كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: على هدير التهديدات، وصل الوسيط الاميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين. وفي موازاة هذا الملف المُلتهِب، تحبس المنطقة انفاسها، ترقّباً لما ستؤول اليه حركة الوسيط الاميركي. وما اذا كانت الأمور ستنحى إلى مزيد من التأزيم والتسخين، او انّ في جعبة الوسيط الاميركي ما يمكن أن يقود الوضع في الاتجاه المعاكس، ويصبّ الماء على الحريق وإطفاء النار قبل اشتعالها؟
كل المراقبين في الداخل والخارج يُجمعون على انّ التطوّرات البحرية التي تصاعدت مع استقدام اسرائيل لسفينة الحفر اليونانيّة الى المنطقة البحرية المتنازَع عليها مع لبنان، فرضت مشهدا جديدا يتّسِم بخطورة كبرى تهدّد المنطقة بأسرها. وثمّة مخاوف جدية يعبر عنها ديبلوماسيون غربيون وامميون، من انزلاق الوضع الى مواجهة عسكرية يصعب مسبقاً التكهّن بتداعياتها التي قد لا تكون محصورة في تلك الرقعة، بل قد تكون امتداداتها وارتداداتها اوسع واشمل واكبر من ان تُحتوى.
روية وحكمة!
هذه المخاوف عزّزتها التهديدات التي سبقت ورافقت مجيء الوسيط الاميركي الى بيروت، وترافقت وفق معلومات موثوقة لـ”الجمهورية” مع رسائل ديبلوماسية غربية إلى كبار المسؤولين اللبنانيّين، تعكس بشكل لا لبس فيه انها تأخذ التهديدات المتبادلة بين اسرائيل و”حزب الله” على محمل الجد، وتشدد في الوقت نفسه على وجوب ان يقارب لبنان تطورات ملف الترسيم التي استجدّت بكثير من الروية والحكمة.
وقالت مصادر ديبلوماسيّة غربيّة لـ”الجمهورية”: إنّ اي توتر مهما كان حجمه لن يؤدي الا الى زعزعة استقرار المنطقة وأمنها، وبالتالي لن يكون في مصلحة احد. ومن هنا، فإنّ زيارة هوكشتاين الى المنطقة في ظل هذا الوضع، نعتقد انها تشكّل عامل اطمئنان، وكابحاً لأيّ توتر محتمل، فالاميركيون راغبون في بلوغ ايجابيات في الملف العالق بين لبنان واسرائيل، وما يزالون يعتقدون انّ في الامكان التوصّل الى اتفاق بينهما، وحضور هوكشتاين يعكس هذا التوجّه، وهذا يحتّم تجاوب كل الاطراف مع المسعى الأميركي لبلوغ اتفاق في مصلحة الطرفين اللبناني والاسرائيلي، خصوصاً ان الاتفاق إن حصل من شأنه أن يَرتدّ بالفائدة على لبنان واسرائيل”.
ورداً على سؤال عما يؤكد رغبة واشنطن في عدم انزلاق الامور في المنطقة الى مواجهة، اكتفت المصادر الديبلوماسية بالقول: إنّ الحرب التي تشنّها روسيا على اوكرانيا فرضت ارباكا واضحا ووقائع دراماتيكية على مستوى العالم، فلننظر كيف سيكون عليه الحال في حال نشبت مواجهة جديدة في المنطقة، فهذا قد يضع المنطقة امام احتمالات حرب اقليمية بتداعيات عالمية اضافية وآثار تدميرية في كل المنطقة”.
تهويل
وفي السياق ذاته، واذا كانت التهديدات الاسرائيلية بشن حرب تدميريّة على لبنان، قد أقلقت بعض الداخل اللبناني، فإنّ مصادر رسمية لبنانية أدرَجتها في سياق التهويل على لبنان ومحاولة التأثير على الموقف اللبناني، والتشويش على زيارة هوكشتاين. واكثر من ذلك، فإنّ المطلعين على “أجواء “حزب الله” يعتبرون أنّ هذه التهديدات، وخصوصاً تلك التي وردت على لسان رئيس الاركان الاسرائيلي، ليست موجّهة الى لبنان بقدر ما هي موجّهة الى الداخل الاسرائيلي كعامل تطمين، في ظل ما تعكسه وسائل الاعلام الاسرائيلية من إرباك كبير يسوده، اضافة الى الصدى الذي أحدثته التهديدات الاخيرة التي اطلقها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في المجتمع الاسرائيلي”.
الغاز حاجة مشتركة
يتقاطَع ذلك، مع ما يكشفه معنيون بملف الترسيم حول مضامين بعض التقارير الغربية التي تستبعد فرضية المواجهة، وتؤكد على “انّ حاجة اسرائيل إلى الغاز في البحر تكاد تُعادل او تفوق حاجة لبنان اليه، وإنّ الطرفين لا يحبذان ان يسود التوتر المنطقة الغازيّة. يضاف الى ذلك ان كل العالم كان في حاجة الى النفط والغاز الروسي، وجاءت الحرب في اوكرانيا لتشحّ من هذا الغاز ما انعكسَ نتائج واعباء شديدة السلبية على اقتصاديات الدول، بدءا من اوروبا وصولاً الى العالم. ومع استمرار هذه الحرب تصبح الحاجة اكبر للغاز، الذي يبدو ان لا وجود بديل منه سوى الغاز الموجود في البحر اللبناني والاسرائيلي، ما يعني ان هذا الغاز اصبح حاجة عالمية، وبالتالي هو يحظى بحماية عالمية لن تسمح في اي حال من الاحوال بنشوب حرب او مواجهة حوله”.
موقف قوي
في هذا السياق سألت “الجمهورية” مسؤولا كبيرا عما اذا كانت زيارة هوكشتاين ستجعل الأفق البحري مفتوحاً على حلول، فأجاب: كل ذلك رهن بأمرَين:
الأول، نزاهة الوسيط الاميركي وحياديته، وصدق التوجّه نحو اتفاق على الترسيم يؤكّد حقّ لبنان الكامل بحدوده وحقوقه.
الثاني، قوة الموقف اللبناني. والحسم النهائي لموقف واحد وثابت يحدّد بصراحة ووضوح نقطة الحدود اللبنانية النهائية وأين هو خط الحدود النهائي وأين هو خط التفاوض.
ولفت المسؤول الكبير الى “انّ نقطة الخلل الاساسية التي يعانيها الموقف اللبناني هي حال الارباك السائدة والضياع بين الخطين 23 و29، فهذان لا يخدمان ابدا الموقف اللبناني، بل يعززان المنطق الاسرائيلي ويتيحان له التسلل للسطو على حقوق لبنان، من هنا لا بد من حسم نهائي لنقطة الحدود، فعند الاساسيات تنتفي الثانويات. وهذا يوجِب الخروج من دائرة التلهّي السياسي بالخلافات والمناكدات، والتعامل مع ملف مرتبط بمستقبل ومصير وطن وشعب، بمسؤولية وعلميّة تؤكد الحق اللبناني بحدوده البحرية الخالصة وثرواته فيها، ذلك انّ استمرارنا في هذا التخبّط سيجعلنا نخسر حقوقنا ونحن نتفرّج عليها”.
وصول هوكشتاين
وكان الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين قد وصل الى بيروت امس، وأجرى محادثات مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في حضور السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا، كما التقى وزير الطاقة والمياه وليد فياض في حضور شيا ايضاً. واعلن وزير الطاقة بعد اللقاء انه اكّد للوسيط الاميركي “على انّ الموقف الوطني الموحّد هو ما يتوافق عليه الرؤساء الثلاثة، وان لبنان يسعى للحفاظ على حقوقه”.
واضاف: “نحن خلف رئيس الجمهورية والدولة كلها لديها موقف واضح بشأن ترسيم الحدود، وهذا يقوّي لبنان بشكل كبير”.
ومساء، استقبل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، هوكشتاين في دارته في الرابية، بصحبة السفيرة الاميركية دوروثي شيا والوفد المرافق، وذلك عشيّة الاجتماعات الرسمية التي يستهلّها اليوم الوسيط الاميركي من قصر بعبدا والتي ستعقبها لقاءات مع رئيس مجلس النواب ورئيس حكومة تصريف الاعمال.
وتناول البحث تطورات ملف ترسيم الحدود البحرية، حيث أكد بو صعب أنّ الموقف اللبناني حيال هذا الملف موحّد، وسيبلغه رئيس الجمهورية إلى الوسيط هوكشتاين خلال استقباله له غداً في قصر بعبدا، لافتاً إلى أن أجواء اللقاء كانت إيجابية وأن هوكشتاين أبدى الرغبة في المساعدة.
وقد استبقى بوصعب هوكشتاين والسفيرة شيا والوفد المرافق الى مأدبة عشاء.
مساعدة دولية
واللافت في هذا السياق ما عبّرت عنه المنسّقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان جوانا فونتيسكا، من انّ الامم المتحدة مستعدة للمساهمة في كل ما من شأنه تحريك المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية”.
عون
وكان ملف ترسيم الحدود محل بحث بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووفد نواب التغيير، الذي زار ايضاً للغاية نفسها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال، للتشديد على تمسّك لبنان بالخط 29 وتوقيع المرسوم 6433.
واكد عون امام الوفد انه “من غير الوارد التنازل عن حقوق لبنان في استثمار ثروته الغازية والنفطية”. ولفت الى “انّ المحادثات التي سَتتمّ مع الوسيط الاميركي في المفاوصات آموس هوكشتاين ستتناول موقف لبنان المتمسّك بعودة المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل التي كانت قد توقفت على أثر رفض العدو الاسرائيلي الاقتراح اللبناني باعتبار الخط 29 خطاً تفاوضياً وبعد رفض الجانب اللبناني للخط الاسرائيلي رقم 1 و”خط هوف”.
وامل عون “ان تحقّق المحادثات مع هوكشتاين تحريكاً للمفاوضات، متحدثاً عن الضغوط التي يواجهها لبنان لمنعه من استثمار ثروته النفطية والغازية”.
وإذ اشار الى حصول ضغوط دولية للتوقف عن الحفر في البلوك رقم 4، اكد “رفض لبنان للتهديدات الاسرائيلية”، لافتاً الى “أن العدو الاسرائيلي يتصرّف خلافاً للقوانين وللقرارات الدولية، مستغلاً سكوت المجتمع الدولي عن انتهاكاته لقرارات مجلس الامن”. ونافياً في الوقت نفسه “وجود اي ارتباط بين المفاوضات حول ترسيم الحدود بمسألة استجرار الغاز والكهرباء من مصر والاردن، او المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.
قائد الجيش
الى ذلك، تناولَ قائد الجيش العماد جوزف عون موضوع ترسيم الحدود البحرية خلال زيارته امس كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان، حيث قال “انّ الجيش أعلن موقفه صراحةً بانتهاء مهمته التقنية بملف ترسيم الحدود البحرية”، مؤكداً أنه “يقف خلف السلطة السياسية في أيّ قرار تتّخذه”. وقال: “لسنا معنيين بأي تعليقات أو تحليلات أو مواقف سواء أكانت سياسية أم إعلامية، الموقف الرسمي يصدر عن قيادة الجيش حصراً وأيّ رأي آخر لا يعبّر عن موقف الجيش”.
“حركة أمل”: البلوك رقم 9
بدورها تناولت “حركة أمل” ملف الترسيم في بيان مكتبها السياسي امس، حيث شددت “على أهمية وحدة الموقف، والمطالبة باستئناف المفاوضات غير المباشرة برعاية الأمم المتحدة على قاعدة التمسّك بحق لبنان الكامل في مياهه وفق القوانين الدولية، وعدم التخلي عن أي مساحة مهما كانت، ومن جهة أخرى دعوة الشركات الملتزمة للتنقيب للمباشرة بعملها في البلوك رقم 9 على الحدود الجنوبية، وعدم إهدار مزيد من الوقت في حين أن العدو الإسرائيلي يعمل للتعدي على حقوق لبنان في مياهه وغازه ونفطه”.
وفي سياق آخر، أعربت “حركة أمل” عن الارتياح “لإنجاز المجلس النيابي تشكيل هيئة مكتبه ولجانه، ودعت الى المباشرة في دراسة مشاريع القوانين المرتبطة بالإصلاحات المطلوبة داخلياً ومن المجتمع الدولي، وإنجاز الموازنة للسنة الجارية. كما دعت إلى الإسراع في الإستشارات النيابية لتشكيل حكومة جديدة قوية وقادرة على متابعة ومعالجة الملفات الاقتصادية والمالية الضاغطة على عموم اللبنانيين، والتي تفرض الإستفادة القصوى من الوقت المتبقّي حتى استحقاق انتخابات الرئاسة”.
الاستشارات: مشاورات
سياسياً، لم يطرأ جديد حيال موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة الحكومة الجديدة، حيث بقي هذا الامر في عهدة رئيس الجمهورية، التي تردّدت معلومات عن مبادرته الى تحديد موعد الاستشارات خلال الساعات الثماني والاربعين المقبلة، اي بعد انتهاء زيارة الوسيط الاميركي الى بيروت.
وفيما لم يصدر اي تأكيد رسمي من قبل القصر الجمهوري حول إجراء الاستشارات قبل نهاية الاسبوع الجاري، شهدت الساعات الماضية حركة مشاورات مكثفة على اكثر من خط، كان ابرزها اللقاء بين الرئيسين بري وميقاتي في عين التينة. وتناول فيه البحث المستجدات الاخيرة.
من سيكلّف؟
وعلمت “الجمهورية” انّ الاولوية في المشاورات الجارية قبل تحديد موعد الاستشارات الملزمة، هي محاولة تحديد اسم الشخصية التي سيتم تكليفها تشكيل الحكومة الجديدة. وكذلك رسم معالم الحكومة الجديدة شكلاً ومضموناً وأحجاماً وحقائب.
وقالت مصادر موثوقة لـ”الجمهورية” انه على الرغم من تصدّر اسم الرئيس نجيب ميقاتي نادي المرشحين لتشكيل الحكومة، الا انه لا شيء محسوماً حتى الآن.
واذ اشارت مصادر حكومية الى استياء لدى اوساط الرئيس ميقاتي من الموقف الاخير لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي اعلن فيه رفض تسمية ميقاتي، اكدت مصادر سياسية مسؤولة لـ”الجمهورية” انّ لكل طرف رأيه، وموقف باسيل يجب اعتباره موقفا طبيعيا وحقه في أن يعبّر عنه بالشكل الذي يريده، الا انّ ذلك لا يعني ان موقفه سيوجّه الاستشارات في الاتجاه الذي يريده، فهو عبّر عن موقف تياره، وهذا يلزمه وله الحرية في ان يسمّي من يشاء لرئاسة الحكومة الجديدة، وفي المقابل لدى القوى السياسية والنيابية مواقف اخرى قد تلتقي معه او تكون مغايرة له، وبالتالي الحكم النهائي تصدره مواقف النواب يوم الاستشارات.
ورداً على سؤال عمّن سيكلّف يوم الاستشارات، قالت المصادر: كما توحي الاجواء السياسية فثمة من يسعى الى طرح اسماء جديدة لتشكيل الحكومة، ولكن في المقابل ثمة شريحة واسعة من النواب ترجّح إعادة تسمية الرئيس ميقاتي.
ورداً على سؤال آخر، لم تجد المصادر المسؤولة “اي مبرّر مُقنع لتأجيل اجراء الاستشارات الملزمة”، معربة عن اعتقادها انّ الامر قد لا يكون مرتبطاً فقط بحسم اسم رئيس الحكومة بل مرتبط بالحكومة نفسها، وتشكيلتها وحصص بعض الاطراف، وبعض هذه الاطراف يبدو انه يسعى للظفر بحصة وازنة في الحكومة الجديدة، وخصوصاً فريق رئيس الجمهورية فيها، لا سيما انّ هذه الحكومة قد تُعمّر لفترة اضافية بعد نهاية عهد الرئيس ميشال عون آخر تشرين الاول المقبل، في حال تعذّر اجراء الانتخابات الرئاسية في مواعيدها الدستورية، وتحديداً خلال الستين يوماً السابقة لنهاية الولاية والتي تبدأ اعتباراً من أول ايلول المقبل.
القوات والاشتراكي
وفي سياق متصل، اعلن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بعد لقائه في معراب امس النائبين اكرم شهيب ووائل ابو فاعور، الاتفاق مع “الحزب التقدمي الاشتراكي” على “مقاربة واحدة لعملية التكليف”، مشيراً الى انّ “باب النجاة الوحيد هو التنسيق بين أطياف المعارضة”، لافتاً الى ان سبب التأخير في الاستشارات النيابية هو أنّ “البعض يحاول ان يضع يده على الحكومة او ان يكون له اليد الطولى فيها من اجل تعزيز موقعه قبل نهاية العهد، بغية إصدار التعيينات والتشكيلات التي يريدها ليتمكن من الاستمرار في تقديم الخدمات والزبائنية.
وحول الاسم المطروح في الاسشارات المُلزمة اشار جعجع الى انّ “الاعلان عن الاسم لن يكون الّا في اللحظات الاخيرة باعتبار انّ وضع البلد دقيق جداً ويحتاج الى معالجات فعلية، ومن يمكنه تعطيل التشكيل هو من يبدأ اسمه بحرف الـ”ج” ويحاول التوصّل الى تشكيل حكومة ينال منها المكاسب في السنوات الست المقبلة”.