هل يكون استحقاق الانتخابات النّيابيّة فرصة لبداية فكّ القيود والأغلال عن إرادة اللّبنانيّين؟
في البداية لا بدّ من القول إنّ التّغيير يبدأ من الذّات الإنسانيّة، قبل أن يتجاوزها إلى المجتمع بمكوّناته جميعها، فالمطلوب أوّلًا أن نحرّر أنفسنا وعقولنا ومعتقداتنا من معازل الطّائفيّة والمذهبيّة، ومن هذه الأغلال الّتي تطوّق أعناقنا، والأصفاد الّتي تكبّل أيدينا وتقودنا كما يُقاد العبيد، نحو مشيئة الفاسدين المفسدين. فالمطلوب أن نتحرّر لنتمكّن من بناء وطن عزيز وكريم، نعيش فيه بعزّة وكرامة، وقد صدق قوله الكريم :” إنّ الله لا يغيّرُ ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم.”
هذه الأفكار قادتني مرغمًا إلى تذكّر قصّة وددت أن أحكيها لكم في معرض هذا الحديث، مع اعتذاري سلفًا عن الاستشهاد بـ ” الحمار”، وعذري أنّ هذه الحكاية ستبسّط الفكرة الّتي أودّ طرحها، وتقرّب وجهات النّظر.
تقول الحكاية: ذهب فلّاح إلى جاره القريب يطلب منه حبلًا لكي يربط حماره الّذي اشتراه منذ مدّة أمام البيت، فأخبره جاره بأنّه لا يملك حبلًا، لكنّه قدّم إليه نصيحة رائعة، إذ قال:
” جرّب أن تقوم بحركات ربط الحبال حول عنق الحمار نفسها، ثمّ تظاهر بأنّك توثقها في جذع شجرة أمام البيت، بعد ذلك اترك الحمار وراقبه من بعيد، وسوف ترى أنه لن يبرح مكانه مطلقًا! ”
عمل الفلّاح بنصيحة جاره، وفي الصّباح التّالي نهض من نومه ليتفقّد حماره، وإذ به كما أكّد له الجار: لم يبرح مكانه قيد أنملة!
ربّت الفلّاح على ظهر حماره مشجّعًا، ثمّ راح يجرّه ليذهب به إلى الحقل كي يفلح به الأرض، لكنّ الحمار رفض الحركة، ولم يتزحزح من مكانه!
استجمع الفلّاح كلّ قوّته محاولًا أن يدفع حماره نحو الأمام، فلم ينجح، رغم تكرار المحاولة، حتّى تملّكه اليأس من إقناع الحمار وحثّه على السّير نحو الحقل، وفكّر قليلًا ثمّ اهتدى إلى أن يعود ليطلب نصيحة جاره، فمضى إليه يسأله: ” هل تعينني بنصيحة تعيد حماري إلى رشده وتقنعه بالسّير معي إلى الحقل؟”
أجاب الجار بسؤال آخر: ” وهل تظاهرت أمام الحمار بأنّك تقوم بحلّ رباطه او اغلاله التي يعتقد انها تُقيّده؟”
أجاب الفلّاح: ” ولكن لا يوجد رباط او اغلال لنحلّها!”
ضحك الجار وقال: ” بالنّسبة إليك لا يوجد حبلٌ او اغلال، ولكن بالنّسبة للحمار، الحبل موجود وموثوق بجذع الشّجرة!”
رجع الفلّاح مسرعًا إلى حماره، وعاد يتظاهر بحلّ وثاقه من حول جذع الشّجرة، ثمّ بأنّه أفلته من حول عنقه، فتحرّك الحمار في الحال ومضى أمام صاحبه بخضوع ودون اية معارضة!
كثير من النّاس سخروا من الحمار عند سماع حكايته، مع أنّهم يعيشون في وضع مشابه لحاله! أسارى لقيود وقناعات وإيديولوجيّات معلّبة ووهميّة تقيّدهم وتمنعهم من التّحرّر والتّقدّم، وحتّى من التّفكير بأقلّ البديهيّات الّتي عادة ما تمسّ مرؤوسيهم ومعظم قادتهم.
لهذه الفئة من النّاس نقول: وأنتم في طريق تحرّركم الطّويل، كلّ ماعليكم أن تفعلوه هو أن تكتشفوا هذه الحقيقة، وتقوموا بقطع الوثاق الخفيّ الّذي يلتفّ حول عقولكم وأعناقكم، ويبتزّ إراداتكم، ويعيق تقدّمكم، ويحبس إبداعاتكم..
نعم! اكسروا الطّوق، ومزّقوا شباك الوصايات والرّعايات الغريبة، وتخلّصوا من خيوط العنكبوت الّتي يطرحها الزّعيم أو السّياسيّ أو البيك أو المير أو السفير او الوصي او الخليفة أو الملك او أيّ مستبدّ يقود عصابة من مصّاصي الدّماء، مع حاشيته سواء أكان ذلك في لبنان أم أيّ دولة عربيّة تشابهنا في الموقف.
ونعود الى لبنان لنقول: أيّها المنقادون انقيادًا أعمى خلف زعيم من هنا أو هناك، مرّ على أسركم وتكبيل إراداتكم ثلاثون عامًا وأكثر، ألا يكفيكم تخديرًا لأفكاركم وعقولكم؟ هل أدمنتم على هذا العقار؟
ألا تستحقّ الحرّيّة أن تجرّبوا التّخلّي عن هذه الأصفاد لبرهة من الزّمن؟ ألا تشتاقون للخروج من هذه الشّرانق الوهميّة إلى الفضاء الرّحب، والهواء الطّلق؟ هل باتت القيود والأصفاد جزءًا من معتقداتكم المقدّسة؟
وقد صدق الشّاعر التّونسيّ الكبير أبو القاسم الشّابّي حين قال:
إِذا الشَّعْبُ يومًا أرادَ الحياةَ
فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي
ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
في الواقع إنّ الغد المأمول، لا ينتظر من يقوم بتحريركم، أنتم من تقرّرون ساعة الخلاص وطريقة الخلاص، وأنتم فقط من يتقن أبجديّة الحرّيّة ويبدع في كتابة قصيدتها الخالدة.
فهل ستقومون بالمحاولة في موسم الانتخابات النّيابيّة القادمة، وفي كلّ الاستحقاقات الّتي ستليه وهي كثيرة؟!
فبالأمس مثلاً كان هناك إستحقاق معارضة إقرار قانون “الكابيتال كونترول” الذي سيستولي الفاسدون من خلاله على اموالكم ويسعون للحصول على براءة ذمة عن كل جرائمهم المالية والمصرفية وعن سرقاتهم وصفقاتهم التي ارتكبوها في الماضي واوصلوا من خلالها هذا الوطن الى الدرك الأسفل من الإنهيار والفقر والتجويع والى كمّ افواه المودعين ومنعهم من اللجوء الى القضاء وشطب كل تلك الجرائم وتغيير احكام الدستور ولو بشكلٍ مستتر والى وضع صلاحيات تحويل الأموال ونقلها الى الخارج وفتح الحسابات وما الى ذلك بيد لجنة اقل ما يمكن ان نقول عنها ان مرؤوسيها هم من اهم رؤوس الفساد في لبنان وانهم هم من كانوا احد اهم اسباب ما وصلنا اليه… وقد ربحنا معركة صغيرة في هذه الحرب الطويلة الأمد مع ارباب الفساد واصحابه.. ولكننا على يقين انهم يكيدون كل الكيد لهذا الوطن ومواطنيه وانهم سوف يعاودون الكرّة مرّة تلو الأخرى وانهم لن يكلّوا ولن يملّوا دون محاولة الإستمرار في نهجهم الدائم قي الإنحياز ل”حزب المصرف” و”للفساد والفاسدين” على حساب الفقراء والمحرومين والمعدومين؟!
ونحن على يقين انهم سيتحيّنون الفرص وسيعودون للإنقضاض علينا في اقرب فرصة ممكنة وانهم مقرّرون لأن تكون خطة التعافي الإقتصادي في لبنان على حسابنا وحساب المسحوقين في هذا الوطن وسيسخّرون كل الوسائل والمؤسسات التنفيذية والتشريعية وحتى الغير قانونية والبلطجية منها للتغلب على ارادة هذا الشعب لأنهم تربّوا على الفساد والظلم والنهب وسرقة البقرة الحلوب المتمثّلة بخزينة الدولة واصبح ذلك يجري في عرقهم ولا يمكنهم تغيير عاداتهم وطرائقهم في إستغلالنا واستعبادنا؟!
فماذا نحن فاعلون وهل سنستمرّ في الإعتقاد اننا لا يمكن لنا ان نتخلّص من الأغلال التي نتوهّم انها تلفّ اعناقنا وتمنعنا من مقاومتهم ومعارضتهم ودحرهم وطردهم كما طرد السيد المسيح لصوص الهيكل؟!
إنّ درب الخلاص والحرّيّة طويل، ولن تختمه الانتخابات، لأنّ الجلّادين الّذين استمرؤوا امتصاص دمائنا، وسلب مقدّراتنا وثرواتنا لم يعتادوا على الكسب الحلال، ولذا سيدافعون بأقصى ما لديهم من أجل استمرار تطفّلهم على رئاتنا، وسوف يقاتلوننا بأشرس ما يملكون من أدوات، وسوف يكرّرون خنق أنفاسنا مرّة بعد مرّة، لكنّ محاولة بسيطة منّا ستبدّد آمالهم، خطوة واحدة عكس الاتّجاه الّذي رسموه لنا ستمهّد للانتصار، وتفكّ القيود والأصفاد عن أيدينا وأعناقنا. هكذا فقط نبدأ بعصر بناء دولتنا النّظيفة الخالية من أنجاسهم ومكائدهم،
فهل سنكون أهلًا للمسؤوليّة الّتي تنتظر أجيالنا القادمة أن نحملها بأمانة وصبر وشجاعة؟؟
د طلال حمود-ملتقى حوار وعطاء بلا حدود جمعية ودائعنا حقّنا