كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: قبل الكابيتال كونترول وسرّ استحضاره في هذا التوقيت عبر اقتراح قانون مضمونه ملتبس ومجهول الأبوّة، وقبل الزيارة المرتقبة لوفد صندوق النقد الدولي الى بيروت، وقبل الغوص في التفاصيل الانتخابية والتحضيرات التمهيدية لاستحقاق 15 ايار، ثمة مشهد لا يمكن تجاهله أو إغفاله، هو مشهد الخوف الذي دخل بيوت كلّ اللبنانيّين، وبدأ يقضّ مضاجعهم.
هو مشهد برسم السلطة الحاكمة او ما تبقّى منها، ولو أنّها موجودة بالفعل لأدركت أنّ ما تشهده يوميات لبنان بات يشي بأنّ هذا البلد دخل مرحلة الفلتان الحقيقي والفوضى الهدّامة بكل تداعياتها المرعبة التي لا قدرة للبنانيين على التعايش معها.
انّها الغابة المرعبة، حيث لم يعد الرعب مقتصراً على ما يعانيه المواطن اللبناني من فقر وعوز وجوع، ولا على نار الغلاء والاسعار الحارقة ولصوص الاحتكار، ولا على ضغوط الازمات المفتعلة، ولا على الطوابير امام الأفران ومحطات المحروقات، ولا على أمنه الغذائي والصحي والدوائي، فحسب، بل تمدّد هذا الرعب ليطال أمنه الشخصي، بحيث بات مهدّداً في بيته وعائلته وسكنه وفي الشارع.
إنّها الغابة المرعبة، مع الارتفاع الرهيب في معدلات الجريمة؛ قتل، خطف، سرقات، تشليح، فلتان سلاح، مخدرات، ترهيب على مدار الساعة، سطو في عزّ النهار. ما يحصل لا يترك مجالاً للشك في انّ كل المحرّمات سقطت في هذا البلد، وبات لبنان في قلب هذه الغابة تحكمه الفوضى واللبنانيون فيها مشاريع ضحايا رهائن للصوص والمجرمين.
ضمن هذه العبثية، لا وجود لسلطة تفرض هيبتها وتتحمّل مسؤولياتها في توفير الحدّ الأدنى من الاطمئنان لشعبها، وفي غيابها ثمّة من يعزف لحن موت البلد نهائياً، بعد موته مالياً واقتصادياً وقضائياً، وتشتته بين أجندات سياسية مختلفة ومتصادمة. وهذا الامر آخذ في التمادي، وينذر بانحداره الى الأسوأ وبلوغ مستويات اكثر خطورة مما هي عليه في هذه الفترة.
البديهي في أجواء كهذه، أن يلجأ المواطن الخائف إلى الممسكين بزمام اموره، على مستوى السلطة واحزابها، ولكن ماذا يفعل إن كانت مصيبته متأتية ممن يحاول ان يجعل «جهنم» امراً واقعاً، وإن كانت فرص الإنقاذ والحماية وتوفير الأمان متضائلة لا بل معدومة مع جهات همّها الاول والاخير تبنّي سياسات إفقار فاجرة، والاستثمار على الازمة وامتداداتها لتصفية حسابات سياسية وانتخابية، رخّصت معها البلاد لدرجة انّ مصير البلد وأهله صار ثمنه حاصل انتخابي؟
الإصلاحات مجدداً
وفي ظل هذا الجو المخيف داخلياً، تبقى الأنظار مشدودة في اتجاه التطورات الخارجية المرتبطة بلبنان، ولاسيما لناحية انتظار الترجمة العملية للانفتاح الخليجي المتجدّد تجاه لبنان، والتي تحدث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من قطر عن تطورات ايجابية سيشهدها هذا الملف في القريب العاجل، وأول الغيث سيكون بإعادة سفراء دول مجلس التعاون الخليجي الى لبنان وإعادة العلاقات الديبلوماسية المقطوعة منذ اشهر.
على انّ موقف المجتمع الدولي من لبنان لم يتبدّل حيال كيفية خروج هذا البلد من ازمته، حيث انّ ثمة سبيلاً وحيداً لذلك، يقوم على مبادرة الجانب اللبناني الى إجراء الاصلاحات المطلوبة. وهو ما اكّد عليه وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان من قطر في الساعات الماضية، خلال محادثات اجراها مع وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وكان لبنان من ضمن بنود البحث فيها، حيث قال انّ البحث تناول الوضع في لبنان، وتمّ الاتفاق على انّ استتباب الأمن يمرّ عبر تنفيذ البلاد للإصلاحات».
وقالت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ»الجمهورية»: «انّ الموقف الذي اكّد عليه الوزير لودريان في قطر، يعكس انّ لبنان ما زال ضمن دائرة اولويات الادارة الفرنسية، على الرغم من التطورات الدراماتيكية والتغييرات التي فرضتها الحرب الروسية- الاوكرانية».
الّا انّها اشارت أن «ليس لدى الادارة الفرنسية حالياً اي خطط جديدة تجاه لبنان، بل انّها ترصد مسار الاستحقاق الانتخابي الذي ترى ضرورة حصوله في موعده من دون أي تدخّلات. كما انّها تشدّد في الوقت نفسه على تقدّم الحكومة اللبنانية خطوات ملموسة في اتجاه اجراء اصلاحات، وإنجاز خطة التعافي المنتظرة التي ترى باريس اهمية انجازها سريعاً، كونها تشكّل المفتاح لأي مساعدات دولية للبنان».
احتمالان
انتخابياً، يتحرّك الاستحقاق الانتخابي في أجواء مشبعة بغموض صارخ. فكل المعنيين بهذا الاستحقاق يتعاملون معه كأمر واقع في موعده المحدّد في 15 ايار المقبل. وها هم قد دخلوا عملياً في الاسبوع الاخير من المهلة المحدّدة لهم حتى الرابع من نيسان المقبل لحسم تركيب اللوائح التي ستنافس بعضها يوم الانتخاب.
الّا انّ كل ما يجري في هذا المسار، يبدو نظرياً انّه سائر في الاتجاه الصحيح، لكنه واقعياً يصطدم باحتمالين متوازيين يتجاذبان المشهد الانتخابي ويشوّشان الذهن اللبناني؛ يجزم الاول بأنّ الانتخابات النيابية ستجري في موعدها المحدّد، وسترتسم بعد 15 ايار صورة نيابية وسياسية جديدة في لبنان. واما الاحتمال الثاني، فيجزم بأنّ هذه الانتخابات لن تحصل، وسترتسم بعد 15 ايار صورة جديدة تضع مصير لبنان في مهبّ تداعيات وسيناريوهات سوداء على كل المستويات؟
هذان الاحتمالان ليسا خافيين على كل الاطراف المعنية بالانتخابات، كما ليس خافياً على هذه الاطراف انّ هذين الاحتمالين متساويان حتى الآن، وانّ كفتي ميزانهما متعادلتان، وانّهما سيبقيان حاكمين للمشهد الانتخابي على مدى الـ46 يوماً الفاصلة عن الموعد المحدّد لإجراء الانتخابات في 15 ايار.
امام هذا التعادل القائم بين الاحتمالين، تتمظهر حالة ارباك عامة، تتبدّى أعراضه في أداء الاطراف الحزبية المتوجّسة من بعضها البعض، والتي لم تجد امام هذا الواقع سوى الهروب المسبق الى الأمام، وتغطية هذا الهروب بتقاذف تهمة السعي الى تعطيل الانتخابات، وتحاول من خلال استعداداتها وحركة ماكيناتها ان تنزه نفسها من تهمة التعطيل، وتوحي وكأنّها من أنصار الاحتمال الاول، وتعمل لهذه الانتخابات وكأنّها حاصلة في موعدها حتماً.
«حركة امل» تستغرب التشكيك
الى ذلك، استغربت «حركة امل» ما سمّتها «محاولات البعض وضع العقبات وإثارة البلبلة والشكوك حول الإستحقاق الإنتخابي المقبل الذي تؤكّد على حصوله في موعده المقرّر، وتدعو اللبنانيين جميعاً إلى عدم الالتفات إلى أصوات المشككين، وضرورة المشاركة الفاعلة والكثيفة من كل أطياف المجتمع في هذا الاستحقاق الذي يؤسس لإستقرار سياسي مبني على أسس الديمقراطية والتعبير عن الرأي». وفي السياق ذاته جاء بيان «كتلة التنمية والتحرير» التي اجتمعت برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري امس، وجدّدت دعوتها «اللبنانيين وبخاصة جماهيرها في كافة المناطق اللبنانية، الى أوسع مشاركة في هذا الإستحقاق المهم بتاريخ لبنان، وذلك وفاقاً للقواعد والأسس التي تضمنها إعلان الرئيس نبيه بري عن البرنامج الإنتخابي للوائح التنمية والتحرير بتاريخ الرابع عشر من آذار».
«تاسك فورس»
وكان الملف الانتخابي محور لقاءات اجراها وفد مجموعة العمل الاميركية من اجل لبنان (أميركان تاسك فورس فور ليبانون) في بيروت، حيث لفت تأكيده انّ «زيارة الوفد تأتي لعقد لقاءات مع المجتمع المدني ومجموعات المعارضة والمؤسسات غير الحكومية وغيرها، للتطرق لموضوعين أساسيين، أولاّ الوضع الاقتصادي والانهيار الحاصل داخل البلاد وكيفية التعامل مع هذا الوضع، وثانياً ضرورة اجراء الانتخابات في وقتها. ونحن نعتقد انّه يمكن للانتخابات أن تحدث تغييراً من خلال ايصال وجوه جديدة الى الحكم إذا ما قام المواطنون بالإدلاء بأصواتهم».
واعلن الوفد انّه نقل الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اهمية حصول الانتخابات في موعدها، «وهو أكّد لنا حصولها في أيار، وأنّ الحكومة ستؤمّن التمويل اللازم لها . كما تطرّقنا الى ضرورة ضمان الشفافية واحترام حق اقتراع المغتربين، وهذا ما طالبنا به. وقد أبدى دولة الرئيس كل ايجابيةعلى هذا الموضوع».
لغم «الكابيتال كونترول»
من جهة ثانية، وكما كان متوقعاً، احبط النواب محاولة تمرير اقتراح قانون «الكابيتال كونترول» التي وضعته جهات حكومية بهدف تمريره في جلسة اللجان المشتركة التي عُقدت امس، عشية الجلسة النيابية العامة التي ستُعقد قبل ظهر اليوم في قصر الاونيسكو، والتي بات مؤكّداً انّ «الكابيتال كونترول» خارج جدول اعمالها.
وبحسب مصادر نيابية لـ»الجمهورية»، فإنّ الاجواء التي سادت النقاشات النيابية حيال هذا الاقتراح الذي تقدّمت به اطراف في الحكومة، من دون ان تتبنّاه، كانت رافضة لمضمونه الملغوم. وهو ما تلاقت عليه مواقف كل الاطراف من دون استثناء.
واشارت المصادر الى انّ الرأي الغالب في جلسة اللجان كان لردّ الكرة الى ملعب الحكومة من جديد، والتأكيد انّ اتباع سياسة تهريب الاقتراحات تنطوي على استهتار وتحايل على المجلس النيابي، وليس بهذه الطريقة تتمّ مقاربة امور على جانب كبير من الاهمية. واذا كان المقصود من هذا الاقتراح وتوقيته عشية وصول وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت الإيحاء بأنّ الحكومة تعمل وفق ما هو متفق عليه مع صندوق النقد الدولي، فإنّ هذا الاقتراح سواء بمضمونه او الطريقة التي طُرح فيها، شكّل «دعسة ناقصة» تتحمّل تبعاتها الجهات الحكومية التي تقف وراء هذا الاقتراح، ومضمونه الملتبس. ومن هنا جاءت التوصية التي انتهت اليها اللجان بأنّ الحكومة حزمت أمرها وتعدّ مشروع قانون يتعلق بالكابيتال كونترول بمضمون يراعي واقع لبنان وحقوق المودعين بالدرجة الاولى. حيث نصّت توصية اللجان الى الحكومة على ان تذهب في اتجاه صوغ مشروع قانون متماسك تأتي به الى مجلس النواب لمناقشته وإقراره، آخذة في الاعتبار المصلحة العليا للمودعين من دون استثناء».
موقف الرئيس بري
ولفت في هذا السياق، موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي عكسته «كتلة التنمية والتحرير» بتأكيدها «موقفها الثابت والرافض بالمطلق لأي قانون لا يضمن حقوق المودعين كاملة في المصارف وعدم المساس بها تحت اي عنوان من العناوين». وهو ما اكّدت عليه حركة «امل» في بيان مكتبها السياسي امس، حيث اعتبرت «أنّ أي نقاش في موضوع الكابيتال كونترول يجب أن يستند إلى الحفاظ على حقوق المودعين». وشدّدت على «أنّ الحديث عن أي «خطة تعافٍ» اقتصادي ومالي لا جدوى منه إن لم تضع في حيثياتها احتياجات الناس ولا تشكّل شبكة أمان لهم في هذه الظروف القاسية والصعبة».
مواقف اعتراضية
وقد سُجّلت على هامش جلسة اللجان المشتركة سلسلة مواقف اعتراضية على اقتراح الكابيتال كونترول من قِبل مختلف التوجهات النيابية، أجمعت كلها على استنكار الاقتراح والتأكيد على انّ هدفه الوحيد ليس المعالجة بل الاطاحة بأموال المودعين وتشريع الاستيلاء عليها.
حجز اصول
من جهة ثانية، ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية» من لاهاي «انّ وحدة التعاون القضائي الأوروبية «يوروجاست»، أعلنت امس، أنّ فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ جمّدت أصولاً لبنانية بقيمة 120 مليون يورو (130 مليون دولار) إثر تحقيق في قضية تبييض أموال، مشيرة إلى مصادرة 5 عقارات.
وقالت الوحدة، في بيان، إنّ التحقيق استهدف 5 مشتبه فيهم في تبييض أموال و»اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021». ولم يشر البيان الى هوية هذه الاصول، والاشخاص المرتبطين بها.
اما على الصعيد القضائي الداخلي، فقد تقدّم وكيل الموقوف رجا سلامة امس، بطلب اخلاء سبيل الى القاضي نقولا منصور مرفقاً بالمستندات المطلوبة لتثبيت كيفية تسديده ثمن العقارات موضوع القضية وتمّ تحويل الطلب الى القاضية غادة عون لإبداء الرأي.
وفي سياق الصراع القضائي- المصرفي، أفيد امس، انّ النيابة العامة التمييزية قرّرت الرجوع عن قرار النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان الذي قضى بمنع تحويل وشحن الاموال من عدد من المصارف الى خارج لبنان، نتيجة الطلب المقدّم من الوكيل القانوني للمصارف المحامي صخر الهاشم، وأرسل القرار الى المديرية العامة للجمارك.