كتبت “الجمهورية” تقول: صارت كرة تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة ما بعد الانتخابات، في الملعب الرئاسي، وعلى ما يُقال في الصالونات السياسية المعنية بهذا الاستحقاق، فإنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد يبادر الى إصدار بيان مواعيد النواب في الاستشارات في اي لحظة. يتزامَن ذلك مع ما تشير اليه بعض الاوساط السياسية حول انّ موعد الاستشارات الملزمة في الحجر الرئاسي، وان رئيس الجمهورية الذي التقى امس رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، يتريّث في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لمزيد من المشاورات، وانّ هذا الموعد قد رحّل فعلاً الى ما بعد جلسة انتخاب اللجان النيابية في مجلس النواب المقررة الثلاثاء المقبل.
إذاً، العيون كلّها شاخصة في اتجاه القصر الجمهوري رصداً لصدور دخان الاستشارات الابيض من المدخنة الرئاسية، بالتوازي مع تساؤلات من غير اتجاه سياسي عن موجبات التأخير في إطلاق هذه الاستشارات. وعلى ما تؤكد مصادر سياسية ان لا موجب سياسياً او تقنياً لتأخير الموعد، ذلك أنّ ضرورات البلد توجب أن يُدقّ الحديد وهو حامٍ، لتعبيد الطريق امام تشكيل حكومة؛ استجابة اولاً لمتطلبات البلد التي يوجِب وضعه المتهالك ولادة سريعة لحكومة بمهام محددة في عمرها القصير من الآن وحتى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، وفي مقدمها اقرار الموازنة العامة، وقانون الكابيتال كونترول وإتمام برنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي. فبهذه المهام المحددة لهذه الفترة الانتقالية التي يفترض أنها قصيرة الأمد، يمكن لهذه الحكومة أن تلبّي بعضاً من كثير يتوق اليه اللبنانيون، بوضع بلدهم على سكة الخروج من الازمة الخانقة.
لا مبرّر للتأخير!
واذا كان القصر الجمهوري لم يصدر عنه ما يبرّر التأخّر في تحديد موعد استشارات التكليف، فإنّ مصادر سياسية مسؤولة أكدت لـ»الجمهورية» انّ «وضع لبنان يواصل، وعلى مرأى الجميع، الدوران على تخوم الجحيم، وكلّ دقيقة تمرّ من دون ان تستغل ويُستفاد منها، تعجّل في المسار الانحداري نحو الجحيم، أو بمعنى أدق الى الدرك الاسفل من النار على حدّ تعبير رئيس مجلس النواب نبيه بري. فالانتخابات انتهت، وثمة فرصة تلوح امام اللبنانيين ينبغي التقاطها قبل فوات الأوان، ونبكي على اطلال من صنع ايدينا.
شهران وإلّا..؟!
وبحسب ما تؤكد مصادر اقتصادية مسؤولة لـ»الجمهورية» فإن لبنان استنفد كلّ الوقت الذي اتيح امامه لاعادة ترتيب اموره، ولم يبق امامه ليعود ويتنفس سوى فترة زمنية قصيرة جداً لا تزيد عن شهرين لإعداد طبخة الانقاذ والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والّا فإن لبنان على باب الدخول في مرحلة جمود شديد السلبية، لبضعة اشهر اضافية تمتد الى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وهذه المرحلة في ظل وضع داخلي فالِت على كل المستويات، مُرشّحة لأن تشهد سيناريوهات غير محسوبة وغير محمولة في سلبياتها وضغوطها، لا يملك أحد تقدير مَدياتها التي قد تبلغها، حيث لا كوابح فيها للدولار وكذلك للاسعار، ولا حدود فيها للانهيارات في ما تبقى من قطاعات ومؤسسات».
وتدق المصادر الاقتصادية الجرس والانذار ممّا تسمّيه «الخطر الأكبر» التي يلوح في أفق لبنان، وتقول: لبنان في هذه الفترة، يعاني نزيفاً حاداً في الاحتياط النقدي يتراوح في اقل تقدير بين 30 الى 35 مليون دولار يومياً، وهذه الاموال بالتأكيد هي اموال المودعين، واذا ما استمرّ هذا النزيف من دون ان تبادر الجهات المسؤولة في الدولة، سواء على المستوى الرئاسي او الحكومي او النيابي الى بلورة العلاجات السريعة والفورية لوقف هذا النزيف، فلن يتأخر الوقت ليصل لبنان الى الافلاس الحقيقي، على ما وصلت اليه سيريلانكا قبل ايام، التي شحّ احتياطها من العملات الصعبة بالكامل، وباتت تتوسّل العالم لكي يمدّها بالقمح والمحروقات. فهل تريد المكونات السياسية المتنافرة مع بعضها البعض إيصال لبنان الى «الشحادة» التي قد لا يجد في هذه الحالة من يمد له يد العون»؟
تأليف الحكومة ممكن!
اللافت في المسار الحكومي، هو انّ الاوساط السياسية تعبق بالحديث عن موانع لتشكيل الحكومة، والتداول بسيناريوهات تفترض انّ تشكيل الحكومة في المدى المنظور أمر شديد الصعوبة وذلك لتعذّر التوافق السياسي حيالها، فضلاً عن ان تشكيل مثل هذه الحكومة قبل اشهر قليلة من الاستحقاق الرئاسي الذي يوجِب تشكيل حكومة جديدة بعده، لن يقدّم او يؤخر، بل انّ المخرج الأسلم هو الابقاء على حكومة تصريف الاعمال، وقيادة البلد بالحد الادنى من الاضرار.
الا انّ هذه المقولة يرفضها مرجع سياسي مسؤول، ويعتبرها وصفة خبيثة لدفع الوضع الداخلي في لبنان الى مزيد من الاهتراء. وقال لـ»الجمهورية»: انّ مثل هذه الترويجات إمّا هي نابعة عن جهل، وامّا هي نابعة عن خبث متعمّد، الا انّ نتيجتها واحدة وهي رَمي لبنان في التهلكة.
وأضاف: خلافاً لكل ما يقال، فإن تشكيل الحكومة ممكن وفي فترة قياسية إن صفت النوايا السياسية، ورفع كل الاطراف مصلحة لبنان فوق كلّ الاعتبارات. لقد آن الاوان لكي يتحلى الجميع بشيء من المسؤولية.
السفراء يستعجلون الحكومة
الى ذلك، علمت «الجمهورية» انّ الملف الحكومي يشكّل اولوية في جدول اعمال االبعثات الديبلوماسية في لبنان. وهو ما بَدا جلياً في الزيارات الاخيرة التي قام بها بعض السفراء والديبلوماسيين الاجانب لمقرّات رئاسية ووزارية.
وكشف مرجع كبير لـ»الجمهورية» انّ فترة ما بعد الانتخابات النيابية شهدت حركة ناشطة لسفراء عرب وأوروبيين وغير أوروبيين، (من ضمنهم الاميركيون والفرنسيون) وفي أجندتهم مجموعة من الاسئلة حول مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، ومتى ستتشكل الحكومة؟
وبناء على ما يطرحه السفراء، قال المرجع: «انّ كل العالم ينتظر منّا أن تتشكّل الحكومة في وقت عاجل من دون إبطاء، وايّ خطوات ستُقدم عليها هذه الحكومة لإنقاذ لبنان، مع التشديد على البرنامج الذي سبق للمجتمع الدولي ان اكد عليه لناحية مبادرة لبنان الى الاسراع في إجراء الاصلاحات بما يفتح باب المساعدات الدولية لهذا البلد».
العلّة عندكم
الى ذلك، نقلت مصادر في الهيئات الاقتصادية عن ديبلوماسيين اوروبيين نظرة غير مشجّعة حيال الوضع في لبنان، حيث اكد هؤلاء الديبلوماسيون على ما مفاده «انّ المجتمع الدولي ينتظركم، من غوتيريش الى الاميركيين والفرنسيين والاتحاد الاوروبي والعرب… كل العالم ينتظركم، فماذا تنتظرون… الانتخابات انتهت، وباتت امامكم كلبنانيين نافذة فرج، والدخول منها شَرطه الاساس ان تساعدوا أنفسكم. كل دول العالم تريد ان تساعد لبنان، لكن مع الأسف تأخّرتم وماطَلتم لأنّ العلّة هي عندكم».
ولفتت المصادر الى «اننا لمسنا كل استعداد لديهم في أن يساعدوا لبنان، ونحن نصدّقهم، مرات عديدة اكدوا لنا انّ عليكم في لبنان ان تساعدوا أنفسكم لنساعدكم، ما زالوا يفتحون امامنا ابواب المساعدة، ونحن في لبنان نرتكب الخطأ الفظيع ان اعتقدنا انهم سيمدّون لنا يد المساعدة اذا بَقي الداخل اللبناني على ما هو فيه من تنافر وتناحر وتناقض وسوء ادارة للدولة».
وفي سياق ديبلوماسي متصل، اعلنت السفيرة الايطالية في لبنان، خلال حفل أقامته لمناسبة العيد الوطني الايطالي «انّ هذه السنة ستكون حاسمة بالنسبة إلى لبنان وبالنسبة إلى تجديد مؤسساته الديموقراطية ضمن التقويم الدستوري». وقالت: «تشكّل الانتخابات البرلمانية التي أنجزت لتوّها خطوة مهمة في العملية نظراً للدور الرئيسي الذي يضطلع به البرلمان جنباً إلى جنب مع الحكومة للمضي قدماً في الإصلاحات التي باتَ لبنان بأمسّ الحاجة إليها، ولتوفير الخدمات الأساسية للسكان».
وأكدت انه «يمكن للبنان مواجهة التحدي بفضل خلفيته الحيوية على الصعيد الأكاديمي ودوره الريادي في مجال الأعمال، ومجتمعه التعددي والمتنوّع، ورأس المال البشري الموهوب، والعديد من الأصدقاء في المجتمع الدولي، ومن بينهم إيطاليا».
أجواء الرئيس بري
وفي السياق، لفتت اجواء عين التينة الى أنّ خريطة طريق الخروج من الأزمة، رَسمها الرئيس بري في خطابه امام الهيئة العامة للمجلس الثلاثاء الماضي، والتي دعا فيها الى «أن نكون 128 نائبا من أجل لبنان».
وعلمت «الجمهورية» ان الرئيس بري يؤكد لمَن يلتقيه من السفراء العرب والاجانب والامميين «انّ ما يُمكّننا في لبنان من بلوغ الخلاص هو ان يتضامن اللبنانيون في ما بينهم، ولا خيار امام اللبنانيين سوى التضامن والتوحّد».
افتح يا سمسم!
وينقل عن الرئيس بري قوله في هذا السياق: وحدتنا وتضامننا مرادفهما «افتح يا سمسم»، وهي الجملة السحرية لفتح باب الفرج، وباب الفرج مفتاحه وحدتنا وتضامننا».
ويلفت بري، وبحسب ما ينقل عنه العالم، الى ان «العالم يريد ان يساعدنا إن ساعدنا أنفسنا، ويجب ان نعلم ان أي دولة في العالم مهما كانت عاطفتها تجاه لبنان، ومهما كانت تحب لبنان، فلن تكون كعاطفتها تجاه نفسها وكحبها لنفسها وشعبها، فإن لم نساعد انفسنا فكيف ننتظر منهم ان يساعدونا. علينا ان نقتنع ان لا احد سيساعدنا ان لم نقرر نحن ان نساعد انفسنا، والسبيل الى ذلك هو معبر إلزامي لا مجال لانقاذ بلدنا الا من خلال عبوره، وهو أن نتضامن ونتوحّد في هذه المرحلة، ونطوي صفحة الانتخابات واختلافاتها، لا أقول ان نتكامل كأحزاب وقوى سياسية مع بعضنا البعض، او نندمج ببعضنا البعض، بل ان نتوافق ونتعاوَن ونتشارك وننسق مع بعضنا البعض ونشتغل لأجل لبنان، وندخل معا الى حلبة ايجاد العلاجات لأزمته وانقاذ اللبنانيين من الكارثة التي هم فيها. هذا هو الطريق الذي علينا سلوكه، وغيره سيؤدي الى الويل والخراب والانتحار».
وقال بري: «امامنا فرصة علينا ان نستفيد منها ولا نفوّتها، فلنشكّل حكومة، تجتمع حولها كل الاطراف، وفي إمكاننا ان نجعل المجلس الينابي بكل مكوناته خلية عمل رافدة للحكومة بكل دعم يُمكّنها من الانجاز السريع، وأن نُنجز مجموعة من الامور التي تعني اللبنانيين وتخفف من وطأة الازمة عليهم .. بيدنا ان نحوّل مجلس النواب الجديد الى مطبخ لإنضاج العلاجات التي تطعم كل اللبنانيين، وتخفف من معاناتهم وتطمئنهم الى أن ارادة الانقاذ والخلاص صادقة لدى الجميع».
وكان الرئيس بري قد تلقى امس رسالة تهنئة بانتخابه رئيساً للمجلس النيابي لولاية جديدة من وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح، أكد فيها «أننا نتطلع للتعاون والعمل سوياً على المستويين الحكومي والبرلماني لمد جسور التعاضد والتكاتف وتعميق أوجه التواصل بكافة المستويات وعلى مختلف الاصعدة».
إنحدار أمني ومعيشي
وسط حال الترقّب الداخلي لتحديد موعد الاستشارات الملزمة، قفز الوضع الامني الى الواجهة مجدداً مع فلتان «الزعران» في اكثر من منطقة، وجديدها امس ما حصل في حي الشراونة في بعلبك من اعتداء على الجيش خلال مداهمة نفّذها لتوقيف عدد من المطلوبين، ما ادى الى استشهاد احد العسكريين واصابة خمسة جنود بجروح.
وفي الوقت الذي يلوح فيه شبح الشح في مادة الطحين وسائر الاساسيات الحياتية، انحدر الوضع المعيشي اكثر فأكثر مع التحليق الجنوني لأسعار المشتقات النفطية وارتفاع سعر صفيحة البنزين الى 624 الف ليرة، بالتوازي مع الارباك الخانق الذي رافَق تسعيرة المولدات، حيث كان لافتاً بالامس «الليونة» التي أبدَتها وزارة الطاقة والمياه حيال اصحاب الموالدات وتحكّمهم بالتسعير، ومخاطبتهم بلغة التمني بدل إلزامهم بانتهاج السبيل الذي لا يرهق المواطنين.
وقالت الوزارة في بيان امس: «إزاء اللغط الحاصل حول طريقة احتساب المصاعد والاقسام المشتركة التي تشترك بقدرات ثلاثية الأطوار Triphasé، فإنّه ينبغي على صاحب المولد احتساب الشق الثابت من التسعيرة على أساس قدرة الطور الواحد (monophasé). على سبيل المثال، إذا كان اشتراك المصعد والأقسام المشتركة بقاطع ثلاثي الأطوار 3×15 أمبير يُحتسب الشق الثابت على أساس قدرة 15 أمبيرا وليس 45 أمبيرا أي 340.000 ليرة. وطلبت وزارة الطاقة من أصحاب المولدات الخاصة ألا تتدنّى ساعات التغذية عن 16 ساعة يومياً خصوصاً بعد تحسين قيمة الشق الثابت من التسعيرة. وتمنّت على وزارة الاقتصاد والتجارة متابعة وتشديد الرقابة على هذا القطاع وذلك للمزيد من الحماية للمواطنين.
عون: نتطلّع الى الأشقاء
وسط هذه الاجواء الضاغطة أمنيا واقتصاديا ومعيشيا، اكد الرئيس عون، خلال استقباله في قصر بعبدا، وفد المجلس التنفيذي لوزراء الشؤون الاجتماعية العرب، «انّ لبنان بحاجة الى توطيد الأمان الاجتماعي بمختلف أنواع شبكاته، لا سيما في هذه الظروف الصعبة التي يجتازها، وهو يتطلّع في هذا الاتجاه الى دعم اشقائه العرب الذين لطالما كانوا الى جانبه في مختلف الازمات التي مر بها». وقال: «لبنان تعرّض لكوارث هي بالواقع أقسى من أزمات، بدأت بالحرب على سوريا التي أغلقت كل منافذنا البرية الى الدول العربية التي تشكّل لنا مدانا الحيوي، وما استتبع هذه الحرب من نزوح سوري كثيف ضاعَف من الكثافة السكانية عندنا، الامر الذي سَرّع في أفقار الشعب اللبناني، بالنظر الى ما استتبعه هذا النزوح من تكاليف على الخزينة اللبنانية واضرار نفسية واجتماعية واقتصادية وصحية، ضاعَف من حجمها تفشي وباء كورونا على مستوى العالم».
وأشار الرئيس عون الى انّ «هذه الكوارث باتت ضاغطة اقتصاديا واجتماعيا وشكّلت خللاً كبيراً على الديموغرافيا اللبنانية، الأمر الذي يُنذر بمضاعفات خطيرة على الكيان اللبناني تستدعي المعالجة السريعة. وقد زاد من حدة الانهيار الاقتصادي الذي أتى نتيجة عوامل متراكمة عدة، انفجار مرفأ بيروت».
بدوره، دعا رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، خلال استقباله الوفد الذي زار عين التينة ايضا، الى «مضاعفة الجهد العربي من أجل مؤازرة لبنان عربيا ودوليا في هذه المرحلة الصعبة». : «إننا ننتظر من أشقائنا العرب أن يتفهّموا واقعنا جيداً، ويؤازرونا في هذه المرحلة بالذات، لتجنيب لبنان الأخطار ولمساعدته على تحمّل الأعباء التي فاقت قدراته وليستعيد عافيته».