كتبت صحيفة “النهار” تقول:
قبل 18 يوما من بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يبدو لبنان كأنه سابح خارج الجاذبية في ظل انعدام صورة الدولة الممسكة بزمام الازمات والضابطة لتفلتاتها المالية والاقتصادية والاجتماعية. ولم يكن ادل على هذا الواقع المفكك من غياب شبه تام لاي تحركات واجتماعات ذات صلة بكل ما يعانيه اللبنانيون عن مقار الرئاسات، ما خلا لقاءات لا تغني ولا تسمن عن جوع. وإذ بدا لافتا ان السرايا الحكومية تشهد منذ أيام غيابا لاي نشاطات او لقاءات وزارية، فيما “تلهو” بعبدا بملهاة جديدة – قديمة تتصل بخطة مزعومة لاعادة النازحين السوريين الى بلدهم، لتكشف هذه الملهاة عن توظيف عقيم لهذه القضية في فترة نهاية العهد، بدأت أوساط سياسية ونيابية تثير أسئلة وشكوكا ومخاوف جدية من تداعيات الازمة المالية والاجتماعية حين تغرق البلاد في شهر ايلول المقبل بكليتها في تطورات الاستحقاق الرئاسي، بما قد يعطل كل ما يحكى عن تشريع نيابي بدءا بأكثر المشاريع الملحة، أي مشروع قانون الموازنة، مرورا بالمشاريع الأخرى المتصلة بالإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي. وتتخوف هذه الأوساط جديا في ظل التفكك الاخذ في التعاظم بين الرئاسات الثلاث، وتنامي حالة القطيعة القائمة في ما بينها، ان يتعذر حتى تمرير إقرار الموازنة التي لا تزال تجرجر ذيولها في لجنة المال والموازنة، فيما لا احد يملك سلفا الضمانات القاطعة بإقرار التشريعات الملحة قبل انتخاب رئيس الجمهورية مع عدم امكان اسقاط احتمال الفراغ الرئاسي وتولي حكومة تصريف الاعمال إدارة الأمور. وتعكس هذه المعطيات استبعادا من معظم الجهات المعنية لامكان استدراك الاستحقاق الحكومي المعطل وتاليف حكومة جديدة، كأن الامر صار مطويا نهائيا فيما لم يعد في الساحة السياسية سوى الاستحقاق الرئاسي الذي ستحتدم التحركات الداخلية في شانه بدءا من نهاية الشهر الحالي وانطلاق المهلة الدستورية.
وفي هذا السياق أعربت مصادر سياسية مطلعة امس عن اعتقادها بان الأسبوعين المقبلين سيحملان مؤشرات بارزة ومهمة لجهة بلورة المناخات الخارجية التي ترصدها الجهات والقوى اللبنانية قبل ان تنطلق بجدية في تحركاتها المتصلة بالترشيحات الجدية والحقيقية لانتخابات الرئاسة الأولى. ذلك ان مسالة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وان كانت لا تستحوذ ظاهريا على جزء أساسي من الخطاب السياسي الداخلي راهنا، لكن معظم القوى المحلية تترقب ما سيكون عليه واقع الوساطة الأميركية في ملف المفاوضات قبل بداية أيلول، علما ان غياب المعطيات الدقيقة في الأيام الأخيرة حول مهمة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين فرمل الكثير من الاندفاعات الداخلية في انتظار توافر معطيات واضحة عن الموقف الإسرائيلي الذي يفترض ان يكون هوكشتاين قد تبلغه لنقله الى لبنان. وثمة ترقب كذلك، وفق المصادر نفسها لمآل بعض التطورات والملفات الإقليمية والدولية التي يعتقد انها ستترك تأثيرات غير مباشرة على مسار الاستحقاق الرئاسي وابرزها مفاوضات فيينا الخاصة بالملف النووي الإيراني. وهي تطورات مرشحة للاتضاح في الأسبوعين المقبلين الامر الذي يضاعف الأهمية التي يكتسبها العد العكسي لانطلاقة المهلة الدستورية .
تحرك جنبلاط
في ظل هذه الصورة شغلت خطوة الانفتاح بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي #وليد جنبلاط و”#حزب الله” الأوساط الداخلية على اختلاف اتجاهاتها وسط ترقب حذر لمسار هذا الانفتاح لجهة الاستحقاق الرئاسي. ولعل هذا الحذر دفع جنبلاط غداة استقباله وفد “حزب الله” في كليمنصو الى ايفاد نجله تيمور الى الديمان لشرح الموقف واطلاع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على ابعاد تواصله مع الحزب وما افضى اليه اللقاء بينهما وتأكيد صلابة الشركة في الجبل.
فغداة لقاء الاشتراكي – “حزب الله” في كليمنصو، استقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط يرافقه النائبان اكرم شهيب ووائل أبو فاعور. واعلن جنبلاط بعد اللقاء ان الزيارة كانت “لنؤكد لصاحب الغبطة ان شراكتنا الوطنية والتاريخية شراكة ثابتة بدأت بمصالحة الجبل وان شاء الله ستستمر في المستقبل لمصلحة لبنان ولاستقلاله ولسيادته رغم كل الضغوطات والمواقف السياسية.
في الحركة الاشتراكية ايضا، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة الوزير السابق غازي العريضي موفدا من رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط، حيث جرى عرض للاوضاع العامة والمستجدات السياسية ونقل العريضي الى بري أجواء لقاء كليمنصو بين جنبلاط ووفد “حزب الله”.
“حزب الله” والترسيم
اما في المواقف السياسية لا سيما ما يتصل بملف ترسيم الحدود، فاعلن نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم امس “نحن معنيون بأن يحصل لبنان على حقوقه في المهلة المحددة، ولسنا معنيين بظروف الحكومة الإسرائيلية والانتخابات في الكيان، وحزب الله قوة داعمة للدولة لاسترجاع الحقوق بالترسيم والحفر والاستخراج من دون تسويف أو مماطلة”.
أما رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد فشدد على “اننا في ملف ترسيم الحدود ننتظر لكن ليس لوقت طويل. وعلى العدو الصهيوني ان يعرف ان حسابنا معه سيبقى مفتوحا الى ان يتحقق التحرير الكامل لمياهنا وارضنا” .ودعا رعد من جهة أخرى الى “الاسراع في تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات مؤهلة لتؤدي واجباتها حيال الشعب المحاصر من مقومات عيش وتعالج المشكلات المتفاقمة في الكهرباء والمياه والتعليم والصحة وسوق العمل”.
الشامي
على الصعيد الاقتصادي، وغداة حادث العملية التي قام بها مودع مسلح في فرع مصرفي في الحمراء اعتبر نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي في بيان أن “لبنان يقف الآن على مفترق طرق ويبرز مساران لا ثالث لهما: (1) الاعتراف بالواقع وبالأزمات العميقة التي نعاني منها، والتعامل معها وجهاً لوجه مما يعني اتخاذ الإجراءات المطلوبة والقيام بالإصلاحات الضرورية والملحة، والتي تضع البلد على السكة الصحيحة؛ أو (2) ترك الأمور على ما هي عليه واستمرار حالة الإنكار عند البعض لن يبقينا حيث نحن الآن، بل سيدفع بالبلاد إلى المزيد من الانزلاق إلى الهاوية”. وقال: إن التقاعس عن القيام بما يجب القيام به ليس خيارًا بالنسبة لنا، ولم تعد مسألة شراء الوقت التي اتسمت بها معظم السياسات المالية والنقدية على مدار السنوات الماضية ممكنة لأن الوقت أصبح نادرًا جدًا وبالتالي ذا قيمة جد مرتفعة. لن ينقذنا أحد إذا لم نحاول إنقاذ أنفسنا. إن مشاكلنا كبيرة لدرجة أن القليل من المساعدة من الأصدقاء المتبقين لنا في العالم لن يؤتي بالنتائج المرجوة. مشاكلنا أكبر من أن ينقذنا الآخرون، ولكن مع اتخاذ الإجراءات الصحيحة وبمساعدة المجتمع الدولي، يمكننا أن نخطو أولى الخطوات على طريق التعافي. أي تأخير في المضي بالإصلاحات لن يؤدي إلى زيادة حدة الأزمة فحسب بل سيزيد من الوقت اللازم للخروج منها”.