أعاد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تعويم نفسه، محاولاً تجربة حظّه مرة أخرى، لعلّ مساعيه توصل إلى خواتيم سعيدة. العوائق المنصوبة في وجهه كثيرة: أولها أن حزب الله وحركة أمل لن يعطياه ما لم يمنحاه لمصطفى أديب. وثانيها رفض كل من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر تسميته، وثالثها الفيتو السعودي. فهل يقفز هذه المرة فوق السبب الذي دفعه سابقاً إلى التنحي، وهو «الميثاقية»، ويتجاهل موقف الرياض بدفع من المبادرة الفرنسية؟
إعلان الحريري أنه المرشّح الطبيعي لرئاسة الحكومة، بعد أن كان حريصاً في الأشهر الماضية على نفي ترشحه وإصدار بيانات في هذا الصدد، يوحي وكأنّ العقبات الأخيرة التي حالت دون وصوله إلى السراي الحكومي قد تلاشت. لكن واقع الأمور لا يشي بهذا التغيير، إلا أن المفارقة الرئيسَة تكمن في قفز الحريري فوق الفيتو السعودي المشابه للفيتو غير المعلن الذي وضعته الرياض قبيل التسوية الرئاسية في عام 2016. وأيضاً قراره بتجاهل الشروط الأميركية بعدم تمثيل حزب الله في الحكومة المقبلة، وهو ما عبّر عنه خلال مقابلته أول من أمس، بموافقته الضمنية على شرط حركة أمل وحزب الله إسناد حقيبة المالية إلى وزير يسميانه. فمع اعتذار مصطفى أديب عن عدم تأليف الحكومة، قرّر الحريري المتعطش للعودة إلى السراي، تجربة حظه مرة أخرى، بدفع من المبادرة الفرنسية ولو أن الخطوط العريضة للحكومة التي يريدها تتشابه مع تلك التي تمسّك بها أديب وأدت إلى عودته سفيراً إلى برلين. فحزب الله وحركة أمل، وفق مصادر 8 آذار، متمسّكان بتسمية وزراء الطائفة الشيعية، وبالتالي كل حديث عن حكومة اختصاصيين أو تكنوقراط أو مستقلين يرأسها الحريري لن تحول دون تسمية الكتل النيابية لوزرائها. ما سبق يشكل عائقاً واحداً، إنما عوائق رئيس كتلة المستقبل كثيرة ولم تتغيّر. ففيما لا مشكلة لدى الحزب الاشتراكي من السير بالحريري، هناك رفض قاطع لدى حزب القوات اللبنانية لتسميته مهما كان شكل حكومته. المسار السيّئ الذي سلكته علاقة القوات والمستقبل أصعب من أن يُرمم، واتخذ منحى شخصياً. لذلك تطالب معراب اليوم بـ«تشكيل حكومة مستقلة تماماً عن القوى السياسية كلّها من دون استثناء». ثمة عائق ثالث يتمثل برفض التيار الوطني الحر أيضاً لحكومة «يقال إنها مستقلة وتتضمّن اختصاصيين لكن رئيسها هو رئيس أحد الكتل السياسية واسمه سعد الحريري». فضلاً عن أن تجربة رئيس التيار مع الحريري غير مشجّعة كما أن باسيل «مصرّ على التوافق على برنامج الحكومة قبيل تشكيلها». عدم تسمية الحزبين المسيحيين الرئيسَيْن لرئيس الحكومة السابق سيعيده الى المربع الأول قبيل تكليف أديب ودياب. يومها سحب الحريري اسمه من التداول نتيجة الفيتو القواتي – العوني، ما يحول، وفق المحاصصة الطائفية القائمة، دون نيله علامة «الميثاقية». إذاً ما الذي تبدّل أخيراً حتى يعيد تسويق نفسه كمرشح طبيعي في ظل الظروف نفسها؟ أم أنه اختار تجاوز عقبة هذين الحزبين وتغطية تمثيله بأصوات تيار المردة وبعض المستقلين فآثر حرق كل المرشحين حتى من سمّاه بنفسه؟ أسئلة من المفترض أن تتضح إجاباتها مطلع الأسبوع المقبل، مع بدء الحريري جولة مفاوضاته لجسّ نبض حظوظه في العودة إلى السراي