كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: أمّا وقد قال لبنان كلمته في ملف ترسيم الحدود البحرية، وأبلغ الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين بموقف موحّد حول حقوق لبنان وحدوده البحرية الخالصة جنوباً، وأنّ الكرة صارت في ملعب الوسيط الذي وعد بأن يأتي بالموقف الاسرائيلي في غضون ايام قليلة، فإنّ هذا التطوّر يفترض ان يُركن ملف الترسيم على رف الانتظار من الآن وحتى عودة الوسيط الاميركي، وينصرف لبنان بالتالي إلى مقاربة استحقاقاته الداهمة.
نظريّاً، هدأت زوبعة الترسيم، وتراجعت لغة التهديد والوعيد التي سبقت وواكبت زيارة هوكشتاين، وحلّ مكانها كلام هادئ ونصائح أميركية ودولية تحثّ لبنان على إعطاء الاولوية لما يمكّنه من الخروج من أزمته المالية والاقتصادية والمعيشية الخانقة، عبر توجيه نظره الى الفائدة الكبرى التي يجنيها من تركيزه على ما يكتنزه بحره الجنوبي من ثروة غازية ونفطية، بمعزل عن نقطة حدوده النهائية أكانت عند النقطة 23 او النقطة 29.
مُجاملة أم ماذا؟
وإذا كان هوكشتاين قد اعتبر انّ الموقف الذي تبلّغه من المسؤولين اللبنانيين هو موقف متقدّم، من شأنه أن يدفع بمفاوضات الترسيم الى الأمام، الّا انّه أثار قراءات مختلفة حوله. فثمة من قرأ في كلام الوسيط الاميركي إشارة ايجابية مشجّعة يمكن ان يُبنى عليها تفاؤل في إمكان سلوك هذا الملف سبيل الوصول الى اتفاق نهائي وقريب حول الحدود. حيث افترض أصحاب هذه القراءة، انّ كلام الوسيط الاميركي العالِم بحقيقة الموقف الاسرائيلي سلفاً، يعكس في طياته صورة تقريبيّة للموقف الاسرائيلي الذي يتماهى معه الموقف الاميركي بالكامل في ملف الترسيم ونقاط الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل.
الّا انّ مصادر مسؤولة معنية بهذا الملف، أبلغت إلى «الجمهورية» قولها، إنّها لا تأخذ بإيجابية الكلام العلني، «حيث قد لا يعدو أكثر من مجاملة للموقف اللبناني، وربما تكون لهذا الكلام حسنة بَدا فيها وكأنّه ينفس جوّ التصعيد والتهديدات التي أحاطت بالملف البحري في الايام الاخيرة، الّا انّ ذلك لا يعني النوم على حرير. انّه موقف شكلي».
وتؤكّد المصادر، أنّ المهمّ هو هل ستتجاوب اسرائيل مع ما يؤكّد حق لبنان بحدوده كاملة وحقوقه في ثرواته التي تنازعه عليها اسرائيل؟ وقبل الحديث عن النقطة 29 وما إذا كانت نقطة حدود نهائية او نقطة تفاوضية، وما إذا كانت المساحة الفاصلة بين النقطتين 23 و29 منطقة متنازع عليها، هل ستجمّد اسرائيل أي نشاط استثماري لها في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان؟ وهل ستقبل بالنقطة 23 كنقطة حدود حقيقية وفعلية للبنان؟ وأكثر من ذلك، وإن صحّ ما قيل عن عرض قدّمه لبنان لترسيم الحدود يستثني حقل «كاريش»، هل ستقبل اسرائيل بتعديل الخط 23 بما يزيد المساحة البحرية للبنان من 860 كيلومتراً الى 1200 كيلومتر يقع ضمنها ما يسمّى «حقل قانا»؟
وإذ تؤكّد المصادر المسؤولة عينها «انّ موافقة اسرائيل على الطرح اللبناني، ستعجّل باستئناف المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين»، إلّا انّها لا تبدي تفاؤلاً في هذا المجال، ذلك انّ التجربة مع العدو الاسرائيلي في هذا الملف منذ سنوات طويلة غير مشجعة على الاطلاق، ويجب ان نتوقع منذ الآن مرحلة جديدة من الابتزاز الاسرائيلي للبنان الذي عليه ان يكون على اتمّ استعداد لمواجهتها. الّا إذا كان في جعبة الوسيط الاميركي ما يحمل اسرائيل على انتهاج سلوك آخر، وهذا ما لا نستطيع ان نؤكّده».
الوقت ثمين
إلى ذلك، أكّدت مصادر ديبلوماسية غربيّة لـ»الجمهورية»، انّ زيارة هوكشتاين تعكس جدّية واشنطن في بلوغ اتفاق سريع بين لبنان واسرائيل حول حدودهما البحرية، وجوهر هذه الزيارة عدم تضييع المزيد من الوقت الثمين على لبنان واسرائيل، ويؤشر ما رشح من نتائج المحادثات التي أجراها هوكشتاين في بيروت انّها أسست لعودة الجانبين اللبناني والاسرائيلي الى طاولة المفاوضات حول الحدود. ونأمل ان يتبدّى ذلك في القريب العاجل، وفي ذلك مصلحة وفائدة للبنان واسرائيل».
الداخل مربك
على أنّ اللافت للانتباه في هذا المجال، هو تزامن هذه التطورات مع تحوّل الحدود البحرية الخالصة للبنان الى نقطة تجاذب داخلي، وسط آراء متعددة ومتناقضة من اختصاصيين في ملف الترسيم وغير اختصاصيين، تنثر سحابة من الغبار في أجواء الحدود، الامر الذي من شأنه أن يربك الموقف اللبناني ويضعف حججه التي يسوقها تأكيداً لحدوده وحقوقه. وخصوصاً انّ بعض هذه الآراء ذهبت الى اتهام المسؤولين الرسميّين بالتخلّي عن الحدود، معتبرة انّ الخط 23 هو خط وهمي وغير قانوني. وتشدّد على توقيع المرسوم 6433 الذي يحدّد نهاية الحدود اللبنانية البحرية عند الخط 29.
أمام هذا التجاذب الذي اشتعل في هذه الفترة حول حدود لبنان ما إذا كانت عند الخط 23 او الخط 29، تثار علامات استفهام جدّية حوله، ولا سيما حول موجبات إثارته في هذا التوقيت بالذات. وتتردّد في الاوساط السياسية وكذلك في اوساط معنية بملف الترسيم اسئلة كثيرة مثل:
– هذا الملف خضع لسنوات طويلة من التفاوض والأخذ والردّ حوله، فلماذا القول الآن انّ الخط 23 هو خط وهمي وليس قانونياً؟
– هل الخط 23 هو فعلاً وهمي، أم انّ ثمة من اخترعه؟
– إن كان الخط 23 وهمياً، فلماذا لم يُلفَت انتباه المفاوض اللبناني الى ذلك؟
– إذا كان الخط 29 هو خط الحدود النهائية للبنان، فلماذا أُبقي هذا الخط طي الكتمان حتى الآن؟
– من المسؤول عن إخفاء حقيقة الخطين 23 و29 على مدى سنوات طويلة؟
– من أوحى بإثارة الغبار حول الخطين 23 و29 في هذا التوقيت بالذات؟ وهل المقصود من هذه الإثارة هو تسهيل ملف الترسيم أم تعطيله؟
التنقيب!
إزاء ذلك، يؤكّد مرجع مسؤول لـ»الجمهورية»، انّ «اتفاق الاطار» يبقى الاساس في هذا الملف، والخطأ القاتل الذي ارتُكب بحق لبنان وضيّع عليه وقتاً ثميناً كان في إمكانه ان يستغله في الاستفادة من ثروته، هو اصرار البعض على لعبة التشاطر والمماطلة والمزايدات السياسية، بالشراكة مع جهات داخلية تلبّي عن قصد او عن غير قصد، رغبات خارجية لا تريد للبنان ان يستفيد من ثرواته ويخرج من أزمته».
وإلى جانب ذلك، يشدّد المرجع على ضرورة ان يسارع لبنان في الاتجاه الذي يقرّبه من الاستفادة من ثرواته في البحر، وعدم انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل، بل انّ ثمة بلوكات اخرى في إمكان لبنان بدء اعمال التنقيب فيها. وهذا يفرض على لبنان حثّ الشركات المعنية على الشروع في هذا العمل، ومن دون تأخير.
ويخلص المرجع الى القول: «انّ اصل الداء الذي نعاني منه، هو الجفاء الداخلي وانعدام المسؤولية، فنحن أمام امتحان مصيري إن احسنّا دخوله ننجح وننجو، والّا فمصيرنا المحتوم هو السقوط الكارثي. وإذا كانت المسؤولية الوطنية والاخلاقية توجب الالتفاف الداخلي الكامل حول موقف لبنان في معركة الحقوق والحدود، فإنّ هذه المسؤولية يفترض ان تتجلّى ايضاً وبقدر أعلى، بانخراط كل المكونات السياسية في المعركة الوجودية التي فرضتها الأزمة المالية وما يتفرّع عنها من ويلات ونكبات معيشية على اللبنانيين».
يُشار في هذا السياق، الى انّ وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض، قد وقّع قراراً، بناءً على توصية هيئة إدارة قطاع البترول، بتمديد مهلة تقديم طلبات الاشتراك في دورة التراخيص الثانية إلى 15 كانون الأول 2022.
ويأتي ذلك إفساحاً في المجال لشركات إضافيّة غير العاملة حالياً في المياه البحرية اللبنانية، كي تحضّر ملفاتها ودراساتها والاشتراك في هذه الدورة، مما يتيح المجال لخلق مستوى مقبول من المنافسة في ما بين شركات النفط والغاز العالمية».
الاستشارات
سياسياً، أفرج القصر الجمهوري أمس، عن موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة، حيث تمّ تحديده يوم الخميس المقبل في 23 حزيران الجاري، أي بعد نحو اسبوع من الآن.
وخالف دفع موعد الاستشارات اسبوعاً اضافياً، كل التوقعات التي رجحت تحديد الموعد بعد زيارة الوسيط الاميركي، وهو الامر الذي أظهر على سطح المشهد السياسي جملة من التساؤلات حول سرّ هذا التأخير بالاستشارات، في الوقت الذي لا يختلف فيه اثنان على انّ الحاجة ملحّة للاستفادة من كل دقيقة، لتشكيل حكومة في وقت سريع تتصدّى للمهام الكثيرة التي تنتظرها.
لا إسم محسوماً
وإذا كانت الاوساط القريبة من القصر الجمهوري ترى انّ تحديد موعد الاستشارات خلال الاسبوع المقبل، هو موعد طبيعي لإفساح المجال امام النواب والقوى السياسية لحسم خياراتها وتحديد من تراه مناسباً لتشكيل الحكومة في هذه المرحلة، فإنّ مصادر سياسية واسعة الاطلاع أكّدت لـ»الجمهورية» انّ «مردّ التأخير في هذه الاستشارات هو ما بات يسمّى بـ»صراع رغبات» بين اطراف يسعى كل منها لفرض شخصية تلائمها لتشكيل حكومة ما تبقّى من عهد الرئيس ميشال عون، وربما حكومة ما بعد العهد».
وبحسب الأجواء السائدة عشية الاستشارات فإنّ سحابة من الغبار السياسي تحجب مشهد التكليف، والوجهة التي ستسلكها اختيارات النواب في استشارات يوم الخميس. وإذا كان الرئيس نجيب ميقاتي ما زال يتصدّر نادي المرشّحين لتشكيل الحكومة الجديدة، الّا انّ حركة الاتصالات الجارية حول هذا الاستحقاق، وكما يكشف مطلعون على أجوائها لـ»الجمهورية»، تعكس توجّهات مختلفة ومتصادمة:
الأول، ثنائي «حركة امل» و»حزب الله» وحلفاؤهما، إضافة الى عدد من النواب المستقلين، مع إعادة تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة.
الثاني، «التيار الوطني الحر»، الذي حسم رئيسه جبران باسيل رفض تسمية ميقاتي. وثمة من يتحدث عن ميله لتسمية شخصية جديدة لم يسبق لها ان خاضت تجربة رئاسة الحكومة.
الثالث، «القوات اللبنانية» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، اللذان اعلن رئيس حزب «القوات» سمير جعجع قبل ايام قليلة انّهما نسّقا موقفيهما حيال الاستحقاق الحكومي، وثمة من يتحدث عن ميلهما لتسمية السفير السابق نواف سلام.
الرابع، «نواب التغيير»، وكذلك «حزب الكتائب»، فقد حسما موقفهما مسبقاً من عدم المشاركة في الحكومة، وبالتالي عدم تسمية ميقاتي.
أمام هذه التوجهات المتناقضة، تلفت مصادر سياسية عبر «الجمهورية»، الى انّه بعدما هدأت عاصفة ملف الترسيم، يبدو انّ لبنان مقبل على عاصفة حكومية.
وتشير المصادر الى انّ ميقاتي يبقى الأوفر حظاً حتى الآن في إمكان اعادة تكليفه تشكيل الحكومة، وخصوصاً انّه يحظى بأصوات الاكثرية النيابية، التي صوّتت للرئيس نبيه بري في جلسة انتخاب هيئة مكتب المجلس.
الّا انّ مصادر اخرى لفتت «الى إمكان تعذّر ذلك في حال برزت مداخلات من جهة ما، لإشعال معركة على حلبة الاستشارات الملزمة، جوهرها عدم تكريس أكثرية جديدة في مجلس النواب، وذلك عبر مبادرة القوى السيادية والتغييرية الى الردّ على انتخابات رئاسة مجلس النواب ومحاولة التعويض عن الخسارة المعنوية التي مُنيت بها، وتحت عنوان: «أخذتم في رئاسة المجلس النيابي، وسنأخذ في رئاسة الحكومة».
ودعت المصادر في هذا السياق، إلى رصد وجهة موقف «اللقاء الديموقراطي» من ميقاتي، حيث انّه حتى الآن، ليس في الإمكان الحسم بأنّ موقف «اللقاء» يميل الى إعادة تسمية ميقاتي، وخصوصاً انّ رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، لطالما عبّر عن تأييده تسمية السفير نواف سلام، وهو الامر الذي ينطبق ايضاً على «القوات اللبنانية».
في هذا الاطار، كانت لافتة للانتباه زيارة السفير السعودي وليد البخاري الى دار الفتوى، ولقاؤه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان. وأطلع السفير البخاري المفتي دريان على «الدور الذي يقوم به لتعزيز وحدة الصف اللبناني عامة والإسلامي خاصة، في الظروف الصعبة التي يمرّ فيها لبنان». وأكّد البخاري «حرص بلاده على وحدة شعب لبنان لمواجهة التحدّيات التي يعيشها».
من جهة ثانية، عرض برنامج «مكافآت من اجل العدالة» التابع لوزارة الخارجية الأميركية، مبلغاً وقدره 10 ملايين دولار على من لديه معلومات عن محمد جعفر قصير. واعلن البرنامج عبر «تويتر»، «أنّ محمد جعفر قصير يُعتبر من أحد أكبر الداعمين لتنظيم «حزب الله»، فهو يعمل على تزويد التنظيم الإرهابي بالأسلحة والأموال. قد تكون مؤهّلاً للحصول على مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار إذا كان لديك معلومات عن أنشطته».