكبر” الهاشمي، و”العباس” العلوي، و”زينب” الفاطمية، وخلقٌ من هناك وهناك، دينهم الإنسان، بمقاس عظمة الله، لأن الله حين خلق الإنسان شقّ صدر الكلمة من حقيقة نوره، لتخدم “إنسان الله”، ودعا الأنبياء والأولياء فلطّخ صدورَهم بعذابات الخلق، ثم بعثهم بكلمته المباركة ولم يكن لهم وظيفة أعظم من “قداسة الإنسان”.
أيها اللبنانيون: الوطن أمانة، والإنسان أمانة، والطائفية التي تفرق ليست من الله، والدين الذي لا يحترم الإنسان لا يمكن أن يكون صوتا لله.
وحتى ننهض بأعباء خدمة الإنسان لا بدّ من سلطة عادلة تتفانى بخدمة العدل والحقّ، تتفانى بخدمة عيال الله، بعيداً عن الطائفية ونزعته”.
وتابع المفتي قبلان : “وفي هذه المناسبة الجليلة التي تذكرنا بالحسين الإمام ومحمد النبي كأكبر آيات الله، أتوجه للبنانيين بالقول: نريد أن نكون “عائلة الله المتضامنة” وأن يكون هذا البلد مهد محبتنا، ووطن شراكتنا، بعيدا عن الأنانية والطائفية وباقي التسميات التي تضع السيف بعنق هذا البلد وشعبه الطيب.
والشراكة تبدأ من العقول والقلوب والضغط الشعبي لتأكيد عائلتنا الوطنية، ولذا باسم “وهب المسيحي” الذي شارك الإمام الحسين حر دمه وعناء قلبه وحشاشة عطشه أؤكد على ضرورة شراكتنا الكاملة مع المسيحية، على قاعدة “محبة المسيح ورحمة محمد وإباء الحسين” ، وكخيار وطني نريد الشراكة والتلاقي والحوار والتعاون والتضامن الكامل الذي يليق بعائلة الله.
ومن هنا ولأهمية العنوان في المحور الداخلي أتوجه لوزارة التربية والداخلية والحكومة والقوى السياسية والأجهزة الأمنية والقضائية على شكل خاص: إن الترويج للشذوذ الجنسي عبر مؤسسات دولية مهووسة هو أمر بمثابة حرب وعدائية مطلقة لجوهر الطبيعة وصميم أخلاقياتنا، ونحن نعيش بالأخلاق، وأي سماح أو سكوت عن الترويج لهذا الفعل الشنيع والفاحش في لبنان هو خيانة عظمى للنوع البشري، ومنظمة “الدولية للتربية” الشاذة جنسياً والموجود أعضاء منها في لبنان للترويج لهذه الآفة الخطيرة عبر اختراق نقابة المعلمين والمدارس أشبه بإبادة أخلاقية ويجب اعتقال أعضائها فوراً، أصل البشر من آدم وحواء، وليس من حانات منهاتن في نيويورك، والقاضي أو المثقف العظيم الذي يهمّه أمر الشذوذ فليخرج من لبنان إلى منافي “سوهو” في “لندن” ولن نسمح لهذا الجنون بموطئ قدم في لبنان”.
وأردف المفتي قبلان :”أيها اللبنانيون ، إن البلد اليوم في المنطقة الحمراء، والعالم كان وما زال مسلخ مصالح، والفراغ ثقب أسود، الداخل فيه مجهول ومفقود، والوطن يتشحط جراء أسوأ انهيار نقدي مالي، مصحوب بأكبر وأخطر كارثة اقتصادية معيشية، والعائلة اللبنانية تعيش لحظة تاريخ لم يمر على لبنان أسوأ منها، وسط خناق دولي، عينه على استسلامنا السياسي، فيما الأسواق تقفز على أكتاف الفقراء توازيا مع لوبي مصالح ينهش عنق مصالحنا الوطنية، ورغم ذلك صمد لبنان، بل تمكن من تأمين أدوات قوة تسمح له بشق الطريق نحو خيارات شرقية تليق بالطور الجديد للسيادة اللبنانية، بعيدا عن المصالح الطائفية، وما أعنيه هنا: المصالح الوطنية التي تليق بكل طوائف لبنان، ولذلك أقول: التسوية الرئاسية ضرورة إنقاذية، ويجب أن تلحظ اللبنانيين كطائفة واحدة، وما نريده مصالح مشتركة وليس وطنية معاكسة، وفحص النيات يمر بمطبخ مجلس النواب كأكبر مؤسسة دستورية تمثل عائلتنا اللبنانية، أما الهروب من الحوار والتلاقي هو فعل مباشر لهدم الدولة وهيكلها، والمؤتمر الدولي قضاء على سيادة لبنان، والعالم ليس جمعية خيرية، بل ثبت أن العالم غاب ذئاب، والفراغ يستنزف اقتصاد بلدنا، والسيادة التي لا تطبخ في مؤسساتنا الدستورية وخاصة في مجلس النواب أكلها حرام”.
واضاف المفتي قبلان :”لذلك، في مطلع شهر محرم الحرام، أؤكد أن الوطن أمانة الله في أعناقنا جميعا، وأن أكبر أعداء هذا الوطن هو الفراغ والقطيعة والنعرات الطائفية والمشاريع الدولية والفساد ونزعة التقسيم بكل أشكالها، ولا شيء أخطر على لبنان من السياسات الأميركية وتليها تل أبيب، ثم المشاريع الدولية التي تعمل بكل إمكاناتها لتغيير التركيبة السكانية للبنان، وفي هذا المجال الاتحاد الأوروبي يمارس أعتى أنواع الظلم والعدائية اتجاه لبنان، وما تقوم به بعض السفارات الأوروبية هو بمثابة حرب، والمنظمات الأهلية الممولة من الغرب خطيرة جدا وتعمل على هدم لبنان، وللأسف مفوضية الأمم تحشد كل إمكاناتها لتغيير وجه وبنية لبنان، وليس مقبولا بأي شكل من الأشكال دمج النازحين، ونعتبره بمثابة حرب على لبنان، ونحن لسنا شرطة بحرية لأوروبا، ولتغرق أوروبا بالنزوح.
والشرط الأساس في أية تسوية رئاسية أن يكون الرئيس شجاعا ووطنيا، وأن يكون سندا وثيقا للشراكة الوطنية، وللدرع الوطني الذي يتشكل من قداسة الجيش والشعب والمقاومة”.
وتوجه المفتي قبلان الى “من يهمه الأمر”:” زمن استضعاف لبنان انتهى، وزمن بيع الأمن والسياسة أيضا انتهى، وفي هذا السياق لا يمكن القبول بقوة “اليونيفيل” كقوة فوق قوة الدولة ومصالح الأمن والسيادة اللبنانية، ما يهمنا أمن لبنان فقط، ولن نقبل بأي خرق أمني أو سيادي من أي جهة كانت، وما عجزت عنه إسرائيل بالحرب لن تأخذه بقرارات مجلس الأمن، والمقاومة في هذا المجال أكبر دروع السيادة الوطنية، والإمام الحسين يخرج أبطالا وثوارا وعقولا وجبهات حق لا تعرف الهزيمة ولا الضعف ولا الجهل ولا الطائفية ولا الضغينة ولا الاستسلام.
إن صوت الحسين ملأ قلب العالم، بل سكن صميم قلوب المسلمين والمسيحيين، وما نريده إعلان وحدة الإنسان وقداسته وتوظيف السلطة والإمكانات في عالم العدالة التي تستوعب حقوق البشر، وعظمة الحسين تكمن في أنه جمع كافة أديان العالم في صميم مبادئه وأهدافه”.
وختم المفتي قبلان :”أيها اللبنانيون، الحسين يستصرخكم المحبة والرحمة والنخوة والحمية والإباء على قاعدة: “عائلة الله الواحدة” التي يجمعها قلب عذابات الحسين (ع)، فلا تضيعوا وحدتكم ولا تضيعوا لبنان .السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين”.