Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

المجلس الإسلامي الشيعي أحيا اليوم الثامن من عاشوراء كنعان: اصبحت الدمعة بالحسين أداة إطفاء لجهنّم في الآخرة وللظلم في الدنيا

احيا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى اليوم الثامن من عاشوراء لهذا العام في مقر المجلس برعاية نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيبب وفي حضور شخصيات سياسية ونيابية واجتماعية وعلماء دين ومواطنين، وتلا المقرئ أنور مهدي ايات من الذكر الحكيم، وقدم الحفل د. غازي قانصو.

 

كنعان

وألقى رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية العلامة الشيخ محمد كنعان كلمة استهلها بالقول: “هو أبو عبد الله الحسين الذي إن اقتربنا منه بما ينجينا نجحنا، وإن كان بما يحيينا أفلحنا، لأنه عليه السلام سفينة النجاة بعد أن كان مصباح هدى، فكربلاء هي فاجعة الأرض النازلة من السماء ،سُنة الفداء العظيم وأريج الدم الساكن في الخلد، في خلد الكون وخلد الذاكرة الإنسانية التي ما فتئت تستلم من كربلاء الصوت ليغدو هدير حق وصدى كرامة، إنها سياق الفارد الذي لا نظير له، يبدأ بالمنحر الشريف للحسين ورأس مرفوع على رأس رمح طويل يقول فيه الشاعر : ورأسك أم رأس الرسول على القنا بآية أهل الكهف راح يردّد

الى كفي العباس يعلوان على الزمان وعلى المكان، الى حضن الزهراء تحتج بهما على الخلائق وأي حجية كبرى هي هذه، الى الأكبر الذي إن فات بعضهم اغتيال قتل رسول الله، فقد وجدوا في أشبه الناس به ضالة رماحهم وسيوفهم في تفريغ شحونات التراكم الحاقد واستفراغ العقد السوداء، الى حبّات الدم من منحر الرضيع رضيع الرسالة تهبط صعوداً نحو عرش الرحمن حيث يبكيه ما يُرى وما لا يُرى”.

اضاف: “ومع أولئك الأول كان الصبر يتجول حافّاً بعباءة زينب ولا يسألن سائل عن دمعها فلا وصول لنا الى كنه حرقته ولظى انحداره، هو الطف كل ذلك واكثر، يبقى دمعة ساكبة ومصيبة راتبة. لو لم ينهض أبو عبد الله الحسين لما بقي من تاريخنا إلا تلك الشخوص المركوسة والهياكل المعكوسة التي مضت تستولي على الحكم والسلطة بالغلبة والقسوة والقهر وسفك الدماء دون أن تقيم وزناً لإرادة شعب او خيارات أمة أو حتى دمع الثكالى واليتامى والأرامل، أولئك الأشخاص المنحرفون عن الجّبلة القويمة كانوا يجنّدون المؤرخين وحملة الأقلام الهجينة لإخراجهم من الحالة الطفيلية التي هم عليها الى جعلهم هم التاريخ، وقد فاتهم ولا يزال يفوتهم أن التاريخ الإنساني الحقيقي هو في مكان آخر حين مدّ العباس يده الى الماء متحسساً برودته ولم يشرب لأنه ذلك المخلوق السماوي الذي تُغلّف الحكم الشرعي لديه منظومة متكاملة من القيم، فلا يشرب والمعصوم عطشان ولا يلتذ من ماء والأمة يخوّضها أهل السلطة فيها في الآثم من الشراب والممجوج من السقيم”.

وتابع: “تاريخ على رأسه يزيد بن معاوية والوليد بن يزيد بن عبد الملك والمنصور الدوانيقي والمتوكل العباسي والسفاكون للدماء من مماليك وغيرهم، هو تاريخ انحلال في الدين وتفلّت من القيم وفوضى في الحكم حتى لو اتسعت رقعة الممالك وتراكمت الجبايات الضريبية، فإنّ الدنيا كلها عند الله عز وجلّ لا تساوي ظلامة عبد من عبيده وأشنع الظلامات تلك التي يُغلّفها أصحابها باسم الدين الذي خرج أبو عبد الله لأجل الإصلاح فيه عليه السلام”.

وقال: “فلو أخرجنا هذا السبط العظيم من التاريخ أقول: لا يملك أحد أن يخرجه (حاشاه) لبقي قصر الخلافة أياً من يكن الحاكم فيه طعمة بيد سرجون ابن منصور يشكّل رأس الحربة للخارج رومياً كان أم غيره ويدير فيه الأمور ويسلّط أمثال عبيد الله بن زياد على أهل بيت النبوة ويدفع الإتاوة السنوية لبيزنطة مئة ألف دينار وربما تزداد مع الزمن لتصبح مليارات نفط وملايين جمعتها حبّات العرق وآهات المظلومين في الامة وأنه ولو بقي سرجون هذا ومستنبتاته إلا أنهم كانوا قبل الحسين في صلب شرعية الدولة فغدوا بعده ذلك الحرف النافر الذي تعافه النفوس وتشير اليه بأصابع الريبة والقلق”.

واردف: “هكذا أدخل الحسين اليأس الى نفوس الانتهازيين والوصوليين في أن يمارسوا عملهم وفق أطر الشرعية مستلاً دور أبيه أمير المؤمنين في حراسة الوحي وحفظ الشريعة حين قال الله عن تنصيبه في الغدير: ( اليوم يئيس الذين كفروا من دينكم). لقد دفع أبو عبد الله عليه السلام بالمفاهيم السليمة القويمة التي طمستها السلطة طوال عقود وأطافت الى السطح بدائلها التطويعية التطبيعية فهدّها الحسين في بعض نهار يوم العاشر من محرم والى الابد حين أوجد المائز الملتوت بدمه المبارك بين الحق الصراح والباطل الهجين المتلون، فمن شاء بعد الحسين فليؤمن ومن شاء فليكفر، فلقد أتمّ الحجة وأيّ حجة تلك التي شفعها بأجزاء من أحشائه تخرج مع نصال السهام وشلالات من دم الرأس والمنحر تخضّب شيباً وتحيط بجسد ممزق”.

واكد انه “لو لم ينهض أبو عبد الله لبقيت جيوش القصّاصين ومزورو السنة النبوية الذين كانوا ولمّا يزالوا قطباً تدير به السلطة رحى مظالمها وجسراً تعبر عليه الى بلاياها وسلّما تتسلّقه الى ضلالاتها، تُدخل من خلال هؤلاء الشكّ على العلماء وفيهم، وتقود بهم الجهّال وما أكثرهم، فلن يكون وزراء السلطة وجيوشها أقوى من هؤلاء ولا سلاحهم أمضى، تدمير ممنهج أن يُمنع تدوين السنة الحقيقية لصالح القصص والدجل والفتاوى المعلبة بل والاحاديث الموضوعة في فضل الحاكم المستبد وأعوانه، بحيث غدت هذه الفئة من المزورة مؤسسة تُجري عليها السلطة من خزينتها بما لا تجريه على غيرها، فما لبث تراث نبيّنا أن غدا أشبه بخزانة مغلقة يمكن لمن ليس له صفة أو عنده غرض أن يدّعي ان فيها كيت وكيت فينسبه الى السنة النبوية”.

وقال: “هنا استفاد الحاكم الظالم من وجهين: الأول: أن يضع له هؤلاء المستفقهون أصحاب الذمم الخربة ما يشاء بما يشاء، والثاني أن يلبّس على الامة ما هو حديث حقاً او مكذوب يقيناً، وهكذا نشأ في الإسلام أول تمويل رسمي ممنهج لصناعة الحديث، وبالتالي صناعة دين جديد هلامي ضبابي زئبقي رجراج تقوّلبه السلطة بالقالب المناسب، هنا قالها أبو عبد الله : ( الا ترون الى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه) فكأنما هطل النور فجأة على ديجور الأقبية فبان للأمة ما فيها من خفافيش وعفن. وعمل على تفعيل دور الحق وإماتة نكسة الباطل لكن باللون القاني من دمه المبارك لأن الامور تفاقمت الى الحد الذي لم يعد ينفع فيه الا الدم وكأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلاوات بين النووايس وكربلا”.

اضاف: “بعد أن تقطعت الاوصال بقي للسلطة منظروها وسيبقون ولكنهم أبدا لن يكونوا في سلطة تشريعية او أمانة على وحي و سُنة بل مجرد فرع هامشي في دوائر السلطة التنفيذية فقط. لو لم يخرج الحسين لاستسلم الناس لنظريتي الجبر والارجاء اللتين صبّت أجهزة الحكم كل ما لديها من إمكانات في سبيل ترسيخهما نهجاً، فطالما أن الانسان مجبور على أفعاله فبأي حق يحاسبه الله تعالى سواء في الدينا أم في الاخرة، فيصبح أخذ العهد والبيعة ليزيد وأمثاله قضاء من عند الله عز وجل لا محيص عنه، وتغّلف كل ظلامات السلطة بغلاف الشرعية مع وجوب الرضوخ والتطامن لها حتى ولو أوجعت الظهور بالسياط والهبت المناحر بحزّ المُدى. هكذا يغدو الحاكم المتجبّر قدراً من عند الله لا محيص عن اتّباعه في مشهدية تستعيد التصنيم الجاهلي متحركاً من خلال شخوص كان المراد أن تكرس أيقونات لا يجوز المس بها، فإن قصرت عقيدة الجبر في مكان ما رفدتها عقيدة الارجاء، أي أن أمر الفرد المسلم مرجأ الى يوم القيامة فإما ان يعفو الاله او يعاقب ولا يستحق لاحد أن يستبق ذلك اليوم”.

وتابع: “هنا خرجت الامة عن وسطيتها حين تعطلت لديها أهم شعيرة عملانية وهي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جرى سلب هذا الحق جهاراً بتنظير خبيث ادلجه الحاكم بإتكاء تام على آيات في القرآن الكريم دون إرجاعها الى المحكم منه وعلى سنة نبوية موضوعة أو جرى تشويهها من خلال تنزيل غير المعصوم في مرتبة المعصوم، بمعنى أن تقاس الاحكام التي هي من مختصات النبي على ذواتهم وبتوسع اكثر في بعض الاحيان.

فقد دخلت الامة في سبات وخدر لن يوقظها منه الا صوت أبي عبد الله : (خرجت طلباً للإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر ).

وقال: “عادت الشعيرة لتصنع وسطية في الأمة لا نعلم مثلها في تشريعات الامم كلها ان يكون فيها للفرد بما هو فرد وبما هو مندك ضمن جماعة ان يعترض وفقاً للموازين الشرعية والعقلية وان يرفع الصوت ويحرك اليد ويستل السيف حين الاقتضاء بل أن يُقتل ويُسحل دون أن للباطل نعم. هنا جعل الحسين من كلمة “لا” في وجه الباطل ديناً مجبولاً بعقيدة قوامها الفداء ولا يهم بعد ذلك أن يموت المرء في سبيل ذلك طالما أنّ الحجة بيده. وأهم ما حبانا الله عز وجل به أن ينير بصائرنا ليخرج أحدنا من دنياه والحجة بيده وليست بيد غيره وساعتئذ يمكن للشفاعة أن تفعّل في عملها”.

واكد انه “لولا نهضة أبي عبد الله لجرى التعتيم التام والشامل على مناقب وفضائل أهل البيت فإن الصندوق الاسود الداخلي والخارجي أدرك مبكراً ان مودة أهل البيت هي الناظم العام للأمة باعتبارها أجر الرسالة واعتبار شخصوهم عدلاً للكتاب الكريم ، وخرج خطاب السلطة أن برئت الذمة مما يروي شيئاً من فضائل أبي تراب وأهل بيته. وتفشّت مكذوبات سوّقها مع الأسف بعض من الصحابة حين قال أحدهم ناسباً الى الرسول (ص) قولاً: إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله و صالح المؤمنين. وشهد آخر بأن علياً احدث في المدينة حدثاً يوجب عليه اللعنة (حاشاه والعياذ بالله) واجتمع قوم من بني أمية الى الحاكم يناشدونه كفّ اللعن على المنابر فأبى، وقال: لا والله حتى يربو عليها الصغير ويهرم عليها الكبير ولا يذكر ذاكر له فضلا”.

وقال: “عقود مرّت مع محاولات إطفاء نور الله تعالى الى أن حلّ يوم الذروة في كربلاء حين تصاغر هذا السعي واضمحل وعاد نور أهل البيت يخترق نسائج العناكب ليكونوا هم اهل البيت حيث طهّرهم الله تطهيرا ولتغدو موالاتهم موطن إئتلاف الامة، كل ذلك صنعته شيبة أبي عبد الله ومن معه وكبّرته دموع زينب والآهات وصقله زين العابدين حين اطلق مشروعه الثقافي الفريد الذي ما زلنا نرفد ببركته الى يومنا هذا، فكان الحسين من رسول الله والرسول من الحسين”.

اضاف: “لو لم ينهض الحسين لبقيت الدمعة سائل لا تشوبه الحرقة ولا تكتنفه لوعة الوجدان منذ أن تنبهت السلطة الى فعالية سلاح البكاء لدى الزهراء فضيّقت عليها في ذلك وغيره. أصبحت خطة السلطة أن لا يكون في الأمة بكاء فاعل بدءًا من أن الميت يعذّب ببكاء أهله عليه وصولاً الى إقصاء كل بكاء عن مجتمع الى حلاسة بيته او إنشاء بيت للأحزان خاص به وحده، صاح بها أبو عبد الله أنا صريع الدمعة الساكبة، هنا تفلّق الدمع عن الإنسان بكلّه فاختصرت حبّات الدمع كل عصارات الالم الممزوج بالحنق والرفض للخنوع، ارحم من رأس ماله الرجاء وسلاحه البكاء، ولا اخال أحد استطاع أن يجيّر الدموع بمثل ما فعلت مدرسة اهل البيت في تثبيت جامع إنساني مشترك، سهلة مؤونته، صعبة آثاره، ليّنة مشاعره، وأي شيء أعظم من أن يُسقط العقل على القلب فكرته الخلاّقة فيتلظى لها القلب وجداناً ثم يرفع شآبيبها الى العين فتخرج لوعتها”.

وتابع: “لقد اصبحت الدمعة بالحسين أداة إطفاء لجهنّم في الآخرة كذلك للظلم كله في هذه الدنيا، ولا تزال تلك الدمعة ملاحقة وان اختلفت الأساليب فأضحت الملاحقة ناعمة في زماننا ، ولكنه يبقى عليه السلام صريع الساكبة في خشونة منعهم للدمع وفي ليونتهم على السواء..

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة من ساعات الليل والنهار وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين. عظم الله لكم الاجر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

وفي الختام تلا الشيخ حسن بزي مجلس عزاء حسينيا.