شارك وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل في لقاء لوزراء المالية العرب، في إطار مشاركته في أعمال القمة العالمية للحكومات، التي تنعقد تحت مسمى المنتدى السابع للمالية العامة في الدول العربية، بحضور الممثلين عن صندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي، عرض للأثر الاقتصادي على التغيير المناخي، وتشجيع الإستثمار في قطاع الطاقة البديلة.
وفي سياق جلسات المؤتمر كان للوزير الخليل مداخلة حول تمويل الاحتياجات المالية وتعزيز تعبئة الإيرادات المحلية، تحديات تعبئة الإيرادات في لبنان للتعافي من الأزمة، وقال “إن تعبئة الإيرادات في لبنان هي من صميم الاستدامة المالية واستقرار الاقتصاد الكلي والتعافي من الأزمة، وعقب التخلف عن سداد الديون في آذار 2020، لم يعد للبنان منفذ إلى أسواق رأس المال للتمويل ولا يزال تمويل المانحين خجولا، وبالتالي فإن تعزيز الإيرادات، على الرغم من التحديات المتزايدة، يظل وسيلة التمويل الوحيدة للحكومة”.
أضاف: “لقد أثرت السنوات الثلاث الأخيرة من الأزمات الطويلة والمتعددة على تحصيل الإيرادات وإدارة الضرائب: فقد انخفضت الإيرادات من متوسط 21% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الأزمة إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2021. في الواقع، ان انخفاض قيمة العملة، وتعدد أسعار الصرف السارية في الاقتصاد اليوم، تؤدي إلى خسائر كبيرة في الإيرادات للخزينة. بالإضافة إلى ذلك ، فإن القدرة الإدارية على التحصيل والتدقيق تتأثر بشكل كبير من حيث الموارد البشرية وتكنولوجيا المعلومات. كما وان تدمير الثروة وانعدام الثقة في الدولة ومؤسساتها ادى إلى زيادة عدم الالتزم والتهرب الضريبي”، مردفا “لقد تآكلت القواعد الضريبية التقليدية بسبب الأزمة المالية والاقتصادية المتفاقمة، وتضرر الاستهلاك بسبب ارتفاع مستويات الفقر، ولم تعد التحويلات المالية اليوم تمر عبر القطاع المصرفي مما تسبب في ضياع الإيرادات من حيث القدرة على توليد الدخل من الفوائد (مصدر مهم للإيرادات في لبنان ما قبل الأزمة). وتعمل الأزمة أيضا على تغيير صورة كبار المكلفين في لبنان. وأدى الاقتصاد النقدي المتنامي في بداية الأزمة المالية إلى تغذية قطاع غير رسمي يتزايد اتساعا، ويخرج من القاعدة الضريبية ويمثل إيرادات كبيرة ضائعة. بشكل عام، تؤدي الأزمة المعقدة إلى تفاقم سياق صعب بالفعل، انخفضت نسبة الضريبة إلى الناتج المحلي الإجمالي من متوسط 16% قبل الأزمة إلى 7% في عام 2021، وهو أدنى مستوى لها منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990”.
وتابع: “في الواقع، يواجه لبنان تحديات طويلة الأمد فيما يتعلق بتعبئة الإيرادات ، مما يضعف قدرته على تحصيل الإيرادات وتمويل إنفاقه، وهي: قاعدة ضريبية ضيقة، التهرب الضريبي، تحديث لإدارة الضرائب وحوكمة رشيدة، عدم وجود استراتيجية سياسة ضريبية متوسطة الأجل. أما نقاط الضعف طويلة الأمد فهي: لبنان هو اقتصاد صغير مفتوح، وهو سيف ذو حدين، كونه قوة ولكنه أيضا مصدر للضعف أمام الصدمات الاقتصادية، وهو اقتصاد مرتفع للغاية يعتمد على التحويلات من الدول المجاورة المنتجة للنفط، مع تنوع محدود من حيث تدفقات الإيرادات. وكان للتوترات الإقليمية تداعيات كبيرة على الصعيد المحلي (أي تفاقم أزمة اللاجئين) وعدم الاستقرار السياسي”.
وأردف الخليل: “لقد لعب صندوق النقد الدولي دورا محوريا في تعبئة الإيرادات وإصلاحات السياسة الضريبية في لبنان على مر السنين، نفذ لبنان عددا من هذه الإصلاحات سابقا منها الإصلاحات الجمركية في حقبة ما بعد الحرب المبكرة، واستحداث الضريبة على القيمة المضافة في عام 2002، وإصلاح الضريبة على الأجور والرواتب وإنشاء دائرة كبار المكلفين في عام 2003 ومع ذلك هناك حاجة إلى جهود شاملة لتحسين تعبئة الإيرادات في لبنان، وهذا يتطلب التزاما قويا بالإصلاح على أعلى مستوى سياسي ومن جميع الاطراف ، بما في ذلك الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. من الآن فصاعدا، تتوقف تعبئة الإيرادات في لبنان على ما يلي: يظل توحيد أسعار الصرف ركيزة لاستقرار الاقتصاد الكلي واستدامة المالية، توسيع وجهات النظر إلى ما وراء القواعد الضريبية التقليدية ومصادر توليد الإيرادات، إعادة النظر في السياسات الضريبية من أجل معالجة مبادئ إعادة توزيع الدخل بشكل أفضل، يستدعي توسيع القاعدة الضريبية معالجة الاقتصاد غير الرسمي المتنامي”.
وقال: “ان استعادة الثقة في الدولة ومؤسساتها هو جوهر الانتعاش الاقتصادي. الثقة هي المفتاح لتجديد الالتزام الطوعي واستعادة الجهود المالية على قدم المساواة مع القدرة على تحمل الديون واستقرار الاقتصاد الكلي. كما يتطلب تحسين الالتزام مزيدا من قنوات الاتصال الفعالة وتبادل المعلومات بين مختلف الهيئات الحكومية وكذلك مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، ومعالجة القدرات الإدارية الضعيفة على وجه السرعة لاستئناف قدرات التحصيل وتنفيذ الإصلاح،اليوم ، يعتمد تنفيذ الإصلاح من أجل التعافي من الأزمات على تعزيز الإدارة الضريبية من حيث الحفاظ على رأس المال البشري المؤهل، واستعادة وتطوير قدرات وعمليات تكنولوجيا المعلومات التي لم تعد اليوم على قدم المساواة مع الأعمال اليومية لوزارة المالية وهي بالتأكيد لا تساعد على تنفيذ الإصلاح .
اليوم ، من المهم تسليط الضوء على مساهمة الخزينة في الخسائر المالية الإجمالية في الاقتصاد، وهي مساهمة كبيرة، وهذا يمارس ضغوطا إضافية لتعبئة الإيرادات بما يتجاوز أهداف القدرة على تحمل الديون. وهذا يدعو الى حوار وطني حول دور املاك الدولة وإمكانات زيادة الإيرادات، كمصادر محتملة للدخل لمواجهة تلك الخسائر وإعادة تنشيط الاقتصاد”.
وختم: “إن التحديات التي يواجهها لبنان اليوم هائلة، والطريق إلى إصلاحات تعبئة الإيرادات طويل وشاق وصعب. في عام 2022، وافق صندوق النقد الدولي على إطار متوسط الأجل للإيرادات مدته أربع سنوات ، ويهدف إلى دعم الإصلاحات المالية في البلاد، من خلال معالجة تحديات المالية العامة وميزان المدفوعات، بما في ذلك تحديات تعبئة الإيرادات، ويهدف برنامج صندوق النقد الدولي لدعم جهود الحكومة لتحسين تعبئة الإيرادات من خلال تعزيز الإدارة الضريبية، والحد من التهرب الضريبي، وزيادة الامتثال الضريبي. وهذا يشمل تدابير لتحسين أنظمة تحصيل الضرائب، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتعزيز إنفاذ الضرائب. يعمل أيضا مع الحكومة لتحسين الشفافية والمساءلة في الإنفاق العام، مما يزيد من ثقة المواطن في الحكومة ويدعم جهودا أكثر فاعلية لتعبئة الإيرادات.في تلك الأوقات الاستثنائية، نعرب عن تقديرنا العميق لصندوق النقد الدولي لوقوفه إلى جانب لبنان في طريقه نحو التعافي، وندعو إلى دعم جميع شركائنا في التنمية والمانحين، وهو دعم مهم لإحياء لبنان. والأهم من ذلك أننا نتطلع إلى تنسيق أعمق وأقوى مع الدول العربية الشقيقة لمساعدة لبنان على استعادة دوره التاريخي في المنطقة كمنارة للمعرفة والتقدم”.