(النهار)
عندما ينخفض منسوب التفاؤل عند رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدم اقتراب تأليف الحكومة العتيدة، يعني ان أفق الحل أصبح مسدودا، وان موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي يدعو اليها الرئيس ميشال عون لن يكون قريبا، وان عمر حكومة تصريف الاعمال برئاسة الرئيس حسان دياب سيطول وسط خلافات شديدة وشروط متبادلة بين الافرقاء، ولا سيما بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل. واذا ما استمرت سياسة اقامة الجدران وتشبث كل فريق بموقفه حيال تأليف الحكومة، فلا مانع لدى بري هنا من ان يخرج على اللبنانيين بكلمة متلفزة في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه في نهاية آب الجاري، يكشف فيها كل الحقائق بعدما وصل الى حالة من القرف، وان ترف الوقت لم يعد يخدم احداً، وما يحصل لا يصب في مصلحة البلاد ولا ينفع العباد. وردا على سؤال لـ”النهار” عن الخلاصة التي وصل اليها رئيس المجلس، أجاب: “حاولت الكثير الكثير. واكتفي بهذا الجواب”.
يبدو أنك متشائم جداً؟ فردَّ: “العالم (الافرقاء) ما بدّن حكومة”.
وبطبيعة الحال سينتظر بري ما سيحمله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بيروت في اوائل أيلول المقبل في وقت يجري الحديث عن تأجيل زيارته هذه، مع الاشارة الى ان قصر الاليزيه مشغول بأكثر من قضية تبدأ من مواكبة وباء كورونا ولا تنتهي عند المواجهة الفرنسية – التركية في المنطقة وتدخّل أنقرة في قلب ليبيا، اي بمعنى ان ملف لبنان، على اهميته عند باريس، لم يعد في صدارة اهتمامات كبار مسؤوليها الذين يتابعون اكثر من أزمة، وما يحصل في جمهورية مالي واحدة منها. وقد اصبحت شروط العونيين غير خافية، وهي تبدأ بعدم الحماسة للسير مع الحريري ورئاسته للحكومة جراء “تجارب قاسية” لهم مع “تيار المستقبل”، بحسب ما يردد قياديون في “التيار البرتقالي”. واذا لم تتأمن المطالب العونية فلن يشارك تيارهم في الحكومة المقبلة، حيث هناك اصرار على المضي في عملية التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، ولا سيما ان الحاكم رياض سلامة يفضل وصول الحريري الى السرايا إذ يشكل له الحماية المطلوبة.
ورداً على خصومهم، يقول العونيون انهم لا يمانعون في ان يشمل هذا التدقيق، الى المصرف المركزي، قطاع الكهرباء وصولا الى صناديق مجلس الانماء والاعمار والمهجرين والجنوب، ويشترطون ان يتضمن البيان الوزاري الذهاب فوراً الى تطبيق خطة الكهرباء بحسب ما توصلت اليه حكومة دياب مع عدم التنازل عن معمل سلعاتا. ومن الملاحظات العونية القديمة – الجديدة سؤالهم الدائم عن عدم وجود نظام داخلي في مجلس الوزراء على غرار النظام الموجود في البرلمان. واذا تم التسليم بعدم وجود هذا النظام فإنهم يصرون على القول ان من حق اي فريق في الحكومة قدم مشروعاً ان يُدرج في وقت سريع على جدول أعمال مجلس الوزراء، وليس منطقياً ان “يحجز” رئيس الحكومة هذا المشروع ولا يعمل على طرحه على طاولة النقاش. والى هذه الشروط، ثمة مجموعة من الاصلاحات الاخرى لا ينفك العونيون عن المناداة بها سواء حل الحريري في السرايا او سواه.
في المقابل، للحريري شروطه ايضاً وقد أبلغها الى سائر المعنيين بتأليف الحكومة وبري في مقدمهم، وهو يريد ان يكون صاحب الكلمة الفصل في اختيار اعضاء الحكومة، ولا يكتفي باستبعاد باسيل عنها بل يريد ان يبعد كل من يمت اليه بصلة حتى لو جاء من عالم التكنوقراط، وانه سيتدخل في اسماء الوزراء المسيحيين. ويقول العونيون هنا إن “ماكينة” الحريري كانت وراء تسريب اسمي قاضيين سنيين مع تسويق ان عون يرشح احدهما لرئاسة الوزراء وهما المدعي العام التمييزي السابق حاتم ماضي وأيمن عويدات. والى كل هذه التعقيدات والشروط التعجيزية وسط الكباش المفتوح بين التيارين الازرق والبرتقالي، يجري التوقف عند مسألة عدم وجود قبول مسيحي باسم الحريري من أكبر فريقين بقيادة باسيل وسمير جعجع. واذا كانت علاقات الحريري مع باسيل ليست على ما يرام، فهي ليست على استقرار مع “القوات اللبنانية” حيث تزداد الهوة بينهما الى درجة انه ينقل عن جعجع قوله انه لم ينسَ عدم اكتراث الحريري لفريقه في التعيينات المسيحية ابان وجوده في السرايا وتسليمه بخيارات باسيل. وثمة رسالة “قواتية” وصلت الى “بيت الوسط” عبر “البريد السريع”: “لن انسى يا سعد ما فعلته معي (التعيينات وسواها) وانتظر مني الكثير”.