من الغريب أن يغرق بلد كالعراق يعوم على النفط، في الفقر والبطالة، مع فشل اقتصاده في توفير الوظائف وتحسين حياة الشباب.
إلا أن الفساد المستشري في مختلف مؤسسات الدولة وهدر المليارات من الأموال العامة الذي أنهك الشعب الرازح تحت ثقل غلاء الأسعار وضيق العيش وقلة الموارد، يقدم الدليل الشافي على الأسباب.
ولا شك أن هذا الفساد محمي ومنفذ من قبل مسؤولين في الدولة على مدى سنوات، ولعل هذا ما كشفته أمس هيئة النزاهة العامة بإعلانها أن محكمة جنح مدينة الحلة، عاصمة بابل، أصدرت حكماً أولياً غيابياً بالحبس الشديد 3 سنوات على محافظ بابل السابق، كرار العبادي، بتهمة هدر 14 مليار دينار عراقي (نحو 11.6 مليون دولار).
أما مكامن الهدر هذا فتجسد في توقيع المحافظ على عقد بين ديوان المحافظة والشركة العامة لصناعة السيارات، بهدف تجهيز بلدية مدينة الحلة بمركبات، خلافاً للقانون!
وهذا الحكم هو الثاني بحق محافظ بابل السابق، إذ أصدرت محكمة جنايات محافظة بابل، في 3 آذار 2020، حكماً أولياً بسجنه 7 سنوات بتهمة التزوير.
أزمة الرواتب
بالتزامن مع تفجر ملفات الهدر والفساد هذه، برزت أخيراً مشكلة فاقمت أزمة العراقيين ألا وهي تأخر دفع رواتب موظفي الدولة.
فمع تعرض العراق إلى ضغوط مالية جمة نتيجة انهيار أسعار النفط وتفشي كورونا وانعكاسات الأوضاع السياسية غير المستقرة في البلاد، وسط عدم إقرار موازنة العام الحالي، بالإضافة إلى قضايا الفساد، باتت الحكومة عاجزة عن تسديد رواتب موظفي الدولة في الوقت المحدد، لذلك لجأت إلى سياسة الاقتراض الداخلي لسد العجز في الموازنة المالية ودفع رواتب موظفي الدولة.
البرلمان يصوت
ولمواجهة أزمة الرواتب، صوت مجلس النواب فجر أمس على قانون تمويل العجز المالي المعروف أيضاً بقانون الاقتراض. وبحسب نص القانون تم تخفيض قيمة القرض التي يمنح وزير المالية صلاحية اقتراضه محلياً وخارجياً من 41 إلى 12 ترليون دينار على أن يخصص 20% منها للمشاريع الاستثمارية.
إلى ذلك تضمن القانون الجديد بعد تعديلات اللجنة المالية عليه تقدير إيرادات الأربعة الأشهر الأخيرة من العام الجاري بعشرة ترليونات و500 مليار دينار بدلاً من 19 ترليون و719 مليار دينار، كما قدرت اللجنة إجمالي النفقات الضرورية خلال نفس المدة بـ 22 ترليون و500 مليار دينار بدلاً من 57 ترليون و811 مليار دينار.
يشار إلى أن الموظفين الحكوميين في العراق اعتادوا على تسلم رواتبهم، بدءاً من يوم 15 من كل شهر، وحتى 26 من الشهر نفسه، إلا أنه في سبتمبر الماضي، تأخر دفع رواتب الموظفين في الحكومة لأول مرة، بسبب الأزمة المالية قرابة 50 يوماً، كما لم توزع رواتب تشرين الأول حتى الآن.