ألقى متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده عظة الأحد، سائلاً الله “ونحن على أبوابِ تأليف حكومةٍ جديدة، أن يُـلهمَ المسؤولين من أجـلِ العملِ على ولادتِها بأسرعِ وقــتٍ ممكن، لتــتسلّمَ زمامَ الأمور وتوقــفَ انهيارَ البلدِ بكــلِّ ما فيه”، متمنياً أن “يكونَ أعضاؤها من ذوي الكــفــاءةِ والنزاهــةِ والاختصاص، ممن انتماؤهم للبنان الوطن، وولاؤهــم له وحده، لا لحزبٍ أو زعــيمٍ أو طائفةٍ أو مرجعٍ داخلي أو خارجي”.
وتابع في القداس: “إنّ الدولَ تُبنى بالأخلاق، بالـثـقـافة، بالتربيةِ الصالحة والتعليمِ الجاد، وإلاّ حصلَ ما ذكرناه في الـقـولِ المعـلّق على باب الجامعة. الجميعُ يعـرفُ أنّ للتربيةِ دوراً مهماً في حياةِ الشعــوب والمجتمعات لأنها عمادُ البنيانِ والتطوّر، وهي وسيلةٌ أساسيةٌ من وسائلِ البقاءِ والاستمرار، تكــوّنُ شخصيةَ الإنسان وتصقــلُ قــدراتِه وتعـمّـقُ ثقافــتَـه ليـتـفاعـلَ مع محيطِه ويُسهمَ في نموِّه بفعالية. إنَّها مجالُ الـتـقـدّمِ والـرقي والـنمـو والكمال والتطوّر الدائم”.
وشدد على أن “التربيةُ تبني خُـلُـقَ المتعلّم وتـنمّي فـيه الفضائلَ التي تصونُه، والمواهـبَ التي منحَه إياها الله، ليصبحَ عضواً فاعلاً في مجتمعه ومواطناً صالحاً صحيحَ الـتفـكـير، يعي مسؤولياتِه، ويدركُ واجباتِه، ويحـبُّ وطـنَـه ويخـدمُه بأمانةٍ وإخلاص، والتربيةُ هـي العـملُ المنسَّقُ الهادفُ إلى نـقـلِ المعـرفةِ الـتي تـكـوّنُ الإنسانَ وتــؤهّــلُـه للحياة”، معتبراً “أنها مسؤوليةٌ كبيرةٌ، بل رسالةٌ لمن يعـرفُ أهميتَها، وعاملٌ مهـمٌ في بناءِ الدولةِ العصريةِ الحديثة التي تتماشى مع الحضارة وتواكـبُ الـتـقـدّم”.
وأسف أنّه “في لبنان، التربيةَ ليست في سُلّمِ أولوياتِ الحكّام، ووزارةُ التربية من الوزاراتِ الثانوية التي لا يتسابقون من أجـل الحصولِ عليها وإدارتِها بأفـضل الطرق كونَها العمودَ الــفـقـري للدولة وصانعةَ الأجيال، وأنّ قطاعَ التربية يتراجعُ سنةً فسنة، والأسبابُ عديدة، لكنّ أهـمَّها إهـمالُ الدولة المزمن للقطاع التربوي، والتخـبّطُ في الـقــرار، والخططُ الارتجالية أو غـيـرُ القابلة للـتـنـفـيـذ، وضرورةُ التعليمِ عن بُعْد، وتعطيلُ دور المركز التربوي، بالإضافة إلى الانهيارِ الاقتصادي والـتـفـلُّتِ الأخلاقي وعـدمِ الـتـنسيق بين الـوزارات (التربية والصحة). وقـد زادتْ الأزمةُ الصحيةُ الأمورَ تعـقــيـداً، بالإضافة إلى انـفـجارِ المرفأ، ما سبّبَ غموضاً في مصيرِ العام الدراسي”.
وأضاف: “إنّ الاستثمارَ في التربيةِ استـثمارٌ في الإنسان وتـنميةٌ للمواردِ البشرية التي تــؤدي إلى نموِ الاقــتصاد وازدهـارِ البلد لكـنّ التحـدياتِ الـتي تـواجهُ الأسرةَ التربوية من مؤسساتٍ تعليمية ومعـلّمين وذوي طلاب تهـدّدُ مصيرَ التعـليم في لبنان”.
ورأى أن “ازديادَ الأعــباءِ عـلى المدارس الخاصة بشكـلٍ هـائـل، وتـراجعَ أحـوالِ ذوي الطلاب، وعـدمَ قـدرةِ الـمـدارس الرسميةِ على الاستيعاب، أمورٌ تجـعـلُـنا في مأزقٍ كبير”، مشدداً على أنّ “التعليمَ الإلزامي ضروريٌ وهو حقٌ لكلّ طفل، ومن واجبِ الدولة تأمينُ هذا الحق في مدارسِها الرسمية التي يجب أن تكونَ مفخرةً لها ومقصداً لجميع أبنائِها أما من شاءَ أن يتلقى أولادُه العلمَ في المدرسةِ الخاصة فعليه أن يتحمّلَ مسؤوليةَ قرارِه ويقومَ بواجبِه تجاه المدرسة التي اختارها، لتتمكنَ من الاستمرارِ في رسالتِها (المفارقة في لبنان أنَّ الدولةَ تُعطي أساتذةَ التعليم الرسميّ منحاً لتعليم أولادِهم في المدارسِ الخاصة)”.
وأكد أن “التعليمَ ليس سلعةً بل رسالةٌ ومسؤولية وتخلّي الدولة عن واجباتِها بالإضافة إلى تجنّي لجانِ الأهلِ على المدرسةِ الخاصة وحملاتِ التضليل التي تقودُها ضدَّها سوف تــؤدي إلى انهيارِ المؤسساتِ التربوية الخاصة، مع ما يستتبعُه ذلك من نتائج كارثية على الصعدِ التربويةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ، سوف تنعكسُ على المتعلّمين وأفرادِ الهيئة التعليمية وجميعِ العاملين في هذه المؤسسات”.
وتطرّق إلى الأوبئة بالقول: “وباءُ الجهلِ أخطرُ من وباءِ كورونا، والخطران على الباب، وعلى الدولةِ تحمُّلُ مسؤوليتِها قبل فواتِ الأوان ونحن بحاجةٍ إلى قيادةٍ تربويةٍ مسؤولةٍ تعي أنّ التكاملَ بين التعليمِ الرسمي والخاص ضروريٌ من أجل القيامِ بالرسالةِ التعليمية والتربوية، وأنّ عليها حمايةَ التعليم من أجل حمايةِ الوطن وإنقاذِ أجيالهِ الطالعة”.
وأضاف: “عسى أن يتِمَّ اختيارُ وزيرٍ للتربية من ذوي الإختصاص والخبرة، يعي المسؤوليَّة الكبيرة المُلقاة على عاتِــقِـه ويتصرّفُ بحكمةٍ ودرايةٍ، دون كيديَّةٍ أو انحياز”.