كتبت صحيفة “النهار” تقول: إذا كان من خلاصات أساسية لإحياء الذكرى الثانية لانفجار 4 آب فهي تتلخّص باثنتين: الأولى انكشاف إلى الذروة لانعدام الثقة بين اللبنانيين ودولتهم وقضائهم في ظلّ التعطيل المتمادي للتحقيق العدلي في الانفجار، والثانية تصاعد كبير في المطالبة بتدويل التحقيق من خلال تقاطع هذا المطلب بين أهالي الضحايا والكثير من القوى السياسية المعارضة. وصاغ أهالي الضحايا مطلبهم في التحقيق الدولي وأودعوه مذكّرة وُزِّعت وسُلِّمت إلى عدد كبير من السفراء الأجانب، كما طالبوا بإنشاء مجلس الأمن الدولي لجنة تحقيق دولية والتزام الدولة اللبنانية تسليمها كل المستندات والأدلة.
واللافت في هذا السياق أنّ أربع صوامع في أهراءات #مرفأ بيروت سقطت امس قبيل وصول المسيرات إلى منطقة المرفأ.
إذن في يوم إحياء الذكرى، شهد احتشاد أهالي الضحايا والجرحى والمتضررين والمطالبين بالتحقيق في جريمة المرفأ، أمام قصر العدل وأمام مبنى “النهار”، قبل أن ينطلقوا بمسيرة الى تمثال المغترب، يرفعون علما لبنانيا كبيرا ملطخا بالدماء، وعَلَماً آخر مكتوباً عليه قسم أهالي الشهداء وضحايا المرفأ، كما رفعت صور الضحايا واللافتات المنددة بالسلطة السياسية والمطالبة بالحقيقة والعدالة.
ورفع بعض أهالي الضحايا عدداً من “التوابيت” واللافتات التي تحمل شعارات مطالبة بمحاسبة المجرمين وبإحقاق العدالة.
إشارة إلى أنّه حصل تدافع واطلاق عبارات ضد السلطة السياسية من مجموعات تشبه الشعارات التي كانت تُطلَق في 17 تشرين، وتم منعهم من قبل نقطة الجيش عند أحد مداخل ساحة مجلس النواب.
والقى بول نجار، والد الضحية ألكسندرا، كلمة ذكّر فيها بحيثيات وتفاصيل ما تعرضت له عائلته وفقدان طفلته. ومن ساحة سمير قصير، تلت ماريان فاضوليان بيان جمعية أهالي ضحايا إنفجار مرفأ بيروت، وجاء فيه: “كيف لنواب أن يصوتوا لأشخاص هم أساس البلاء وسبب كل المصائب؟ فمن العار ان نطلب العدالة من اشخاص هم بلاء للعدل وهاربون من العدالة التي لا يعرفونها سوى بالكلمة واذا عرفوها لا تنطبق على مناصبهم المزيفة”.
وأضافت: “بدأوا بطلبات الرد ومن ثم مخاصمة الدولة، حتى وصلوا إلى كف يد القاضي بيطار، لأنه قام بإستدعائهم. فهم أكبر واهم من المثول أمام القضاء، فهم آلهة على الأرض . أضف إلى ذلك، الوزير المعرقل منع من التوقيع على التشكيلات القضائية بأعذار واهية لا أساس لها من الصحة من خلال رئيس مجلس النواب. وهذا ما قاله الرئيس ميقاتي. كما نذكر أن هنالك اشخاصا ما زالوا يسرحون ويمرحون دون حسيب او رقيب. ولم تطبق مذكرات التوقيف والجلب الصادرة بحقهم”.
وسألت: “أين اذونات الملاحقة التي طلبها المحقق العدلي ؟ نقول لمن يحمي المطلوبين: انتم تشاركون بالجريمة لان بحمايتكم هذه، تعرقلون سير العدالة وتقفون بوجهنا وبوجه التحقيق وتساعدون بهروبهم من المحاسبة والافلات من العقاب. فكيف تتحدثون عن دولة القانون والمؤسسات وفصل السلطات وإستقلالية القضاء وأنتم من قضيتم على القضاء وما زلتم مستمرين بالتعطيل والتدخلات، وكأنكم تخافون على مناصبكم من أن تطالها الإدانة والتهمة. والشبهات التي تحوم حولكم هي من دفعتكم للعرقلة والتعطيل، لأن الرجل الشريف، والذي لا يد له في جريمة المرفأ لا يخاف من شيء”.
وتابعت: “دمرتم بيروت ويتمتم أطفالا وأدميتم قلوبا وهجرتم عائلات من بيوتها ومنازلها وانتم تتراقصون فوق دماء ضحايانا.وتتأملون بأستخفاف الحريق الذي ألتهم #الأهراءات دون ان تتحركوا بإنتظار سقوط البقية منها. الشاهد الصامت على الجريمة النكراء يجب أن يبقى ونؤكد لكم أنه لو سقط قسم منه سنبقى متمسكين ومصرين وسنضحي بكل ما نملك من قوة لنحافظ ونحمي الجزء الصامد من الشاهد الصامت الذي أدرج على لائحة الجرد ومن ثم جمد القرار. فهذا المستغرب بالأمر.نعود ونطالب بأن ينشر القرار ويصدر للعلن.ونحذركم من أن أي حريق يشب فيه سنتحرك بطريقتنا حتى نخمد النيران وسيكون التحرك قاسيا.نقول لكم اليوم وكل يوم أن فسادكم هو من قتل أولادنا وضحايانا والتسويات التي تفكرون بها، لن تسري علينا. ولكل ظالم نهاية.”
ثم انطلقت المسيرة الحاشدة بعد ذلك نحو تمثال المغترب، بعد توافد الحشود من مختلف الجهات
وبدورهم، طالب أهالي شهداء فوج إطفاء بيروت مجلس الامن بالتدخل في القضية إن لم يصدر القرار الظني وبتشكيل لجنة موثوق بها لمتابعة التحقيق وللجنة تحقيق دولية مستقلة وعلى الحكومة اللبنانيّة والمعنيين تسليمها المستندات المتعلقة بالتفجير.
الراعي
وكان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، طالب بـ”التعويض للمتضرّرين ب#انفجار المرفأ”، مؤكّداً على “الإيمان بقيامة بيروت ومعها لبنان، فيعود بلدنا منارة الشرق وجامعة الشرق ومستشفى الشرق ومصرف الشرق ووطن التلاقي والحوار بين الحضارات والأديان” .وأضاف البطريرك الراعي، خلال ترؤسه قداساً لراحة نفس ضحايا انفجار المرفأ في كاتدرائية القديس جرجس في بيروت : “نرفع صوت الغضب بوجه كلّ المسؤولين أيًّا كانوا وأينما كانوا ومهما كانوا، أولئك الذين يعرقلون التحقيق، كأنّ ما جرى مجرّد حادث تافه وعابر لا يستحقّ التوقف عنده ويمكن معالجته بالهروب أو بتسوية أو مقايضة كما يفعلون عادةً في السياسة”. وتابع: “نسأل المسؤولين في الدولة ماذا يريدون أكثر من هذه الجريمة لكي يتحرّكوا؟ وماذا يريد القضاء أكثر من هذا لكي ينتفض لكرامته ويستعيد دوره ويعود قبلة المظلومين؟”.
ورأى “أنّنا اليوم أمام جريمتين، هما جريمة تفجير المرفأ وجريمة تجميد التحقيق”، معتبراً أنّ “تجميد التحقيق لا يقلّ فداحةً عن التفجير لأنّه فعلٌ متعمّد وإراديّ بلغ حدّ زرع الفتنة بين أهالي الضحايا “.
وتابع: “نعرف من الخبرة عن القضاء المسيّس في لبنان، وطالبنا منذ اليوم الأول لتفجير المرفأ بتحقيقٍ دوليّ إذ أنّ الجريمة قد تكون ضدّ الإنسانية في حال تبيّن أنّها عملٌ مدبّر، وأتت تعقيدات التحقيق المحلي والعراقيل السياسية لتعطي الأحقية في تجميد المطالبات بالتحقيق الدولي”، مؤكّداً أنّه “لا يحقّ للدولة أن تمتنع عن إجراء تحقيقٍ محلي وتُعرقل في المقابل إجراء تحقيقٍ دولي، والمستغرب أنّ جريمة تفجير المرفأ غريبة عن اهتمامات الحكومة قبل استقالتها وبعدها لا بل أنّ بعض وزرائها يتغافل عنها وبعضهم الآخر يُعرقل سير العدالة من دون وجه حقّ”.
عودة
بدوره، ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، لمناسبة الذكرى الثانية لتفجير مرفأ بيروت، جنازا لراحة نفوس الضحايا الذين سقطوا في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي، يشاركه متروبوليت جبيل والبترون المطران سلوان موسى، في حضور نائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب، وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، نائبي بيروت غسان حاصباني وملحم خلف وأهالي الضحايا وأعضاء مجلس إدارة المستشفى والمدير العام والأطباء والممرضين والموظفين.
وتابع: “سنتان انقضتا على جريمة لم يكن أحد ليقبلها لبيروت، عاصمة العلم والنور والحرية والإبداع. سنتان مرتا على آلام أهل بيروت ولم تلتئم الجراح بعد، لأن مقترفي الجريمة ما زالوا يتمتعون بحريتهم، فيما أهل بيروت، وهذا المستشفى، وكل المؤسسات التي كانت فخر المنطقة، ما زالت تعاني، ولم تنهض من جراحها بعد. سنتان ولم يتوصل القضاء إلى كشف الحقيقة ليس لأن القضاء يتقاعس، بل لأن السطوة السياسية تعيق عمل القضاء وتمنع العدالة. نحن، مع أهالي بيروت المنكوبة، وذوي الضحايا، وكل من أصابه التفجير في جسده أو نفسه أو ممتلكاته، لا نبتغي سوى أمر واحد هو معرفة حقيقة ما جرى في مرفأ بيروت، ومعاقبة كل من خطط عن قصد، أو ساهم عن غير قصد، ومن غض النظر رغم علمه بخطورة المواد الموجودة هناك. معرفة الحقيقة لن ترجع أي ضحية إلى الحياة، ولن تشفي جراح المصابين، ولن تهدئ النفوس المكسورة، ولن تبني البيوت المدمرة، إلا أنها بالتأكيد سوف تطمئن قلوب أهالي الضحايا والمصابين لأن المجرم كشف، والعدالة تحققت، وسوف يكون العقاب رادعا لكل من تسول له نفسه القيام بعمل مدمر في المستقبل”.
وأحيا مستشفى اوتيل ديو الذكرى بوقوف كل طاقمه الطبي والتمريضي صمتا عند حلول الساعة السادسة وسبع دقائق أي موعد الانفجار ومن اضاءة الشموع على نية أرواح الضحايا .
فرنسا
وفي التعليقات والموقف الخارجية، برز إعلان فرنسا لتضامنها الكامل مع الشعب اللبناني بعد مضي عامين على انفجار مرفأ بيروت. وأعلنت الخارجية الفرنسية أنّ “فرنسا تعرب عن تضامنها الكامل مع الشعب اللبناني بعد مضي عامين على انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 آب 2020. وهي تقف إلى جانب أسر الضحايا وأحبائهم، الذين لا تزال ذكراهم حاضرة في لبنان وفي فرنسا على حدٍّ سواء”.
وأضافت: “يجب أن يخضع المسؤولون عن الانفجار للمحاسبة، كما يجب أن يتمكن نظام العدالة اللبناني من العمل وإكمال التحقيق بكل شفافية بمعزل عن أي تدخل سياسي. وقد دعمت فرنسا التحقيقات في انفجار المرفأ في جميع مراحلها، ولبَّت جميع الطلبات التي وُجِّهت إليها في إطار التحقيق اللبناني، وستواصل مساعيها على المنوال نفسه. وينتظر اللبنانيون كشف جميع ملابسات انفجار المرفأ. وقد أشار رئيس الجمهورية إلى وجوب إحقاق العدالة، إذ يحتاج اللبنانيون إلى معرفة الحقيقة.
وقد أوفت فرنسا مع شركائها بالتزاماتها حيال مساندة جميع الفئات الضعيفة في لبنان، ولا سيما من خلال الدعم الاستثنائي الذي قدمته والذي بلغ 100 مليون يورو لمدة سنة، وفق ما جاء في إعلان رئيس الجمهورية في 4 آب 2021 إبَّان المؤتمر الدولي الذي نُظِّم بالتعاون مع الأمم المتحدة دعماً للبنان.
ويعود الأمر إلى المسؤولين السياسيين اللبنانيين في اتخاذ القرارات الواجبة دون مزيد من التأخير لإخراج البلد من الأزمة المتعددة الأوجه التي تضربه، وفي العمل لخدمة المصلحة العامة للبلد. وستبقى فرنسا إلى جانب الشعب اللبناني كما كانت على الدوام”.