لم يكد تعميم مصرف لبنان الرقم 573 يسلك طريقه نحو التنفيذ، حتى كان في مرمى نيران مؤسسات القطاع الطبي. أمس، كانت ردّة الفعل الأولى التي قامت بها خمس مؤسسات استشفائية جامعية، فأصدرت بياناً مجلجلاً، معلنة فيه اعتذارها عن عدم استقبال المرضى لعدم قدرتها على متابعة توفير الخدمات الطبية العلاجية كما الجراحية في الفترة المقبلة.
رفعت المستشفيات الجامعية الأكبر سقف مواجهتها مع الدولة، وردّت على التعميم بضربة قاضية: حرمان المرضى من حقهم بالعلاج، وقد بدأت فعلياً بذلك مع إلغاء عدد من العمليات التي كانت محددة، وهو ما أعلنه نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون. لذلك، لم يكن أمام الدولة، ممثلة بمصرف لبنان، وهو صاحب التعميم، سوى تقديم بعض التنازلات في محاولة لامتصاص الغضب. فبعد الإعلان بساعات، أصدر مصرف لبنان بياناً طمأن فيه المستشفيات إلى أن الأوراق النقدية – التي يفرضها التعميم – مؤمنة للمستشفيات، على أن «تقوم المصارف المعنية بذلك» لتسديد كلفة المستلزمات الطبية المطلوبة. ولفت إلى أن هذا القرار هو نتيجة اتفاق في ما بينه وجمعية المصارف، انطلاقاً من الحرص «على تقديم الخدمات التي يحتاجها اللبنانيون»، وهي الخدمات التي «لا ضرورة لأي تردد في سبيل تأمينها»! ومع إعلان المركزي عن نص الاتفاق، أصدرت جمعية المصارف بياناً أعادت التأكيد فيه على مضمون ما ورد في البيان «المركزي»، مشيرة إلى أن «جمعية المصارف على استعداد لتوفير السيولة النقدية بالليرة اللبنانية للمستشفيات مقابل الشيكات والبطاقات المصرفية».
لكن، برغم هذين البيانين، لا يبدو أن الصورة باتت أكثر وضوحاً لدى المستشفيات، إذ إن الهاجس اليوم بالنسبة إليهم «كيف سيترجم كل هذا؟»، على ما يقول هارون. فبحسب الأخير، لا رأي للمستشفيات بما صدر «لأنو ما فينا نقول فول ليصير بالمكيول». خوف هؤلاء هو من الآلية التي ستتبعها المصارف في تأمين تلك السيولة، فهل هذا يعني أن «باستطاعة المستوردين أن يقبضوا الشيكات التي نودعها في المصرف نقداً؟ أم أنه يتوجّب علينا أن نذهب نحن إلى المصرف ونسحب النقد لنعطيه للمستلزمات؟». لا جواب واضحاً، ولكن من الآن، يقول هارون، إنه إذا كان المطلوب هو «أن نسحب نحن النقد، فهذا يعني أنهم لم يفعلوا شيئاً». مع ذلك «نحن ننتظر لنحكم على النوايا».
من جهتها، اعتبرت نقابة مستوردي المستلزمات الطبية أن مضمون البيانات الصادرة «غير مفهوم»، على ما تقول النقيبة سلمى عاصي. ولئن كانت هذه النقابة غير معنية بالقرار مباشرة، إلا أنها معنية به بالطريقة غير المباشرة، إذ تنتظر اليوم رد فعل المستشفيات قبل أن تبني على الشيء مقتضاه. مع ذلك، تبدي عاصي رأياً في ما صدر، مستغربةً الطريقة التي يلمّح فيها البيان إلى إمكان أن «تقوم المستشفيات بسحب الأموال النقدية وأن تعمل على نقلها بالسيارات، وما يعنيه هذا من خطر، ومن ثم تعطينا إياه لنضعه مجدداً في البنك»! فإن كان المقصود هذه الآلية، تسأل عاضي «فما الذي فعله مصرف لبنان إذاً؟».
إلى الآن، لا أصحاب المستشفيات ولا مستوردو المستلزمات يفهمون ما الذي يحمله بيان المركزي، وهم لذلك ينتظرون الجواب الصحيح حول الآلية قبل انتهاء مهلة الـ 48 ساعة. فإما أنها تؤكد استثناء القطاع الصحي من التعميم، وإما فالخطوة القادمة لا مفرّ منها. هذا ما يقوله الطرفان.
المصدر : الاخبار