كتبت صحيفة “النهار” تقول: قبل خمسة أيام من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد ، وفي سياق تصعيد حملة المناورات المواقف الملتبسة في اطار من توزيع مكشوف للادوار بين العهد وفريقه السياسي والاستشاري والدائرين في فلكه وحلقته اللصيقة، قطع الرئيس ميشال عون الشك باليقين حيال أي تمايز مصطنع بينه وبين رئيس تياره السياسي ومستشاريه في شأن إدارة الفراغ الرئاسي المحتمل بموقف يثبت التخطيط المتعمد اما لبقائه في بعبدا بعد انتهاء ولايته واما لاثارة تطورات معينة من نوع انقلابي . ذلك ان رئيس الجمهورية انبرى بنفسه امس الى الاجتهاد حول النقص الدستوري لحكومة تصريف الاعمال واسقاط اهليتها في ممارسة المسؤولية التنفيذية بما اثبت مداورة وضمنا ان عون يمهد لتبني كامل منظومة الاجتهادات التي يسربها او يعلنها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل حيال مرحلة ما بعد الفراغ الرئاسي المحتمل . مدار الخطورة في هذا النهج التصاعدي بدأ يتبلور في تعمد إشاعة فريق العهد بالذات انطباعات ترجح ذهاب البلاد الى الفراغ في حين يعطل العهد ورئيس تياره السياسي بالذات كل محاولات تشكيل الحكومة الجديدة . اما المفارقة الأكثر اثارة للاستغراب فهي في زعم الرئيس عون الحفاظ على انتظام المؤسسات فيما تسقط في بعبدا تباعا كل الصيغ لتشكيل الحكومة وتتصاعد مكانها الاجتهادات والفتاوى بتمديد مقنع تارة او سافر اطوارا بحجة عدم أهلية الحكومة الحالية لادارة الفراغ مكان رئيس الجمهورية .
المفارقة ان العهد المتفرغ لادارة معركة الاجتهادات والفتاوى يبدو كأنه في عالم ناء تماما عن الأوضاع الواقعية في لبنان حيث تتصاعد كل الازمات الازمات المعيشية والخدماتية على نحو بالغ القسوة والخطورة منذرة بتداعيات متفجرة على كل الصعد . وكان آخر وجوه الازمات الخدماتية الإنذار بالعتمة الشاملة مجددا وتكرارا بدءا من اليوم اذ أعلنت “مؤسسة كهرباء لبنان” بأن سوف يتم وضع معمل الزهراني قسرياً خارج الخدمة بعد ظهر اليوم الجمعة ، جرّاء نفاد خزينه من مادة الغاز أويل، ما سيؤدّي إلى توقّف إنتاج الطاقة على كل الأراضي اللبنانية، على أن يُعاد تشغيل معامل الإنتاج فور تزويد المؤسسة بالمحروقات في أقرب فرصة ممكنة.
العتمة
ولكن الهموم الضاغطة هذه لم تجد مكانها في المشهد الرئاسي – السياسي في بعبدا اذ انه غداة اللقاء الرابع الفاشل حكوميا الذي جمع الاربعاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، بادر رئيس الجمهورية الى الادلاء بمطالعة نقلها عنه رئيس الرابطة المارونية خليل كرم شدد فيها على “ضرورة تشكيل حكومة جديدة في اسرع وقت ممكن وعدم جواز الاستمرار في تعطيل هذا الاستحقاق خصوصاً ان المصلحة الوطنية العليا تقتضي بأن يكون الانتظام في المؤسسات الدستورية مؤمّناً، والشراكة الوطنية مصانة سواء من حيث تشكيل الحكومة الجديدة، او من حيث انتخاب رئيس جديد للجمهورية”، وزاد عون انه “يرى بأن حكومة تصريف الاعمال لن تكون قادرة على ممارسة مسؤولياتها على نحو كامل في حال تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية لاي سبب كان لان الرئيس عون، وخلافاً لما يشاع، يلتزم نصوص الدستور في ما خص موعد انتهاء ولايته، لكنه في الوقت نفسه لا يرى طبيعياً ان الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية غير المكتملة المواصفات وغير الحائزة على ثقة مجلس النواب، يمكنه ان يملأ فراغا على مستوى رئاسة الدولة . ومن هنا رأى ان تشكيل الحكومة الجديدة يجب ان يبقى من الأولويات، وهو سيواصل العمل من اجل تحقيق ذلك مستنداً الى الدستور وحفاظاً على الشراكة الوطنية وعلى التوازن بين السلطات”.
ولكن التطور اللافت الاخر تمثل في مسارعة الرئيس ميقاتي الى الرد ببيان لفت فيه الى خطورة استخدام منبر الرئاسة لاطلاق مواقف تؤجج الأوضاع . واعتبر ميقاتي عبر مكتبه الإعلامي”ان المواقف الجاهزة التي تليت اليوم ( امس ) من منبر القصر الجمهوري كشفت، بما لا يقبل الشك، الاسباب الحقيقية لتعطيل عملية تشكيل الحكومة، وما يتم التخطيط له من قبل بعض المحيطين بفخامة رئيس الجمهورية”. واستغرب “استخدام منبر الرئاسة، المفترض أن يكون فوق الاعتبارات الطائفية، لاطلاق مواقف تؤجج الاوضاع بدل أن تشكل كلمة سواء لجمع اللبنانيين”. وأضاف “في كل الاحوال، يتابع دولته، أن ما قيل لن يكون باي شكل من الاشكال معطّلا لمواصلة مسعاه لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو ينتظر مجددا ان يستكمل مع فخامة رئيس الجمهورية مناقشة التشكيلة التي قدمها في 29 حزيران الفائت”.
ورد لاحقا مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية ببيان جاء فيه:” بالإشارة إلى البيان الذي صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول التصريح الذي ادلى به رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم في قصر بعبدا، فإننا مع استغرابنا لما ورد في تعليق رئيس الحكومة، نسأله عن أي كلام ورد في التصريح يستوجب “استغرابه”، علنا نشترك معه في رفضه. اما القول باستخدام منبر الرئاسة “المفترض أن يكون فوق الاعتبارات الطائفية”، فهو قول “مستغرب” أيضا لان رئاسة الجمهورية ما كانت يوما لطرف لبناني دون الآخر بل دافعت عن حقوق جميع اللبنانيين من دون استثناء، في وقت كانت ردود الفعل الطائفية والمذهبية تصدر من مواقع رسمية أخرى. ولعل مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مسألة تشكيل الحكومة تعكس هذا التوجه الداعي دائما إلى تحقيق الشراكة الوطنية والمحافظة على الميثاقية “. الطائفية والمذهبية تصدر من مواقع رسمية أخرى.
في غضون ذلك لوحظ انه قبل أيام من بدء المهلة الدستورية تسارعت الاستحقاقات المتصلة بالتشريع المالي اذ دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة للجان المشتركة الثلثاء لدرس قانون الكابيتال كونترول،في حين أعلن رئيس لجنة المال الموازنة النائب إبرهيم كنعان انتهاء لجنة المال من مناقشة موازنة 2022 “ولكن التقرير الذي سأعده يتضمن المواد الموافق عليها والمعلقة والايرادات بموجب سيناريوهات وزارة المال”. وأوضح كنعان “نحن بين السيء والأسوأ أي بين موازنة يُقرّر فيها المجلس النيابي وبين الأسوأ أي الصرف على القاعدة الاثنيّ عشرية مع ما يعنيه ذلك من عدم إمكان تقديم الخدمات للناس”. وقال “همّنا أن نقر موازنة متوازنة تستطيع الدولة أن تضبطها وأخذنا باقتراح وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل عن سيناريوين بما يخص سعر الصرف في الموازنة وهما 12 ألف ليرة و14 ألف ليرة لبنانية ونحن نجنح إلى السعر الأقل”.
إضراب القضاة
وفي ما يتصل باضراب الجسم القضائي امل امس وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري حصول صندوق تعاضد القضاة على مبلغ 35 مليارا من احتياط الموازنة لتتحسن الأمور ويعود القضاء الى عمله. وجاء موقفه جاء اثر اجتماعه مع رؤساء الهيئات القضائية حيث تم التشاور في موضوع الإضراب العام الذي أعلنه القضاة مطلع الأسبوع الفائت.ولكن بيانا صدر عن “قضاة لبنان ” اعلنوا فيه المضي في الاعتكاف على خلفية رفضهم ما يشاع عن تأمين الراتب على سعر 8 الاف ليرة للدولار من خلال مساعدات تقدم لصندوق القضاة لمدة خمسة اشهر . وجاء في بيانهم “ان يعلن قضاة لبنان توقفهم عن العمل بسبب عدم قدرتهم على تحمل الوضع المعيشي نتيجة انعدام قيمة رواتبهم لهو فضيحة كبرى بحق الدولة اللبنانية ومسؤوليها، أما الفضيحة الأكبر فهي أن يصم المسؤولون آذانهم عن مطالب القضاة المحقة وأن تأتي أقتراحات الحلول مجتزأة ولا تتسم بطابعي الإستمرارية والديمومة وكأن المطلوب دفعهم للرجوع عن قرار التوقف عن العمل لتركهم مجددا يواجهون المجهول على الصعيد المعيشي، فضلا عن عدم الإكتراث إلى المطالب المعنوية التي تفوق بأهميتها المطالب المادية . لذلك فإن قضاة لبنان يعلنون استمرارهم بالتوقف عن العمل ورفضهم لأنصاف الحلول والمكائد التي تحاول السلطة السياسية نصبها لهم، محملين أصحاب القرار مسؤولية ما ستؤول إليه الأمور في العدليات نتيجة سياسية الإنكار المتمادية، كما يعلنون رفضهم للحملات الشعواء التي يتعرضون لها من قبل من يدعون حرصهم على العدالة، ويطلبون من الشعب اللبناني مساندتهم والصمود إلى جانبهم لما في ذلك من خير للعدالة والوطن”.
ووسط هذه الاجواء، هدد النائب جبران باسيل عبر شريط مصور عبر حسابه على “تويتر” من وصفهم “قضاة التقصير” بالمحاسبة وقال في شريطه “انتبهوا يا قضاة التقصير، الحساب جايي. هالمرّة انتوا ما رح تحاسبوا، هالمرّة انتو رح تتحاسبوا”.