جاء في “المركزية”:
أسبوع واحد فصل بين العودة والذكرى. ففي 29 تشرين الأول الفائت، وضع الرئيس سعد الحريري نفسه على رأس قائمة السياسيين المستجيبين لغضب الشارع، فاستقال من رئاسة الحكومة، محاولا ابعاد نفسه عن شعار “كلن يعني كلن”. لكنه بعد عام، عاد إلى السراي مدعوما من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ومبادرته الهادفة أولا إلى انتشال لبنان من كبوته، وثانيا إلى تأكيد دور فرنسا وحضورها في الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية، في مواجهة الطموحات التوسعية التركية وتمدد النفوذ الايراني في المنطقة.
غير أن كل الأحداث التي أعقبت خطاب ماكرون من قصر الصنوبر في الأول من أيلول الفائت تدل إلى أن التجربة التي قرر الرئيس الحريري الغوص في وحولها لن تكون سهلة. بدليل فشل تجربة تكليف مصطفى أديب تشكيل الحكومة كما أرادتها المبادرة الفرنسية نفسها: حكومة مهمة تضم بين صفوفها اختصاصيين مستقلين عن الطبقة السياسية، غير أنه سرعان ما اصطدم بجدار من الشروط والشروط المضادة من جانب الثنائي الشيعي. مع العلم أن الحريري حاول شخصيا الدخول على خط التسهيل مقترحا إسناد حقيبة المال إلى شخصية شيعية، على أن يعمل بهذا الاقتراح لمرة واحدة فقط.
وذكرت مصادر سياسية مطّلعة عبر “المركزية” أن تصلب موقف حزب الله أتى في توقيت ملتبس وفي ظروف من شأنها طرح علامات استفهام حول مضمون النقاشات التي سجلت في اجتماع السفارة الفرنسية. فبعد خطوة الانفتاح اللافت من جانب فرنسا على حزب الله، الهدف الأول والأكبر للعقوبات الأميركية في زمن السباق الرئاسي، خرج الرئيس ماكرون ليؤكد للبنانيين أن جميع الزعماء الذين انتخبوهم التزموا تشكيل حكومة جديدة في مهلة 15 يوما، من دون أن يعترض أحد على مضمون البنود الاصلاحية التي تشملها خريطة الطريق الفرنسية، مع العلم أن الجميع يعرفون أن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد عارض اجراء الانتخابات النيابية المبكرة. لكنه لم يكن الوحيد الذي حاول وضع النقاط على الحروف، حيث رفع رئيس حزب الكتائب سامي الجميل صوت الاحتجاج على سلاح الحزب، على اعتباره سببا أول لاختلال التوازن السياسي في البلاد، في وقت طالب رئيس القوات سمير جعجع بانتخابات نيابية مبكرة. لكن هذا كله يبقى رهن المعلومات القليلة المسربة عن مضمون اللقاء، فيما تستدعي مجريات التأليف الصعب، كشف النقاب عن بعض جوانب المداولات لتسهيل مهمة الحريري، من جهة، ولإلزام كل الأطراف بتطبيق كل مندرجات المبادرة الفرنسية بما فيها الاصلاحات الاقتصادية من جهة ثانية، خصوصا بعدما بدأ الاعلام الدائر في فلك حزب الله يضخ اخيرا معلومات عن رفضه الكثير من الوارد في البنود الاصلاحية.
تؤكد المصادر ان الحزب وباستثناء الانتخابات المبكرة، لم يعترض في لقاء قصر الصنوبر على اي بند من ورقة الاصلاحات الاقتصادية، لا سيما ما يتصل بشروط صندوق النقد ولا يحق له تاليا العودة عن تعهداته واخراج ارنب الاعتراضات من قبعته لحظة التأليف لينصب افخاخا جديدة في درب فتح باب السراي امام الرئيس المكلف، والبنود الاصلاحية كل متكامل لا يمكن تجزئتها او اختيار المناسب منها وترك ما لا يناسب فهي ليست menu a la carte. على الحزب ان يلتزم، تختم المصادر، فلا فائض قوة هنا، وما يسري على سائر القوى لا بد ان يسري عليه ايضاً