كتبت صحيفة النهار تقول:
لم تقف التداعيات البالغة السلبية وطنياً وسياسياً ومعنوياً وشعبياً لتنمّر فضائحي مقيت لسلطة أمنية – قضائية على أخ شهيد من شهداء انفجار مرفأ بيروت فحسب، بل سرعان ما تمددت إلى رأس هرم السلطة القضائية حيث طاولت الشظايا مجلس القضاء الأعلى بنفسه في خلاف علني نادر. ذلك أنه بعد يومين من اللعب والتلاعب بنار توقيف الناشط وليام نون وتموجات هذا التطور سلباً في الاحتجاجات الشعبية في الشارع وعلى المستوى النيابي والسياسي والحزبي والشعبي والحقوقي والقضائي بدا مساء أمس، وعقب الإفراج عن نون، أن أسوأ تداعيات ونتائج هذه الرعونة السلطوية تمثلت في افتضاح التخبط والانقسامات والتباينات داخل الجسم القضائي نفسه، بما يفضح التداخلات السياسية والتلاعب السياسي بالسلطة القضائية. وهو تطور يتخذ ذروة سلبيته وآثاره المؤذية نظراً إلى توقيته عشية وصول الوفود القضائية الأوروبية إلى لبنان التي ستتحول إلى شاهد حي على التخبط الهائل الذي يضرب القضاء فيما هي تلوذ بمعونته لتحقيق مهمة التحقيقات والاستجوابات في ملفات فساد.
التشظي القضائي بتداعيات توقيف وليام نون كاد يغلب على وقائع اليوم الثاني من توقيفه وما شهده من ممارسات ومماحكات قضائية وأمنية خلال ساعات التوقيف، فيما بدا الشارع يغلي بالسخط والغضب والاحتجاجات حيال هذا الفصل من رعونة سلطوية تقاسمها جهاز أمن الدولة مع الجهات القضائية التي تورطت في الانقضاض على ضحية من ضحايا انفجار المرفأ بدلاً من الوقوف بمنتهى الحزم إلى جانبه ومنع الاقتصاص الانتقامي منه لمجرد أنه يطالب بالعدالة بصوت المواجهة المحقة. وتجلى انقسام القضاء في رفض رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود بياناً صدر باسم المجلس ينحاز إلى القاضي الذي استباح حقوق أهل ضحايا انفجار المرفأ بالمطالبة بحقوق شهدائهم في كشف المتسببين بقتلهم.
وقد أشار رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود مساء في بيان لافت إلى “تناقل بعض وسائل الإعلام ما يُفيد بصدور بيان عن المجلس بتاريخ اليوم (أمس)”، موضحاً أن “أيّ بيان لم يصدر عن المجلس وفق الأصول القانونية المعتمدة”، مشيراً إلى “التداول بشأن إصدار بيانٍ متعلّق بما آلت إليه الأمور في المرحلة الأخيرة، ولم يُصَر إلى التوافق على مضمونه الذي كان ما زال قيد المناقشة”. وأكّد عبود أن “ما وصل إلى وسائل الإعلام إنما هو مشروع بيان لم يحظَ بالموافقة المفترضة لإصداره”.
وكان البيان المشار اليه صدر باسم مجلس القضاء الأعلى “مستغرباً ومستنكراً التدخل والتهجم على عمل القضاة، ومؤخراً، إجراءات النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، من مرجعيات يفترض بها احترام عمل القاضي الذي يحتكم إلى ضميره وعلمه القانوني”. “ورفض التعرض والتطاول من أي جهة كانت على القضاء وكرامة القضاة في معرض ممارسة واجباتهم كسلطة دستورية مستقلة”. وذكّر “أنه لطالما كان حاضراً وحريصاً على تلقي أو مراجعة لمتابعتها ضمن الأصول القانونية وليس في الشارع أو في الإعلام”. ورأى “أن الغاية التي يسعى إليها أحد المواطنين مهما كانت شريفة ومحقة لا تبرر الوسيلة غير المشروعة والمعاقب عليها قانوناً، مشدداً على أن القضاء لم يكن يوماً، ولن يكون مكسر عصا لأحد”.
وأفاد مصدر قضائي أنّ القاضي زاهر حمادة اشترط صدور بيان عن مجلس القضاء الأعلى يغطّيه ليقبل بإطلاق نون، ووُزِّع البيان من دون إقراره أصولاً، وهذا ما دفع رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود لإصدار البيان التوضيحي.
ودخل “نادي قضاة لبنان” على الخط منحازاً إلى الجهات القضائية التي لاحقت نون فدعا “أهالي ضحايا جريمة المرفأ إلى التصويب نحو المعرقلين الحقيقيين”، معتبراً أن “المطالبة بالعدالة والحقيقة لا يمكن أن تبرر ارتكاب أفعال تخالف القانون. فالتهجم على قصور العدل والتعدي على مكاتب القضاة لن يحققا هذه العدالة التي تصبون إليها، بل على العكس أن مثل هذه التحركات إنما تساهم في تقويض السلطة القضائية وضرب هيبتها، وتصب بالتالي في مصلحة من لم يتورع عن عرقلة العدالة على مدى سنة ونيف”.
في المقابل اتخذ مجلس نقابة المحامين في بيروت موقفاً صارماً وحاداً بعد اجتماعه بصورة طارئة برئاسة النقيب ناضر كسبار وحضور جميع الأعضاء، إثر توقيف وليام نون “وما رافقه من أعمال شدّة وعنف وقسوة بحق مقامات ورجال دين ونواب والمحتجين”، مطالباً القيادات الأمنية بفتح “تحقيق فوري” لمعاقبة الفاعلين، ومحذّراً من “مغبة العودة إلى النظام البوليسي، وهو أمر ترفضه رفضاً قاطعاً نقابة المحامين في بيروت، المدافعة الدائمة عن الحريات العامة في لبنان”.
واعتبرت النقابة في بيان أن “الظاهرة التي حصلت غريبة عن التقاليد اللبنانية، والقيم التي قام عليها وطن الحريات وحقوق الإنسان، إذ وبدلاً من توفير العدالة، التي لا يزال قسم منها معتكفاً، والأمن والأمان والاطمئنان، نراهم يعاقبون الضحايا في قبورهم، وأهلهم في كراماتهم، والذين يطالبون بأقل حقوقهم ألا وهي كشف الحقيقة”.
ورأى المجلس أنه “وبدلاً من الإفساح في المجال للتحقيق وكشف الحقيقة، يجرّون الأمور إلى نزاعات جانبية لا طائل منها سوى إلهاء الرأي العام، وقهر الشعب اللبناني المسالم، وتحييد الأنظار عما يحصل من انتهاكات وفساد وهدر وتجاوزات وتقصير”.
وأكّدت نقابة المحامين “وجوب احترام صرح قصر العدل والقضاء وضرورة تطبيق القوانين وحسن سير العدالة إلا أنها ترفض الاستنسابية والتدخّلات السياسية في تطبيق القانون”، مشدّدة على “رفض تعطيل التحقيق والمحاسبة بجريمة العصر والامتناع عن توقيف المجرمين الفعليّين في حين أنها تطالب بتوقيف من يطالب بالعدالة”.
جاء ذلك بعد يوم ماراتوني من التحرّكات الشعبية والسياسية رافقت قضية توقيف الناشط وليام نون منذ الصباح بعد مساء عاصف شهد غضباً واسعاً من الرأي العام على إثر القرار القاضي بإبقائه موقوفاً، وقد أخلي سبيل نون عصر أمس، فتوجه إلى فوج الإطفاء بعد خروجه من مديرية أمن الدولة ومن بعدها إلى جبيل.
وقال نون بعد إطلاقه أن “التوقيف كان بإشارة من القضاء، والتعامل معي كان محترماً، ونحن مستمرّون بقضية 4 آب، ومن حقّنا التعبير طالما التحقيق معطّل وهذه القضية لن تموت”. وأضاف: “أشكر كلّ من وقف إلى جانبنا وأشكر اللواء طوني صليبا، وعلى القضاء أن يقوم بواجبه، وسنذهب إلى التحقيق الإثنين”.
وفي حديث لـ”النهار”، اعتبر أن “ما حصل معه هو محاولة تخويف وردع للأهالي ولكن قضيّتنا وطنية وأكبر منّا جميعاً”، وأضاف: “سأمثل أمام التحقيق الاثنين فأنا لم أتهرّب يوماً”.
وكان ملفّ توقيف نون من قِبَل جهاز أمن الدولة بناءً على مذكّرة من المحامي العام الاستئنافيّ في بيروت القاضي زاهر حمادة، قد تطوّر بشكل سلبيّ بعدما ربط القاضي حمادة الإفراج عنه بالاستماع إلى رفيقه بيتر بو صعب.
وأعلن النائب ملحم خلف نهاراً أن القاضي زاهر حمادة عدل عن قراره بترك وليام نون وأبقاه موقوفًا وربط ملفه بملف بيتر بو صعب في قضية أمن الدولة في حين أفاد مصدر قضائي أن جهاز أمن الدولة أنهى تحقيقاته مع وليام نون منذ التاسعة لكنّ القاضي زاهر حمادة طلب تأجيل إطلاق السراح ثم لم يعد يُجيب على هاتفه. وأكّد خلف أن القاضي زاهر حمادة طلب إحضار بيتر بو صعب وربط ملف وليام نون بملف بو صعب وبالتالي فإن حمادة عاد عن قرار ترك نون بسند الإقامة وأبقى عليه رهن التحقيق وبالتالي الأمور تعقدت بالكامل.
وظهراً، أكد خلف أنه “جرى نصب فخّ قضائي له وللمرة الأولى نشهد جهازين يحققان في نفس الموضوع”.
واستمر اعتصام أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت إلى جانب عشرات الناشطين أمام المديرية العامة لأمن الدولة في الرملة البيضاء، للمطالبة بإطلاق الناشط وليام نون. وانضم إلى المعتصمين، عدد من النواب من بينهم رازي الحاج، الياس حنكش وميشال معوض، وعدد من المحامين الذين دخلوا إلى مقر أمن الدولة للعمل على إطلاقه.
وعمد المعتصمون إلى قطع المسلك الغربي لأوتوستراد الماريوت بواسطة الأشخاص وأغصان الأشجار ما تسبب بزحمة سير، وحوّل السير في اتجاه الطريق البحرية.
وقبيل الإفراج عن نون حصلت مصادمات بين عناصر حراسة مبنى أمن الدولة والنائب الياس حنكش الذي تعرض لممارسات خشونة من العناصر.
على صعيد آخر، وفيما الدولار في السوق السوداء عاد يحلّق بلا سقوف في ارتفاعات يومية، أفيد عن اجتماع استثنائي للمجلس المركزي في مصرف لبنان الاثنين، للبحث بالارتفاع الكبير لسعر صرف الدولار في السوق السوداء والإجراءات العاجلة الممكن اتخاذها للسيطرة على الوضع.