كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: بدأت ولاية المجلس النيابي الجديد ودخلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في غياهب “تصريف الأعمال” على وقع احتدام التوترات السياسية بين أركان السلطة، وتزاحم الأزمات المعيشية والاقتصادية بشكل ينذر بقرب دويّ انفجار اجتماعي يصيب بشظاياه مختلف نواحي حياة اللبنانيين، بما يشمل انهيار أمنهم الغذائي والصحي ليجدوا أنفسهم محاصرين بين خطر الموت، إما من شدة الجوع على أبواب الأفران أو من شدة المرض على أبواب المستشفيات!
وأمام الانحدار الدراماتيكي المتسارع في البلد، رصدت بكركي تطورات “مشبوهة” عقب انجاز الاستحقاق النيابي لتقويض ما أفرزته صناديق الاقتراع من “مناخ وطني جديد أعطى المواطنين جرعة أمل بحصول تغيير إيجابي والخروج من أزمة لبنان الوجودية”، الأمر الذي أثار ريبة البطريرك الماروني بشارة الراعي إزاء “اندلاع الاضطرابات والأزمات” بمجرد انتهاء الانتخابات، ما يشي بأنّ هناك “من يريد تعطيل واقع التغيير النيابي وحركة التغيير السياسي والانقلاب على نتائج الانتخابات والهيمنة على الاستحقاقات”، مستنفراً في المقابل اللبنانيين “المؤمنين بالتغيير والسيادة ووحدة السلاح” ليكونوا على أهبة الاستعداد في “مواجهة الالتفاف على الإرادة الشعبية”، ومناشداً القوى التغييرية الفائزة المسارعة إلى تشكيل اتحاد نيابي “متعدد الطوائف حول مبادئ السيادة والاستقلال والحياد واللامركزية” بوصفها “ثوابت تاريخية ومرتكزات الهوية ومنطلقات التغيير”.
أما على ضفة السلطة، فيطغى التناحر على مذبح الاستحقاقات الراهنة والداهمة، نيابياً وحكومياً ورئاسياً، بينما تتقاطع التوقعات والتحليلات عند ترقب افتعال “أزمة حكم” طويلة الأمد في البلد، يطول معها عمر حكومة تصريف الأعمال حتى إشعار آخر بانتظار زج مختلف الاستحقاقات في سلة تسووية واحدة. وفي هذا الإطار، استعرت شرارة التراشق الإعلامي بين ميرنا الشالوحي وعين التينة على نية انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه، بينما بدأ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يعدّ العدة الدستورية لإدارة المرحلة الحكومية المقبلة انطلاقاً من مفهوم “Raison D’etat” كما نقلت أوساطه، على أن يُصدر تعميماً يدعو فيه جميع وزرائه إلى التقيّد بحدود تصريف الأعمال وفق أحكام المادة 64 من الدستور.
وإذ يتحكم رئيس المجلس النيابي المنتهية ولايته نبيه بري بورقة دعوة المجلس النيابي الجديد إلى الانعقاد بوصفه “رئيس السن” المخوّل توجيه هذه الدعوة، تتجه الأنظار إلى حصيلة المشاورات التي يجريها بري مع القوى السياسية والنيابية لتعبيد الطريق أمام ولايته السابعة في سدة الرئاسة الثانية، سيما وأنّ حبل الودّ الانتخابي الذي كان سائداً بين “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر” على لوائح “حزب الله” انقطع تحت وطأة حماوة التصريحات والتغريدات النارية التي سادت بين الجبهتين على صفيح “المقايضة” الحامي بين موقع رئيس المجلس ونائبه العتيد، خصوصاً بعدما أوصدت “القوات اللبنانية” بابها أمام أي محاولة استدراج عروض في هذه المسألة وحددت خياراتها ومواصفاتها للموقعين، لتصبح الأمور رهينة كيفية تعاطي “رئيس تيار الكذب والخداع والغش” جبران باسيل كما وصفه رئيس “القوات” سمير جعجع مع هذا الاستحقاق، ربطاً بعودة باسيل إلى التحالف مع بري انتخابياً بعدما “استمر طيلة السنوات الاربع الماضية بالقول إن الرئيس بري وجماعته “ما خلوه يشتغل” وانهم فاسدون وبلطجية”.
ومما يدل على أنّ مروحة الخيارات والمناورات أمام “التيار الوطني” ستخلص إلى حشره في خانة ضيقة يصعب عليه معها تجاوز رغبة “حزب الله” بتأمين “حاصل انتخابي” غير هزيل لإعادة انتخاب بري، استرعى الانتباه أمس إصدار الثنائي الشيعي ما يشبه “التكليف الشرعي” بوجوب استمرار بري في سدة الرئاسة الثانية على قاعدة “خيارنا المحسوم لرئاسة المجلس النيابي الرئيس نبيه بري ونقطة على السطر”، كما جاهر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، محذراً في الوقت عينه كل من يتعرّض لقضية سلاح “حزب الله” من مغبة “اللعب بالنار… لأنّ من لم يتعلّم من التاريخ سيدفنه التاريخ”.
وعلى النسق نفسه، وجّه “حزب الله” إلى القوى المعارضة والتغييرية إنذاراً أخيراً على لسان رئيس كتلته البرلمانية محمد رعد، مانحاً من خلاله “الأكثرية النيابية” الجديدة مهلة لا تتجاوز “بضعة أيام لنرى أولوياتكم”، وقال: “سننتظر ولن نستعجل وسنرى كيف ستصرفون هذه الأكثرية في السلطة وعندها سنبني على الشيء مقتضاه”.