تساعد التقنيات الحديثة المستخدمة في المختبرات في معرفة حقائق لم يتوصل لها الإنسان من قبل، وتتطور هذه التقنيات وتتطور معها معرفة تاريخ البشرية، وتصحح حقائق مغلوطة تعلمها الإنسان وآمن بها آلاف السنين.
من كان يصدق أن الباحثين اكتشفوا أن الملك الفرعوني الصغير توت عنخ آمون كان يعاني هشاشة في العظام، وربما مات بالملاريا؟ وتوصل العلماء الى نتيجة مفادها أن الملك الصغير توفي في 1324 قبل الميلاد بينما كان عمره 19 عاما على الأرجح، ووجدت الاختبارات التي أجريت على 16 مومياء ملكية أن أربعا من أصحابها بمن فيهم الملك توت أصيبوا بنوع شديد من الملاريا أو بمرض آخر. وتأكد العلماء أيضا من أنهم تعرفوا على مومياء والد توت وهو أخناتون استنادا إلى فصائل الدم.
الحدث العلمي الأكبر كان العثور على مومياء رجل الثلج “أوتزي” الذي بقيت جثته محفوظة ما يقارب الخمسة آلاف وثلاثمئة سنة تحت الجليد، وما زال هذا الاكتشاف رغم مرور 30 سنة تقريبا يشكل منجما علميا للباحثين.
وكان من المفترض عقد مؤتمر دولي حول التقنيات الجديدة لكشف التاريخ وإعلان مختبر سويسري معلومات جديدة عن رجل الثلج، تم تأجيله بسبب فيروس كورونا.
وعن هذا الموضوع التقت “الوكالة الوطنية للإعلام” الباحثة كاترين هرسل من المتحف الأثري في مدينة بولتسانو مقاطعة التدو اديجه حيث تحفظ المومياء فقالت: “بداية القصة، في التاسع عشر من أيلول من العام 1991، حيث اكتشف المتسلقان الألمانيان هلموت وإريكا سيمون هذه المومياء على ارتفاع ثلاثة آلاف و210 أمتار، وكانت الجثة في حالة جيدة جعلت الشرطة تظن أنها حديثة العهد، ففتحت تحقيقا بالأمر. لكن سرعان ما تبين أن هذه الجثة التي كشف ذوبان الجليد النقاب عنها بفعل التغير المناخي تعود في حقيقة الأمر إلى خمسة آلاف وثلاثمئة سنة. أطلق على هذه المومياء اسم “أوتزي” Otzi، وهو اسم الوادي الممتد على الحدود الإيطالية النمساوية حيث عثر على الرجل الجليدي، وقد جعلتها الظروف الطبيعية الباردة بين طبقات الجليد تصمد عبر الأزمان”.
أضافت: “رجل الجليد هذا واحد من المومياوات الأهم في تاريخ البشرية. لقد فتح بابا فريدا من نوعه لدراسة حقبات ما قبل التاريخ، ولدينا بفضله كم كبير من المعلومات. في العام 2001، توصل الباحثون إلى تحديد سبب وفاة رجل الجليد هذا، فلقد مات بين العامين 3350 و3100 قبل الميلاد جراء نزيف تسبب به سهم أصاب كتفه الأيسر واستقر بجانب القلب. وتبين للعلماء أيضا أنه أكل لحما قبيل وفاته، وحددوا أن ذلك كان في فصل الربيع بسبب وجود حبيبات لقاح أزهار. وفي العام 2012، كشفت فحوصات أن لون عينيه كان بنيا، وأن لون شعره كان أسود، وأنه ينحدر من جماعات ذات خاصيات مشابهة لسكان سردينيا وكورسيكا. وكان عمره 46 عاما عند الوفاة، وطوله متر و60 سنتيمترا، وكان يزن خمسين كيلوغراما. وأثار العثور على جرثومة المعدة أو “الملوية البوابية” في أمعائه اهتماما خاصا بين العلماء، علما أن هذه البكتيريا منتشرة كثيرا اليوم وهي مسؤولة عن الإصابة بالقرحة والأمراض السرطانية”.
وختمت هرسل: “لكن الغموض ما زال يلف شخصية رجل الجليد. فقد أظهرت الدراسات أن لباسه كان متقن الصنع، ويضم خمسة أنواع من جلد الحيوانات. وعثر بحوزته على جعبة كاملة من المعدات، منها فأس نحاسي، وهي الأداة الأكثر تطورا في ذلك الزمن على الأرجح، وخنجر حجري، وأداة لإضرام النار، وأدوات طبية”.
ونشرت مجلة “اكسبرسو” الإيطالية عام 2019 تقريرا مفاده أن “العلماء أقروا ان رجل الجليد بينما كان متوجها شمالا تجاه جبال الألب قاتل بشراسة أفرادا من قبيلة ووجد العلماء بالقرب من جثته بقع دم بشري من فئات أخرى ما يدل أنه قاتل أكثر من شخص”.