ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، عاونه المطرانان جوزيف نفاع وبيتر كرم، القيم البطريركي في الديمان الاب طوني الآغا المونسنيور وهيب كيروز، الاب فادي تابت، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، وحضر القداس وخدمه شبيبة مؤسسة الأرز وحشد من المؤمنين وبعد تلاوة الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة قال فيها: “كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب” ( متى 12: 25). جاء المسيح الإله ليجمع البشر إلى واحد، بكلمته وموته وقيامته. لكن الشيطان والأرواح الشريرة تعمل في داخل الإنسان بروح التفرقة والنزاعات؛ وسلم المسيح الرب الكنيسة سلطان شفاء الأجساد من المرض، والنفوس من الأرواح الشريرة وإغواءات الشيطان. وبهذه الرسالة تجمع الكنيسة الناس في شركة ومحبة حول المسيح الفادي والمخلص الذي أسقط كل جدران التفرقة، وجمع ما بين البعيدين والقريبين (راجع أفسس 2: 17). وحذرنا قائلا: كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب ( متى 12: 25). يسعدني أن أحييكم جميعا، ونحن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية. فنصلي لكي يجمع المسيح الإله بقوة نعمته جميع الناس، وبخاصة المسؤولين المدنيين والسياسيين في لبنان والشعب اللبناني، بروح الوحدة ورباط المحبة، ونور الحقيقة، وشفافية العدالة. إن حالة الإنقسامات والتفرقة والكيدية والإساءات والبغض، التي أوصلنا إليها بعض السياسيين والمسؤولين لا يمكن أن تطاق، لأنها تحقق قول الرب في إنجيل اليوم: كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب، وكل مدينة أو بيت ينقسم على نفسه لا يثبت ( متى 12: 25). ونوجه تحية خاصة إلى “مؤسسة فرسان الأرز” وإلى مؤسسها ومرشدها عزيزنا الأب فادي تابت. ونثني على التزامها في تعزيز الوعي الوطني والإلتزام في خدمة المجتمع اللبناني. قام اأعضاؤها في هذه الأيام الثلاثة الأخيرة برياضة روحية ودورة تنشئة. وهم يؤمنون اليوم خدمة القداس الإلهي. في هذا الوقت تعتصر قلوبنا على الضحايا الذين يسقطون في قطاع غزة، ومن بينهم أطفال امهات. وإذ نشجب أعمال العنف التدميري، ندعو إلى وقف هذا المسلسل المتجدد من دون أن يؤدي إلى تراجع الشعب الفلسطيني عن المطالبة بأبسط حقوقه، بل يؤدي إلى عرقلة المفاوضات بين الطرفين.
3. إن ذاك الرجل الذي مسته الأرواح الشريرة وجعلته أعمى وأخرس، وشفاه يسوع، تأكيد على وجود الشيطان والأرواح الشريرة، وتأكيد بخاصة على أن المسيح الفادي انتصر عليها وحد من سلطانها. يقول الرب يسوع عن الشيطان أنه “كذاب وأبو الكذب” (يو 8: 44). ويسميه يوحنا الرسول في رؤياه أنه “الحية القديمة المسماة إبليس، مضل المسكونة بأسرها” (رؤيا 12: 9)”.
وتابع: “إنه بالغش والكذب وروح الكبرياء يستميل الناس إلى التنكر لشريعة الله وتعليم الإنجيل والكنيسة.
الشيطان يعاكس بناء ملكوت الله على الأرض، لكنه لا يستطيع تعطيله. يعمل في العالم ببغض لله ولنشر ملكوته. بحيله وأكاذيبه يتسبب للإنسان وللمجتمع بأضرار خطيرة روحية وحسية. والله يسمح بذلك، لكنه يعمل لخير كل الذين يحبونه (روم 8: 28) (التعليم المسيحي، 395). يعلن الرب يسوع أنه جاء إلى العالم ليجمع أبناء الله وبناته إلى واحد. أما الشيطان فيبدد. هذا ما يعنيه اسمه إبليس أي الذي يقطع خط التواصل، ويحول مجراه نحو ارتكاب الخطيئة والشر بغش وإغواء ووعود كاذبة. الرسالة المسيحية هي المسعى إلى الجمع، إلى الوحدة، إلى الشركة. كل مسعى إلى الخلافات والانقسامات والعداوات خروج عن المسيحية، وعداوة للمسيح. فكلامه في إنجيل اليوم واضح وصريح: من لا يجمع معي فهو يبدد (متى 12: 30). إن السبيل إلى الوحدة والشركة يرتكز على الحقيقة التي تحرر وتجمع، وعلى العدالة التي تعطي كل شخص حقه، وعلى المحبة التي تدفع من الداخل كرغبة وتصميم وتوق إلى بناء الوحدة والشركة”.
وسأل: “أليس انقسام السلطة السياسية في لبنان، وانشطار الأحزاب عموديا وأفقيا، هما في أساس الإنحلال السياسي والإقتصادي والمالي والإجتماعي والمعيشي؟ وهكذا صدق كلام الرب يسوع بحرفيته وبكل أبعاده. إن جرحا بليغا يصيبنا في الصميم، وكل الشعب اللبناني، فيما نشهد بألم وغضب اندلاع حملات إعلامية قبيحة بين مرجعيات وقوى سياسية مختلفة في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى الهدوء والتعاون. فإن من شأن هذه الحملات أن تخلق أجواء متوترة تؤثر سلبا على نفسية المواطنين الصامدين رغم الصعوبات، وعلى الاستقرار والاقتصاد والمال والإصلاحات، وعلى الاستحقاقين الدستوريين: تشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في المهلة الدستورية”.
وقال: “لو كانت النيات سليمة وصادقة لكان بالإمكان معالجة أي خلاف سياسي بالحوار الأخلاقي وبالحكمة وبروح بناءة بعيدا من التجريح والإساءات الشخصية. لكن ما نلمسه هو أن الهدف من هذه الحملات هو طي مشروع تشكيل حكومة والإلتفاف على إجراء الانتخابات الرئاسية بفذلكات دستورية وقانونية لا تحمد عقباها. لكن اللبنانيين ذوي الإرادة الحسنة، والمجتمعين العربي والدولي مصممون على مواجهة هذه المحاولات الهدامة وتأمين حصول إنتخاب رئيس جديد بمستوى التحديات ومشروع الإنقاذ. ومع إدراكنا كل الصعوبات المحيطة بعملية تشكيل حكومة جديدة، فهذه الصعوبات يجب أن تكون حافزا يدفع بالرئيس المكلف إلى تجديد مساعيه لتأليف حكومة ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية شرط أن تكون التشكيلة الجديدة وطنية وجامعة ومتوازنة. لا يجوز التذرع بالصعوبات لكي توضع ورقة التكليف في خزانة المحفوظات، وتطفئ محركات التشكيل وتترك البلاد أمام المجهول”.
وتابع: “عرفنا ماضيا في لبنان أزمات حكومية نتجت عن طول مرحلة التشكيل، لكننا لم نعرف أزمة حكومية نتجت عن وجود إرادة بعدم تشكيل حكومة قبل إنتهاء ولاية عهد رئاسي. هذا أمر خطير ومرفوض عشية الاستحقاق الرئاسي. إن وجود حكومة كاملة الصلاحيات لا يفرضه منطوق التوازن بين المؤسسات الدستورية فقط، بل منطق التوازن أيضا بين أدوار المكونات الميثاقية في لبنان. من المعيب أن تبذل السلطة جهودا للاتفاق مع إسرائيل على الحدود البحرية وتنكفئ في المقابل عن تشكيل حكومة؟ فهل صار أسهل عليها الاتفاق مع إسرائيل من الاتفاق على حكومة بين اللبنانيين؟ إن كرامة الشعب ترفض كل ذلك. فليعلم المسؤولون أن الشعب يرفض تسليم مصيره إلى حكومة تصريف أعمال، كما يرفض عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولن يسكت عما يقومون به. ولن يقبل على الإطلاق بسقوط الدولة التي دافع عنها بالصمود وتقدمة ألوف وألوف من الشهداء والشهيدات. إن سلوك المسؤولين يهدد كيان لبنان بكل مقوماته الوجودية. ونخشى أن يؤدي عدم تشكيل حكومة واحدة للبنان الواحد إلى تناسل سلطات أمر واقع هنا وهناك، وهذا ما تصدينا له منذ سنوات. إن فقدان المسؤولية الوطنية لدى العديد من أهل السلطة والجماعة السياسية تعطي الحجج الأساسية والإضافية لعجز حصول إنقاذ من دون مساعدة أممية، وتعزز مطالبتنا بمؤتمر دولي ينقذ لبنان ويعيده إلى الحالة الطبيعية. الشعب ونحن لا نثق بحكم حكومة تصريف أعمال، ولا نرضى بتطبيق بدعة الضرورات تجيز المحظورات على استمرار حكومة تصريف الأعمال فقط، فيسعى آخرون إلى تطبيقها بشكل عشوائي. لا أحد يستطيع ضمان حدود هذه الفذلكة. فألفوا، أيها المسؤولون، حكومة وانتخبوا رئيسا للجمهورية ضمن المهل الدستورية، وأريحوا الشعب ولبنان”.
وختم الراعي: “إن عدم تجاوب المسؤولين مع نداءاتنا المتكررة بشأن سيادة أخينا المطران موسى الحاج منذ عشرين يوما، يكشف الخلفيات المعيبة وراء الإعتداء المخالف للمذكرة الصادرة عن مديرية الأمن العام بتاريخ 29/4/2006 تحت رقم 28/أ ع/ ص/ م د. والمؤسف جدا أن هذه الجهات التي يفترض فيها أن تكون الحريصة الأولى على كرامة الأسقف، وعلى ما ومن يمثل، تصرفت ولا تزال من زاوية التشفي والمصالح الأنانية وكأن لديها ثأرا على البطريركية المارونية لأن هذا الصرح يقول كلمة الحق، ويدحض الخطأ، ولا يتدجن مع الباطل، ولا يساوم على الحقيقة والمقدسات والبديهيات مهما طال الوقت. والوقت كان دائما حليف الحق وأصحاب الحق وحليف الكنيسة الجامعة منذ ألفي سنة ونيف، والكنيسة البطريركية المارونية منذ ألف وستمائة سنة. فليقرأوا التاريخ الحديث والقديم علهم يعتبرون ويرتدعون. إنا نعول على ذوي النيات والإرادات الحسنة، لكي يقوموا بمبادرات جمع وتفاهم، من شأنها أن تضع حدا لهذه الإنقسامات التي هي أساس خراب لبنان، كما جاء في الكلام الإلهي في إنجيل اليوم. جميعنا مدعوون إلى التوبة بروح التواضع والإقرار بالخطأ الشخصي. فنستحق أن نقف أمام الله ونرفع صلاة المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد”.