كتبت صحيفة “النهار” تقول: مع ان الأجواء والمعطيات والانطباعات الكثيفة التي تركتها زيارة الوسيط الأميركي في ملف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية ظلت مهيمنة على نطاق واسع على مجمل المشهد السياسي الداخلي، فان الأنظار اتجهت أخيرا الى الاستحقاق الحكومي تكليفا وتاليفا بعدما اقدم رئيس الجمهورية ميشال عون على فك اسر الخطوة الأولى في هذا المسار بتحديده الخميس المقبل 23 حزيران الحالي موعدا للاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا لتسمية رئيس الحكومة المكلف. والحال ان الافراج عن موعد تحديد الاستشارات امس تحديدا أي بعد شهر تماما من اجراء الانتخابات النيابية في الخامس عشر من أيار الماضي جاء بمثابة مناورة سياسية لا تبعث كثيرا على الاطمئنان الى ان المسار الدستوري سيحترم بحذافيره في الخطوات اللاحقة خصوصا ان تأخير الموعد انكشف عن استعادة تجارب سابقة دأب معها العهد ورئيس تياره النائب جبران باسيل على فتح استدراج صفقات سياسية تكون ممرا الزاميا للتكليف والتأليف بما يعني استباق التكليف باشتراطات التأليف وهو ما افصح عنه مداورة باسيل قبل أيام في حديث علني. واذا كانت أوساط نيابية عدة استغربت تأخير موعد الاستشارات الى الخميس المقبل فيما كان منتظرا ان يحدد في نهاية الأسبوع الحالي او الاثنين المقبل على ابعد تقدير، فان المعطيات التي توافرت لهذه الأوساط لا تبشر بان مجرد تحديد موعد الاستشارات سيفتح الباب امام عملية تكليف فتأليف سلسة من شأنها استيلاد حكومة جديدة في وقت سريع. بل ان المعطيات الراهنة حول الاستحقاق الحكومي تميل الى توقعات سلبية أولا في بلورة الاتجاهات الواضحة من اليوم الى الخميس المقبل حول الشخصية التي ستكلف تاليف الحكومة باعتبار ان التكليف هذه المرة يختلف تماما عن المرات السابقة نظرا الى التغيير الكبير الذي طرأ على المستوى السني، كما في ظل الاندفاع الواضح للعهد وتياره نحو محاولة فرض مرشح محسوب عليهما لمحاصرة الرئيس نجيب ميقاتي وفرض شبكة مطالب وزارية وإدارية عليه تكون الثمن الاضطراري للقبول بإعادة تكليفه. ويضاف الى ذلك ان ثمة غموضا واسعا حول طبيعة تعامل الكتل النيابية والقوى السياسية مع الاستحقاق الحكومي باعتباره الاستحقاق الأخير الفاصل عن نهاية العهد في اخر تشرين الأول المقبل . فليس ثمة ضمانات حيال توافق قوى المعارضة على مرشح واحد بعد، فيما ليس مضمونا إعادة تكليف ميقاتي ولو بقي خياره متقدما، الامر الذي سيجعل الأسبوع الفاصل عن موعد الاستشارات حافلا بالمشاورات والاتصالات لبلورة الاتجاهات والتحالفات الجديدة حول الاستحقاق الحكومي.
وثمة من يتحدث عن أجواء جمعتها مصادر وزارية من مرجع بارز كانت مخصصة للبحث في مجريات التطورات العامّة والسؤال عن أوضاع تعيينات شاغرة مرتبطة بمهمّات الوزارة، فعكست الشخصية الرفيعة صورة مرحلة من الانتظار قد تمتد لأشهر مقبلة. وتحدث هذا المرجع عن أنّه يمكن المباشرة في التداول بما يخصّ موضوع التعيينات انطلاقاً من نهاية فصل الصيف، بما رسم مجموعة استنتاجات بأنّ إمكان تشكيل حكومة قبل نهاية العهد الحالي مسألة غير مرجّحة. ولا يبدو أن التأليف سيكون متاحاً بسهولة لاعتبارات متعلّقة بالاختلافات في وجهات النظر، وعدم رغبة قوى سياسية بارزة في تمرير التعيينات خلال فترة الأشهر المتبقية للعهد. واستقرأت المصادر الوزارية أنّ تحديد هامش وقت ينطلق من نهاية الصيف للبدء في مناقشة موضوع التعيينات، يعني غياب انقشاع الدخان الأبيض الحكوميّ قريباً باعتبار أنه ليس من صلاحيات الحكومة المستقيلة إقرار هذه البنود. وبدا لافتاً بالنسبة تزامن التوقيت الذي رجّحه المرجع مع انطلاق مرحلة استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، بما يعني عدم وضوح أفق تشكيل حكومة جديدة خلال العهد الحالي.
دريان والسفير السعودي
وسط هذا المناخ اكتسب اللقاء بين مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والسفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري امس دلالات عشية بت الاستحقاق الحكومي اقله لجهة تسمية الرئيس المكلف. وافيد بان السفير بخاري اطلع من دريان على “الدور الذي يقوم به لتعزيز وحدة الصف اللبناني عامة والإسلامي خاصة في الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان”. وأكد بخاري “حرص بلاده على وحدة شعب لبنان لمواجهة التحديات التي يعيشها”، ونوه بدور “دار الفتوى الضامن للوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان”. وشدد المفتي دريان على “أهمية الجهود التي تقوم بها المملكة العربية السعودية لمساعدة لبنان وشعبه ووحدة أبنائِه وفي احتضان القضايا العربية والإسلامية وعنايتها في الشأن اللبناني وحرصها على الجميع لتعزيز أمن وسلامة واستقرار لبنان واللبنانيين”.
الأسعار الحارقة
وفي انتظار المشاورات التي ستحصل قبل الخميس، عادت الاوضاعُ المعيشية الضاغطة الى واجهة أولويات الناس في ظل الاشتعال التصاعدي في أسعار الدولار والمحروقات بما ينذر بتفلت كل الضوابط التقليدية التي كانت تواجه بها موجات تخطي هذه الأسعار السقوف والخطوط الحمر. وبعد احتدامات الأيام الأخيرة سجل امس رقم قياسي جديد في ارتفاع أسعار المحروقات. وصدر جدول جديد لأسعار المحروقات حمل ارتفاعا اضافيا في الاسعار التي اصبحت على الشكل التالي: بنزين 98 أوكتان: 702 ألف ليرة. بنزين 95 أوكتان: 691 ألف ليرة. المازوت: 735 ألف ليرة. الغاز: 366 ألف ليرة.
وفي سياق المحاولات لاحتواء تداعيات حرائق الأسعار وبدعوة من رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي شارل عربيد، عُقد اجتماع في مقرّ المجلس وتوصّل خلاله المجتمعون إلى “صيغة توافقية وتشاركية كنتيجة للحوار المَرِن الذي دعا اليه المجلس على الدوام “. ومن مضامين الاتفاق: توافق المجتمعون على زيادة الحدّ الأدنى للأجور المسجَل لدى الضمان الاجتماعي بالنسبة إلى القطاع الخاص، من 2مليوني ليرة إلى 2,6 مليون. وزيادة بدل النقل اليومي للعاملين والأُجَراء في القطاع الخاص من 65 ألف ليرة إلى 95 ألفاً.
وعلى خط ازمة تامين الخبز، حذر الاتحاد العمالي العام من “أن الوضع التمويني في البلاد ينذر بعواقب كبيرة لا تحمد عقباها، خصوصا وان كميات القمح المدعوم باتت لا تكفي حاجة البلاد لأكثر من أسبوعين كحد اقصى، فضلا عن الارتفاع غير المحدود في أسعار المحروقات وتأثير ذلك على اسعار السلع والخدمات”. وأكد الاتحاد مجددا “أن المسؤولية تقع على الدولة المعنية بتأمين الاحتياط الاستراتيجي الغذائي بأسعار مدعومة، لا سيما مادة القمح وهي العنصر الغذائي الأساسي، وكذلك توفير السلع الغذائية الأساسية بالأسعار التي يمكن لذوي الدخل المحدود والفقراء من تحملها في ظل الظروف الراهنة، مع التأكيد على ضرورة ترشيد وتحديد أسس جديدة للدعم تشمل اللبنانيين فقط”. واكد أن “الاتحاد العمالي العام يحمل الدولة مسؤولية الفلتان والاحتكار الحاصلين في الاسواق وعدم ضبط المخالفات، وسط سيطرة شريعة الغاب في هذا البلد المتّجه إلى انحدار قوي على المستويات كافة”.
ووسط هذه الاجواء شدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال استقباله وفدا من المجلس الجديد لنقابة أطباء لبنان في بيروت برئاسة النقيب البروفسور يوسف بخاش على أن “التغلب على الأزمة الاقتصادية القاسية التي يواجهها لبنان، يتطلب التنسيق والعمل معاً بين مؤسسات المجتمع الرسمية والخاصة كافة. وآمل بعد تشكيل الحكومة الجديدة التوصل الى معالجة حقيقية للأزمات التي نواجهها ومنها في القطاع الطبي”. ونوه “بالجهود التي يبذلها القطاع الطبي ونقابة الأطباء في لبنان، لتعزيز صمود هذا القطاع ووقف النزيف البشري الذي يتعرض له”.
وفي السياق نفسه رأس رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي إجتماعا خصص لمراجعة خطة الأمم المتحدة للإستجابة الطارئة للبنان في السرايا الحكومية، شاركت فيه المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي . وفي ختام الاجتماع أعلنت رشدي “ان الإجتماع خصص لبحث استراتيجية الحاجات الإنسانية للبنانيين، وتدهور الوضع الإنساني على صعيد لبنان، اضافة الى الجهود التي تقوم بها كل المؤسسات الأممية والجمعيات الانسانية في لبنان لتغطية هذه الحاجات، وما قمنا به حتى الآن، والتمويل الذي حصلنا عليه من المانحين والبالغ لغاية الآن نحو 52 بالمئة من الحاجات المطلوبة”.