كتبت صحيفة “الجمهورية”تقول: سَلكت حدودياً بإعلان لبنان رسمياً موافقته على الاتفاق الخاص بترسيم الحدود البحرية الجنوبية بينه وبين اسرائيل، لكنها لم تسلك بعد لا رئاسياً ولا حكومياً فيما بدأ الوقت يضيق امام هذين الاستحقاقين الدستوريين مع اقتراب نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون آخر الشهر الجاري، وارتفاع منسوب المخاوف من حصول فراغ في سدة رئاسة الاولى في ظل حكومة تصريف الاعمال التي يفترض انها ستتولى صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة الى حين انتخاب رئيس جديد، وهو أمر قد يثير سجالاً دستورياً حول مدى أهليتها لتولّي هذه المهمة.
أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رسمياً موافقة لبنان على الصيغة النهائية التي أعدّها الوسيط الأميركي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية عاموس هوكشتاين، مؤكداً انّ «هذه الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع المطالب اللبنانية وتحفظ حقوقنا كاملة».
وقال عون في كلمة الى اللبنانيين مساء امس: «بعد التشاور مع رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري ورئيس الحكومة السيد نجيب ميقاتي، وبصفتي رئيس الدولة، وبعد إبلاغي من الرئيس الأميركي جو بايدن موافقة إسرائيل، وبعد إعلان الحكومة الإسرائيلية موافقتها، أعلن موقف لبنان بالموافقة على اعتماد الصيغة النهائية التي أعدّها الوسيط الأميركي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، في انتظار توقيع النصوص اللازمة من الجانب الأميركي والجانب الإسرائيلي وفقاً للآلية المعتمدة في الاتفاق». وشكر «كل مَن وقف إلى جانب لبنان في هذا الإنجاز الذي ما كان ليتحقّق لولا وحدة الموقف اللبناني وصلابته في مقاومة كل الضغوط، وفي عدم تقديمه أي تنازلات جوهرية، وعدم دخوله في أي نوع من أنواع التطبيع المرفوض». وقال: «إنّ من حق لبنان أن يعتبر ما تحقّق بالأمس إنجازاً تاريخياً، لأننا تمكنّا من استعادة مساحة 860 كيلومترا مربعا كانت موضع نزاع ولم يتنازل لبنان عن أي كيلومتر واحد لإسرائيل، كما استحصَلنا على حقل قانا كاملاً من دون أي تعويض يدفع من قبلنا على رغم من عدم وجود كامل الحقل في مياهنا. كذلك لم تمس حدودنا البرية ولم يعترف لبنان بخط الطفافات الذي أحدثته إسرائيل بعد انسحابها من أراضينا عام 2000، ولم يقم أي تطبيع مع إسرائيل، ولم تعقد أي محادثات أو اتفاقيات مباشرة معها». واضاف: «بتنا قادرين اليوم، بعدما استعدنا زمام المبادرة، بفضل المثابرة والجهد والدفاع عن ما هو حق لنا وللأجيال المقبلة التي نأمل أن تعيش في زمن أفضل من الزمن الذي عشنا فيه. وأن ينشأ الصندوق السيادي الذي يحفظ لها العائدات بحسب اقتراح القانون المقدم بهذا الشأن». وأوضح ان «الخطوة التالية يجب أن تكون التوجّه الى عقد محادثات مع سوريا لحل المنطقة المتنازع عليها معها وهي تزيد عن 900 كلم2، وذلك عن طريق البحث الأخوي. كذلك ينبغي مراجعة الحدود المرسومة مع قبرص وتقرير ما يتوجب القيام به مستقبلاً».
وتوجّه عون الى اللبنانيين قائلاً: «من خلال صمودكم وثباتكم ونضال مقاومتكم التي أثبتت أنها عنصر قوة للبنان، ساهَمتم في تحصين الموقف اللبناني في التفاوض، كما في المواجهة، وحققتم هذا الإنجاز، لكم وللأجيال الآتية، كل ذلك من أجل رفعة وطنكم وتقدمه وازدهاره وراحة أبنائه».
وكان عون قد اتصل امس ببري وميقاتي قبَيل اعلان موافقة لبنان على اتفاق الترسيم، وبحث معهما في هذا الملف في ضوء الصيغة النهائية التي أرسلها هوكشتاين للمسؤولين اللبنانيين قبل أيام.
هوكشتاين
من جهته أوضح هوكشتاين، في مقابلة عبر الـLBCI، أنه «ليس صحيحاً أن هناك رابح وخاسر في الاتفاقية»، مشيرا إلى أنه «لهذا السبب قاموا بتغيير المفاوضات خلال الأشهر القليلة الماضية للنظر إليها في شكل مختلف، وطرحنا مجموعة مختلفة من الأسئلة».
ولفت الى أنه نجح حين فشل قبل بضع سنوات وهذه هي جولته الثانية، معتبراً «أن هذه التجربة كانت مفيدة والجزء الأهم كان عندما طلب منه الرئيس الاميركي بايدن استئناف العمل كوسيط». وأكد أن الطرفين أرادا أشياء مختلفة وما كان مهمًا لطرف لم يكن مهمًا بالنسبة للطرف الآخر فعملنا على وصفة للفوز بالنسبة للبنان». وشدّد على «أن الجزء الأهم هو أن يكون لدى لبنان ما يكفي من مساحة في المياه تمنحه القدرة على تطوير حقل غاز حصري له من شأنه أن يوفّر الاستثمار الأجنبي الذي سيتدفّق لأول مرة إلى لبنان، اضافة الى إمكانات الغاز التي ستتدفق مباشرة إلى محطات توليد الكهرباء».
وأوضح هوكشتاين أنه «بالنسبة لإسرائيل فإنّ ما أرادوه هو خط حدودي آمن ومؤكد ويوفّر الاستقرار من جانبهم، وبهذه الطريقة وبمجرد استيفاء الشروط الأمنية الإسرائيلية وتلبية الشروط والاحتياجات اللبنانية على الصعيدين الأمني والاقتصادي بات بالإمكان للصفقة أن تتم».
ولدى سؤاله اذا كان فوز رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في الانتخابات سيشكّل خطر التراجع عن الاتفاقية أو إلغائها؟ قال: «انّ اسرائيل اليوم مثل لبنان لديها ديموقراطية نشِطة جدا مع كثير من وجهات النظر ولكن الإجراءات الحكومية تميل إلى البقاء عليها كما هي واتّباع الاتفاقات، سواء صوّتوا لها أم لا».
وأمل هوكشتاين أن تعلن «Total» مع شريكتها «ENI» أنها بدأت في الاستعداد للتنقيب في المياه اللبنانية. ورأى أن هذا الاتفاق يمكن أن يُنسب إليه الفضل في منع الفوضى والمزيد من الصراع في كل جميع أنحاء المنطقة ولأول مرة منذ زمن طويل لبنان هو الجواب على المشاكل وليس السبب». واعتبر «أن هذا الاتفاق طريقة للولايات المتحدة لضمان عدد من الأشياء في الوقت نفسه وازدهار اقتصادي للبنان وتأمين الحدود الشمالية لإسرائيل»، مذكّراً «أن تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل يعني عدم الحرب بين إسرائيل ولبنان».
موعد تبادل الوثائق
وفي هذه الاجواء قالت مصادر معنية لـ»الجمهورية» انه بعد الموقف النهائي الذي أعلنه رئيس الجمهورية امس بعد التشاور مع كل من رئيسَي مجلس النواب والحكومة، بات لبنان في مرحلة الإنتظار لمعرفة الموعد المحتمل الذي سيكون فيه الموفد الاميركي في بيروت من اجل تبادل الوثائق الموقعة بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي في مقر قيادة القوات الدولية (اليونيفيل) في الناقورة وإيداعها الإدارة الاميركية تمهيداً لنقلها الى الامم المتحدة.
وثيقة الترسيم
وفي هذه الاثناء طلب بري من الامانة العامة للمجلس النيابي «ابلاغ نسخة من ترسيم الحدود البحرية الجنوبية اللبنانية الى كل من السادة النواب للاطلاع عليها بعد إقرار الترسيم في مجلس الوزراء».
وكانت مجموعة من النواب قد وجّهت أمس كتاباً الى بري طالبته فيه بـ»الدعوة لعقد جلسة طارئة للمجلس النيابي بموضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية تبعاً لما تقتضيه المادة 52 من الدستور». وقالت: «من منطلق المحافظة على سيادة لبنان وحقوقه الكاملة وعلى دور المجلس النيابي، نطلب من جانبكم دعوة المجلس النيابي الى عقد جلسة طارئة بموضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، تبعاً لما تقتضيه المادة 52 من الدستور وسائر المواد الدستورية والقانونية والمعاهدات الدولية وإتفاقية الهدنة التي ترعى الحدود الدولية المعترف بها دولياً، ولِما لهذه القضية من أوجه عجلة وخُطورة وأهمية، للاستماع الى الحكومة المستقيلة لإطلاع المجلس النيابي على ما هو معروض عليها بهذا الصدد ومناقشة مضمون هذه الإتفاقية، وبالتالي تمكين النواب من اتخاذ الموقف المناسب منها كشرط جوهري لإبرامها».
الاستحقاق الرئاسي
في غضون ذلك انضَمّت جلسة الانتخاب الثانية، التي عقدها مجلس النواب امس لانتخاب رئيس جمهورية جديد، الى لائحة «ضحايا» الاستحقاق الرئاسي التي من المتوقع ان تطول وان تلتحق بها جلسات أخرى.
فبين خَميسَين ونصابَين انعقدت هذه الجلسة بنصاب مُكتمل في خارج قاعة الجلسات تجاوز الـ٨٦ نائباُ، ونصاب غير مكتمل في القاعة لم يتعد الـ٧١ نائباً، ضمن لعبة مكشوفة تَشارك فيها الجميع تنفيذاً أو علماً وتسليماً بالقدر الذي لم يَحِن بعد لمعرفة هويّة الرئيس الرابع عشر للبنان.
ووصف مصدر نيابي رفيع لـ»الجمهورية» الجلسة بأنها «جلسة المتوقع وسيكون لها أخوات شبيهات كثر، وإن تغلّفت بغياب «التيار الوطني الحر» لكنها كانت «طايرة طايرة». واكد المصدر «ان هذا المشهد سيتكرر الى حين تسليم كل القوى السياسية بضرورة الذهاب الى توافق، فـ»السّولَفة» بالمبادىء انتهت وحان وقت الحَكي الجدي في رئيس توافقي وليس رئيس تَحدّ نجد له مبررات». وكشف المصدر «انّ الاجواء تَشي بأنه من المبكر احداث اختراق في ملف الاستحقاق الرئاسي، فالقوى والاحزاب المسيحية على ما يبدو ليسوا جاهزين بعد للاتفاق، وطالما انّ هذا الامر غير متوافر سيبقى الرئيس خارج التغطية».
فاتورة الفراغ
الى ذلك قالت اوساط مطلعة لـ»الجمهورية» انّ «البحث الجدي في الاسم المحتمل لرئيس الجمهورية لن يبدأ قبل نهاية المهلة الدستورية في 31 تشرين الأول والدخول في الشغور الرئاسي الذي سيستدرج عروض التسوية، ولو بعد حين». واشارت الى «انّ معايير مرحلة الشغور تختلف عن تلك المعتمدة خلال المهلة الدستورية، وبالتالي فإنّ من يرفض التسوية حالياً سيصبح اكثر جهوزية لها واستعداداً للبحث فيها عقب الفراغ».
وأكدت هذه الاوساط «انّ جلسات ما قبل 31 تشرين الاول لن تخرج عن إطار المناورات التي ستستهلك بطبيعة الحال عدداً من الأسماء في انتظار التفاهم على اسم مقبول».
وتوقعت الاوساط ان يساهم اتفاق الترسيم البحري في إيجاد بيئة حاضنة للتسوية الرئاسية المفترضة، معتبرة انّ التحدي هو في خفض فاتورة الفراغ وتقصير مدته قدر المستطاع، خصوصاً ان لا مفر في نهاية المطاف من التوافق، والأفضل هو الوصول اليه بأقل ثمن ممكن».
وكان بري قد أرجأ جلسة انتخاب رئيس للجمهورية الى الحادية عشرة قبل ظهر الخميس المقبل لعدم توافر النصاب، كما دعا الى جلسة لانتخاب اللجان النيابية قبل الثلاثاء المقبل. وعلمت «الجمهورية» ان بري سيفتح مباشرة بعد انتخاب مطبخ المجلس النيابي جلسة تشريعية بجدول أعمال مصغّر.
التحرك الفرنسي
في غضون ذلك بدأت امس وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية كاترين كولونا زيارة للبنان تدوم يومين، وأعلنت السفارة الفرنسية في بيان انها ستجري محادثات مع رئيس الجمهورية ميشال عون، في حضور نظيرها عبدالله بوحبيب. وكذلك ستلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
وأشارت السفارة في بيانها إلى أنه «مع اقتراب الاستحقاق الدستوري لانتخاب رئيس لبناني جديد، ستعيد الوزيرة كاترين كولونا التذكير بتمسّك فرنسا بحسن سير العمل في المؤسسات اللبنانية. ومن جهة أخرى، ستشدد على أنه من المُلحّ بالنسبة إلى لبنان أن يتم تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات لكي يخرج من الأزمة الشديدة الخطورة التي يواجهها منذ أشهر عدة، ويقوم بالإصلاحات الاقتصادية والمالية التي ينص عليها الاتفاق الموقع في شهر نيسان مع صندوق النقد الدولي، وهي إصلاحات ضرورية جدا في السياق الذي تشهده البلاد ويثير الكثير من القلق». وأضافت: «ستشكل هذه الزيارة أيضا مناسبة للترحيب بالاتفاق التاريخي حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، الذي تم التوصل إليه هذا الأسبوع، وسعت فرنسا من أجله مع شركائها الدوليين. وفي ختام هذه الزيارة، ستتوجه الوزيرة للقاء المتطوعين الشباب في الصليب الأحمر، الذين يعملون بشكل يومي في خدمة الشعب اللبناني».
وقالت مصادر ديبلوماسية غربية لـ»الجمهورية» انّ الزيارة تكتسب اهمية بالغة قبل ايام قليلة على اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الإثنين المقبل في بروكسل للبحث في تطورات الازمة الاوكرانية وما يجري في منطقة الشرق الأوسط في ضوء ما يجري في لبنان، وملف التفاهم الخاص بالترسيم البحري بين لبنان واسرائيل وما يعنيه بالنسبة الى ازمة النفط العالمية وتأثيراتها على دول اوروبا، وستوجّه التهنئة مباشرة الى المسؤولين اللبنانيين إنفاذاً لمضمون بيان وزارة الخارجية الذي صدر أمس الأول.
واضافت المصادر انّ الزيارة ستكون الاخيرة لمسؤول فرنسي على هذا المستوى قبل نهاية ولاية الرئيس عون، وستشدّد كولونا أمامه على أهمية انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، وستعاوِد تأكيد تمسّك فرنسا بحسن سير عمل المؤسسات اللبنانية ودعم المؤسسات العسكرية والامنية واهمية ان تكون هناك حكومة بمواصفاتها الدستورية الكاملة لأنها من العوامل التي تعيد انتظام العمل بين المؤسسات الدستورية في البلاد ودعم تعاونها للخروج من الأزمة الخطيرة، والعمل على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية المنصوص عنها في الاتفاق الموقّع في نيسان الماضي بين لبنان وصندوق النقد الدولي».
واذا لم تتحدث الوزيرة الفرنسية خلال جولتها الى الرؤساء الثلاثة، فإنها ستعقد مؤتمرا صحافيا بعد ظهر اليوم في غرفة الصحافة في مطار بيروت الدولي لدى مغادرتها لبنان.