كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: يوقّع لبنان واسرائيل عصر اليوم الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية برعاية الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين، لِتدخُل المنطقة الجنوبية البحرية والبرية على حد سواء مرحلة جديدة لا يمكن التكهّن بطبيعتها ومستقبلها من الآن. فيما يدخل الاستحقاقان الحكومي والرئاسي في مهب الفراغ حيث لم يعد ممكنا إنجاز أيّ منهما في خلال الايام الاربعة المتبقية من ولاية رئيس الجمهورية التي تنتهي منتصف ليل الاثنين ـ الثلاثاء المقبلين. وفي هذا الصدد اكد مرجع كبير لـ”الجمهورية” انّ اي اتصالات او محاولات جديدة لم تحصل امس أقله على مستوى تأليف الحكومة. وتوقّع ان تتولى حكومة تصريف الاعمال صلاحيات رئاسة الجمهورية بالوكالة توّاً بعد خلو سدة رئاسة الجمهورية بدءاً من الاثنين، حيث ان ليس هناك مِن نص دستوري يمنعها من ذلك.
بدأ حبس الانفاس واشتدّ الكباش مع اقتراب العد العكسي من ساعة الصفر لحظة سقوط قلم التوقيع من يد رئيس الجمهورية عند الثانية عشرة ليل الاثنين المقبل…
وقد سَرت في الساعات الاخيرة أجواء اتهمت اوساط ميقاتي «التيار الوطني الحر» ببثّها حول حصول حلحلة في التأليف مع ترجيح ولادة الحكومة خلال يومين. لكن مصدراً سياسياً رفيعاً مُطلعاً على ملف التأليف دَحض هذه الاجواء وكشفَ لـ«الجمهورية» ان «التيار سبق له ان اعتمد هذه الافلام ليُلقي اللوم على الرئيس المكلف ويتهمه بالعرقلة، فيما حقيقة الامر ان رئيس التيار النائب جبران باسيل لا يزال عند موقفه بعدم اعطاء الثقة لحكومة ميقاتي».
وروى المصدر لـ«الجمهورية» آخر المفاوضات التي اصطدمت بشرط الثقة قائلاً «انّ ميقاتي رضي بالهَم والهم لم يرض به، فبعد ان تم الاتفاق على تغيير ٦ وزراء داخل الحكومة (سني – شيعي – درزي – ٣ مسيحيين قريبين من التيار يختارهم باسيل) توقّف النقاش والتفاوض عندما سأل ميقاتي عن الثقة، فكان جواب باسيل: « لا ثقة».
واضاف المصدر ان ميقاتي استَفزّه كثيراً هذا الامر واستاء من طريقة التعاطي، فبعد ان قبل بشروط باسيل الذي أكلَ عليه حق معرفة الاسماء الثلاثة وحقائبهم لأنهم «يخصّونه» فلا يكشفهم الا قبل ربع ساعة من اصدار المراسيم، أصرّ على انّ الثقة حق مكتسب له ولكتلته وهو يقرر ما اذا كان سيعطيها والارجح انه لن يعطيها. هنا فرملَ الرئيس المكلف العملية وقال للوسطاء «لا حكومة الا اذا قبلوا بالشروط التي وضعتها وفي مقدمها الثقة». فأُطفئت المحركات في انتظار صدمة ما اصبحت صعبة في هذا المناخ».
وعن امكانية حصول مفاجآت في ظل ضيق الوقت، اشار المصدر الى انه «لا يزال هناك عملياً 5 ايام، واذا ما حسمنا منها خميس التواقيع وأحد المغادرة تبقى 3 ايام»…
لكن المصدر يعود ويسأل: ما الذي يمكن ان يحصل؟ لا شيء على الارجح الا اذا كان باسيل يريد رَد الصاع صاعين لميقاتي، فالاخير لعبَ على ضيق الوقت حتى لا يتسنّى لرئيس الجمهورية ترؤس أي جلسة يمكن ان يطرح من خارج جدول اعمالها بنداً، وباسيل يريد ان يبتزّ ميقاتي حتى آخر نفس»…
ويختم المصدر «انّ العهد الذي ينشغل بآخر ايامه بتعليق النياشين، وآخرها على صدر هوكشتاين اليوم، لم يَشأ ان يمحو من صفحاته في آخر صلاحياته ومحطاته انه بالفعل في بعبدا كان هناك رئيسان: الاول يُفاوض والثاني يوقّع».
بايدن
وعشيّة توقيع الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية أكّد الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ «اتفاق ترسيم حدود بحرية دائمة بين لبنان وإسرائيل تطلّبَ شجاعة من الجانبين». وقال بعد لقائه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في البيت الأبيض: «إسرائيل ولبنان يوقعان غدًا (اليوم) اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تعدّ فتحًا تاريخيًا، وتطلّبت شجاعة وديبلوماسية حازمة». ولفت إلى أنّ «هذا الإتفاق سيسمح بتطوير حقوق الطاقة للبلدين ويخلق فرصًا اقتصادية للبنان ويوفّر الأمن لإسرائيل»، مجدّدًا «التزام الولايات المتحدة الراسخ بأمن إسرائيل».
وكان الوسيط الاميركي هوكشتاين قد وصل الى لبنان امس لـ«وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية التاريخية لوضع حدود بحرية دائمة بين لبنان وإسرائيل»، بحسب بيان لمكتبه.
ولفت البيان الى أنّ «هوكشتاين سيجتمع في بيروت بالرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي للتعبير عن امتنانه لكل منهم على روح التشاور والانفتاح التي ظهرت خلال المفاوضات، والتي تم وضع أسسها في اتفاق الاطار سنة 2020 بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري. وبعد ذلك سيزور هوكشتاين الناقورة لاتخاذ الخطوات النهائية لدخول اتفاق إسرائيل ولبنان حيّز التنفيذ. وبعد ذلك سيقدم الطرفان إحداثيات بحرية إلى الأمم المتحدة بحضور الولايات المتحدة. وسيتوجّه هوكشتاين بعد ذلك إلى إسرائيل حيث سيلتقي برئيس الوزراء يائير لبيد ويشكره وفريقه على ديبلوماسيتهم المُثابِرة والمبنية على المبادئ من أجل التوصل إلى حل في شأن هذا الملف الحساس».
ومن المقرر ان يسلّم هوكشتاين الرئيس عون نَص الاتفاق الرسمي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية صباح اليوم، على أن يقرّر رئيس الجمهورية مَن سيوفد إلى الناقورة لتوقيع هذا الاتفاق.
هكذا سيتحرك هوكشتاين
وفي معلومات «الجمهورية» ان هوكشتاين الذي تناول طعام العشاء الى مائدة نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، كان قد انتقل فور وصوله إلى مقر السفارة الأميركية، على أن ينتقل الى قصر بعبدا في وقت مُبكر اليوم، بعدما حدّد موعده مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عند التاسعة والنصف صباحا حيث من المقرر، وبحسب الترتيبات الخاصة مع السفارة الاميركية، ان يُدلي بموقف على شكل بيان رسمي مكتوب من دون احتسابه مؤتمرا صحافيا.
وبعدها يتوجّه هوكشتاين للقاء كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قبل ان يتوجه بعد الظهر الى الناقورة لاستقبال الوفدين اللبناني والاسرائيلي ليسلّمهما كتب الضمانات الأميركية للتفاهم ويتسلّم منهما، كلّ على حدة، نص الرسالة الرسمية الصادرة عن كل دولة في شأن الإقرار بما قال به التفاهم.
الوفد اللبناني
ومن المقرر ان يترأس عون بعد ذلك اجتماعا لأعضاء الوفد اللبناني الذي سيسلّم في الناقورة الوثيقة اللبنانية الرسمية، بحيث تكون قد صدرت القرارات الخاصة بتشكيله وهو امر بات رهناً بمعرفة حجم ومستوى تمثيل الوفد الاسرائيلي، وليس صحيحا ما تردد ان عون هو من سيوقّع هذه الوثيقة.
رسالة هوكشتاين
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان هوكشتاين سينقل إلى المسؤولين اللبنانيين والاسرائيليين الكبار رسائل امتنان إدارة بلاده لكلّ من ساهم في هذا «التفاهم التاريخي»، والتعبير عن امتنانه لكل من رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والحكومة على روح التشاور والانفتاح من خلال الموقف الموحّد الذي ادى الى تسهيل مساعيه للتوصّل الى التفاهم الذي سيشكل محطة سلام واستقرار في المنطقة والى الإنتعاش الاقتصادي الذي يحتاجه لبنان والى الأمن والسلم الدوليين.
من الناقورة الى إسرائيل
وفي المعلومات التي تسرّبت ليل امس من فريق الموفد الاميركي انه سيتوجّه من الناقورة الى اسرائيل للقاء رئيس الحكومة الاسرائيلية يائير لابيد الذي سيترأس عند العاشرة من قبل ظهر اليوم اجتماع الحكومة الاسرائيلية للمصادقة رسمياً على التفاهم الخاص بترسيم الحدود البحرية مع لبنان قبل توقيعه في الناقورة عصراً.
وسيكون على إسرائيل عند إيداعها الوثائق الخاصة بالترسيم لدى الأمم المتحدة إرفاقها بالاحداثيات الجديدة لحدودها البحرية قياساً على ما نَص عليه الاتفاق الجديد بالصيغ النهائية التي تم التوصّل اليها. وهي خطوة ليست مُلزمة للبنان لأنها التزمت ما قال به المرسوم 6433 ولا حاجة لتعديل اي إحداثيات.
بلد نفطي
وأكد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب «أننا سننشر نص اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بعد توقيعه». وقال لقناة «الجزيرة»: «لدى اللبنانيين أمل كبير في أن يصبح لبنان بلدا نفطيا»، موضحًا أنّ «شركة توتال ستبدأ العمل في حقل قانا للتنقيب عن الغاز بعد توقيع الاتفاق».
الى ذلك، شدّد بوحبيب على «أن لا تعقيدات في شأن محادثات ترسيم الحدود البحرية مع سوريا»، مشيراً الى «أننا سنتفق على موعد آخر مع السوريين لبدء محادثات ترسيم الحدود». وقال: «حكومة تصريف الأعمال ستواصل محادثات ترسيم الحدود البحرية مع سوريا». وأكد «أنّ حكومة تصريف الأعمال ستستمر في عملها بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية».
الى ذلك أفادت وكالة «رويترز» أن «حكومة تصريف الأعمال وافقت على التنازل عن 40 % من حصة «Total Energies» في كونسورتيوم لاستشكاف الرقعة 9 في المياه البحرية اللبنانية إلى شركة «داجا 215»، المَملوكة من شركة «توتال».
الضَخ من كاريش
وفي اسرائيل أعلنت شركة «إنرجيان» امس بدء إنتاج الغاز من حقل كاريش البحري الذي شمله اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، وذلك عشية توقيع التفاهم.
وقالت الشركة في بيان تلقّته وكالة فرانس برس»: «يسرّنا أن نعلن إنتاج أولى كميات الغاز من حقل كاريش قبالة سواحل إسرائيل بأمان… يَتزايد تدفّق الغاز باطراد».
وتأمل الشركة أن تتمكن في المدى القريب من إنتاج 6,5 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، على أن ترتفع الكمية لاحقاً إلى ثمانية مليارات متر مكعب في السنة.
وقال ماثيوس ريغاس الرئيس التنفيذي لشركة «إنرجيان» في بيان: «لقد نفّذنا مشروعا تاريخيا يَجلب المنافسة إلى سوق الغاز الإسرائيلية ويعزّز أمن الطاقة في شرق المتوسط ويوفّر طاقة نظيفة وبأسعار معقولة ستحل مكان إنتاج الكهرباء بواسطة الفحم».
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد منحت امس الاول شركة إنرجيان الترخيص الذي يسمح لها باستخراج الغاز من الحقل الواقع في كاريش المشمول بالتفاهم الذي تم التوصل إليه لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
وفي الأثناء قال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد إن «إنتاج الغاز من حقل كاريش سيبدأ وفق ما هو مقرّر عندما تتوافر كل الشروط التقنية».
وينص الاتفاق على أن يكون حقل كاريش البحري تحت السيطرة الإسرائيلية وأن يكون حقل قانا للبنان، لكن بما أنّ جزءا من الحقل الأخير يتجاوز خط الترسيم المستقبلي، ستحصل الدولة العبرية على حصة من الإيرادات المستقبلية من استغلاله.
هوف
وقال الوسيط الأميركي السابق في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل فريدريك هوف في تصريح للصحافيين إن «الهدف من الاتفاق الذي سيوقّع غداً (اليوم) هو استبعاد احتمال نشوب حرب بحرية بين لبنان وإسرائيل إلى أقصى حد». وأشار إلى أن «إسرائيل تأمل في تعزيز الاستغلال التجاري لغازها الطبيعي والتصدير إلى أوروبا فيما لبنان يريد البدء سريعاً باستكشاف (حقل قانا) وبدء الإنتاج»، في خضمّ أزمة اقتصادية غير مسبوقة يرزح تحت وطأتها.
يذكر ان إسرائيل تستغل الآن تجاريّاً حقلَي تامار وليفياتان في شرق المتوسط، ومن شأن الاستغلال التجاري لحقل كاريش أن يُمكّنها من تعزيز إنتاجها من الغاز وزيادة إمداداتها من المادة إلى مصر بُغية تحويلها إلى غاز مُسال يتم نقله من طريق الشحن البحري إلى أوروبا الساعية إلى تنويع مصادر تموينها.
نتنياهو يهاجم
الى ذلك هاجم زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة يائير لابيد قائلاً إنه لا يعرف أن يقول «لا» للولايات المتحدة الأميركية، ووصف تعامله مع تهديدات الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله بأنه «استسلام مُخجل».
وتعهّد نتنياهو في حديث لقناة «آي 24 نيوز» الإسرائيلية، أن يرفض طلبات من الرئيس الأميركي جو بايدن إذا كان ذلك يصبّ في مصلحة إسرائيل، مضيفاً أن لابيد يجب أن يقول «لا» للضغوط أو المطالب التي يُمكن أن تشكل تهيديداً على أمن إسرائيل.
وفي إشارة إلى اتفاق ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان، شدد نتنياهو على «أن لابيد لا يستطيع القول «لا» أمام الولايات المتحدة، حيث إنها كانت الوسيط في المفاوضات التي استمرت لأشهر طويلة. ووصَف تعامل لابيد مع تهديدات الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بأنه «استسلام مُخجل».
عودة النازحين
من جهة ثانية غادرت أمس دفعة من اللاجئين السوريين لبنان عائدة إلى سوريا، في إطار رحلات منظمة يتولّاها الأمن العام اللبناني بالتنسيق مع الجانب السوري.
ففي منطقة عرسال في شرق لبنان، تجمّعت منذ ساعات الصباح الأولى حافلات وشاحنات صغيرة، يحمل بعضها لوحات تسجيل لبنانية وأخرى سورية، قبل بدء انطلاقها تدريجاً الى الأراضي السورية. وحمل لاجئون معهم حاجياتهم من أمتعة شخصية ومقتنيات وحتى دواجن وحيوانات، بحسب مصور وكالة «فرانس برس».
ومن المقرر أن يغادر نحو 750 لاجئاً من مناطق عدة، وفق ما اعلن الأمن العام، عبر ثلاث نقاط حدودية على الأقل، في إطار خطة «إعادة النازحين الطوعية والآمنة»، التي بدأتها السلطات اللبنانية عام 2017 على دفعات، وأعلنت الشهر الحالي استئناف تنفيذها.
وأفادت الوكالة العربية السورية للأنباء «سانا» الرسمية عن «وصول دفعة من المهجرين السوريين قادمين من مخيمات اللجوء في لبنان عبر معبر الدبوسية الحدودي في ريف حمص (وسط) للعودة إلى مناطقهم الآمنة والمحررة من الإرهاب».
وتقدّر السلطات اللبنانية حالياً وجود أكثر من مليوني لاجئ على أراضيها، بينما يبلغ عدد المسجلين لدى الأمم المتحدة قرابة 830 ألفاً. وبموجب عمليات العودة الجماعية، تمّت وفق بيانات الأمن العام اللبناني إعادة أكثر من 400 ألف لاجئ إلى سوريا، لكن منظمات إنسانية ترجّح أن عدد العائدين أقل بكثير، وتتحدث عن توثيق حالات ترحيل «قسرية».
وقال الوزير بوحبيب عن عودة النازحين الى سوريا انّ «لبنان يعاني من وجود أكثر من مليوني سوري على أراضيه»، لافتًا الى «أنّنا تلقّينا ضمانات بعدم التعرض للاجئين السوريين العائدين إلى بلادهم».