كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: على وَقع الهواجس الزلزالية التي يعيشها اللبنانيون تحت وطأة الهزات الارتدادية المتواصلة للزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من الشهر الجاري ولم تنته ارتداداته فصولاً بعد، تجري محاولات داخلية لوقف الهزات المتواصلة في مختلف القطاعات في ضوء استمرار الشغور الرئاسي وما يرافقه من تعطيل حكومي ونيابي بفِعل المناكفات والكيديات والجدل الدستوري حول صلاحيات مجلس النواب وحكومة تصريف الاعمال الذي بات انعقاد ايّ منهما وكأنه إنجاز اذا حصل. امّا عن المناكفات حول الاستحقاقات الدستورية فحدّث ولا حرج، الى ان يكتب الله أمراً كان مفعولا..
Impasse، أي الطريق مسدود، هي العبارة المكتوبة على كل باب يطرقه الحل السياسي، حتى الان والى اجل قريب، في اعتبار انّ للاجل البعيد يخلق الله ما لا تعلمون… فكلّ يغني على ليلاه في مقاربة الملفات المتشابكة بعضها مع بعض.
اذ لا يزال لبنان يتحرك على صفيح فوالق مضطربة، لكنّ الحراك ليس متوقفاً، بحسب ما كشف مصدر سياسي رفيع لـ”الجمهورية”، مؤكداً انه “على رغم من عدم المبالاة الخارجية بإنتاج حل سريع للازمة اللبنانية الا ان الاشارات من الدول المعنية يمكن البناء عليها لكن المشكلة الاساسية هي بعدم اتّباع قواعد في ادارة الامور ومعالجتها حيث يتقدم اللامنطق في كل شيء”.
وأضاف المصدر: “من الواضح ان اللقاء الخماسي كان ابرز خطوة تجلّت في الاهتمام بلبنان لكن حتى الدول الخمس التي اجتمعت لإيجاد حل، وان تعاطى كلّ منها بحسب أجندته السياسية، لم تستطع الاتفاق أقله على بيان ختامي. وهذا يفسّر عدم الاتفاق على آلية متابعة ولجنة تنفيذ، وهذا يصرف في لبنان انه حضّ على ضرورة ايجاد حل داخلي يمكن ان يستثمر فيه الخارج المعني: مباركة او تفشيلا، المهم ان نتحرك”.
وكشف المصدر ان الاستحقاق الرئاسي يسير في خطين: الاول ترتيب مناخ مؤثر وليس بالضرورة مُلزم على سلة تفاهمات متكاملة وهذه الخطوة حتى الآن صعبة الانجاز. والثاني استخدام مفتاح الرئيس لفتح الابواب الاخرى وهذا ليس مضموناً، وبالتالي الكلام لا يعدو كلاماً والقوى السياسية على تَموضعاتها، والانتقال الى الخطة “باء” لم يحن بعد.
واكد المصدر ان رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يعود الى الجلسات الفلكلورية ولن يدعو الى جلسة انتخاب الا اذا طرأ تغيير او تطور في المشهد السياسي.
إستيعاب الازمات
في غضون ذلك، علمت “الجمهورية” ان اتصالات حثيثة تجري على غير مستوى لاستيعاب الازمات الداخلية الناشئة في ظل حديث عن تسوية رئاسية قيد النضوج بما يؤدي الى إنجاز سلس للاستحقاق الرئاسي وتكوين السلطة الجديدة، وان الاتصالات منصبّة داخلياً وخارجياً على تسويق هذه التسوية وتمهيد الطريق الى انجازها خلال اسابيع من دون اي معوقات.
وقالت مصادر مطلعة ان التوجّه الآن هو اتخاذ ما أمكن من اجراءات للتخفيف من وطأة الازمات المستفحلة لإمرار المرحلة بأقل خسائر ممكنة ريثما تنجز الاستحقاقات في مهلة اقصاها نهاية ايار المقبل. واذا امكن قبل هذا الموعد في حال تسارَعت خطوات الحل على الصعد الداخلية والاقليمية والدولية.
وفي هذه الاثناء قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لقناة “الجديد” مساء امس ان “الإجتماع الخُماسي في شأن لبنان في باريس لم يُحدّد أسماء لرئاسة الجمهورية، ونتمنى انتخاب رئيس جديدٍ للبلاد في أسرع وقت مُمكن”، مشيراً الى أن “تطور العلاقات السعودية – الإيرانية سينعكس إيجاباً على لبنان ونرحّب بالاتفاق بين المملكة والحوثيين في اليمن”. ورأى أنه “لا مؤشرات لانتخاب رئيس جمهورية قريباً وهناك فريق يريدُ انهيار البلد بالكامل لِنبنيه من جديد”.
وأضاف ميقاتي: “أعِي تماماً ما يحصل في البلد وأعلم المعاناة التي يعيشها المواطنون، ونسعى لتخفيف وطأة الضغط الإجتماعي الحاصل”. وقال: “إنني أسعى لأن أكون همزة وصل بين اللبنانيين ولا أسعى بأيّ شكلٍ من الأشكال لأعود رئيساً للحكومة مُجدداً”. ولفت الى “أنني مسؤول عن الإنتظام العام في البلد والقطاع المصرفي أساسي في البلد، وأسعى لحلحلة مسألة الإضراب الذي سينتهي خلال 48 ساعة”، مؤكداً “حماية القطاع المصرفي لإعادة انتعاش لبنان”. وأضاف: “لا أتدخّل بعمل القضاء والحديث عن “تبييض أموال” ضمن المصارف في الشكل القائم غير مقبول إذ انه يضرّ بسمعة لبنان”، معتبراً أنّ “من أحرقوا فروع المصارف قبل أيّام ليسوا مودعين، والتقارير الأمنيّة حول ما حصل وصلتني وفيها كافة المعلومات”. وأكّد: “إنني أطمئن اللبنانيين أن الوضع الأمني ممسوكٌ جيداً بشكل عام، وأحيّي الأجهزة الأمنية كافة على دورها”، كاشفاً أنه “طُلِب مني البحث عن مخرجٍ قانوني بشأن مسألة تمديد ولاية المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم والبحث مستمرّ بذلك”.
وأعلن ميقاتي انه سيزور قداسة البابا فرنسيس خلال الشهر المقبل “من أجل مناقشة وضع المسيحيين معه في لبنان والشرق الأوسط، كما إنني سأبحث معه في ملف رئاسة الجمهوريّة”، لافتاً الى أننا “نسعى بقوة للحفاظ على تماسك الوطن وإنقاذه غير صعب، وأناشِد الجميع بالتكاتف والعمل على لجم الإنهيار”.
جلسة إلزامية
وعلى الصعيد الحكومي باشَر فريق رئيس الحكومة التحضير لجلسة وزارية تعقد قبل نهاية الشهر الجاري تماشياً مع الحاجة الى معالجة بعض الملفات التي تعدّ من الضرورات المعيشية والحياتية التي تستوجب فتح اعتمادات مالية.
وقالت مصادر قريبة من السرايا الحكومية لـ”الجمهورية” ان جدول الاعمال يتضمن بندا خاصا بالتمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على خلفية ضمان استمرار العمل في “المرفق العام وانتظام عمله”. كما يمكن ان تتناول قضايا مالية مختلفة تُحاكي المخارج المطروحة لفك إضراب المصارف ومعالجة تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية ومعالجة تردداته على مستوى أسعار السلع الغذائية.
مخارج
ومن جهة ثانية، تتواصل في هذه الاجواء المشاورات القضائية لمعالجة تصرفات المدعي العام لجبل لبنان القاضي غادة عون، بعدما أثبتت تصرفاتها انها تجري من خارج القانون ولا بد من وقف الضرر اللاحق ببعض المدّعى عليهم من مؤسسات واشخاص نتيجة خروجها على صلاحياتها المكانية.
وعلمت “الجمهورية” انّ من بين ما هو مطروح مِن صِيَغ ان يصدر المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات قراراً بكف يدها بناء لاقتراح وطلب وزير العدل هنري خوري، أو ان يُعلن رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود عدم أهليتها.
وكانت عون قد اصدرت امس قرارا ختمت بموجبه بالشمع الاحمر servers بنك بيروت في منطقة المنصورية، بحجّة عدم التلاعب بالداتا داخله، في انتظار عودة رئيس مجلس ادارة المصرف سليم صفير من السفر ليمثل امامها بعدما طلب وكيله التريّث في تحديد موعد لتسليم ما هو مطلوب من المصرف. كذلك كلفت عون خبيرين للانتقال اليوم الى مصارف لبنانية عدة للكشف على الداتا وعلى حساباتهم وحسابات اعضاء مجلس الادارة والمساهمين.
وكان احد الوكلاء القانونيين لأحد المصارف قد تقدّم امس بطلب امام النيابة العامة التمييزية لوقف قرارات القاضية عون، وقد حوّل القاضي غسان عويدات الملف الى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان لإجراء المقتضى.
إخلاء 16 صرافاً
واستجوب قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا أمس 18 من الصرافين غير الشرعيين من الموقوفين على ذمة التحقيق ومدعى عليهم بجرائم “تبييض الأموال” ومخالفة قانون الصرافة والإساءة إلى مكانة الدولة المالية والمضاربة على العملة الوطنية”. كذلك العمل من دون ترخيص قانوني، قبل ان تنتهي التحقيقات الى وجود صرّاف واحد بقاعي يملك ترخيصا قانونيا، وآخر في بيروت يخضع ترخيصه للتشكيك، كما وجد أحدهم يعمل بموجب وكالة من شركة “أو إم تي” تسمح له بشراء الدولارات وبيعها لمصلحة الشركة تمهيداً لتسليمها الى مصرف لبنان. كما علم انّ من بين الموقوفين موظف برتبة رئيس دائرة في مجلس النواب.
وقالت مصادر قضائية مطلعة لـ”الجمهورية” ان التحقيقات انتهت عند الرابعة عصراً الى صدور قرار بتوقيف اثنين منهم وجاهياً، وهما: علي نمر خليل وعيسى كنج، وثلاثة غيابياً من بينهم خالد موسى الذي لم يمثل أمام القاضي واعتبر متوارياً، وكل من مصطفى حجول ومحمد منصور. وكان ذلك قبل ان يتبلّغ فور انتهاء التحقيقات بتوقيف احدهم في منطقة الشياح وهو الصراف محمد بكري، وقد حدّد القاضي التاسع من آذار موعداً لاستجواب من يحضر أمامه منهم.
وعلمت “الجمهورية” انّ إخلاءات السبيل التي أحيلت الى النيابة العامة الاستئنافية للبَت بها قد تمّت بسندات إقامة ولقاء كفالات مالية كبيرة بلغت حدود الـ 600 و800 مليون ليرة لبنانية.
ولاحقاً، اغلق قريبون من علي نمر خليل الطريق في منطقتي الطيونة ومار مخايل في الضاحية الجنوبية، وأحرقوا الدواليب المطاطية استنكاراً لإصدار مذكرة توقيف بحقه.