ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بالوصية التي أرسلها الإمام المهدي إلى أحد العلماء في عصره، وهو الشيخ ابن بابويه (والد الشيخ الصدوق)، وأمره أن يرسلها إلى شيعته، فقال له: “أوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الإخوان، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر، والحلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمور، والتعهد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. واجتناب الفواحش كلها، وعليك بصلاة الليل، فإن النبي أوصى عليا فقال: يا علي عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل. ومن استخف بصلاة الليل فليس منا، فاعمل بوصيتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتى يعملوا عليه.. وعليك بالصبر وانتظار الفرج، فإن النبي قال: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج”. فاصبر وأمر جميع شيعتي بالصبر: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}.. والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته.. وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير. هذه وصية الإمام، نسأل الله أن يوفقنا للأخذ بها، لنعبر بذلك عن حقيقة ولائنا لهذا الإمام وصدق انتمائنا له، حيث الولاية له لن تكون بالمشاعر والعواطف، بل بالعمل بما جاء به بذلك ونكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات”.
وقال: “البداية من الواقع الاقتصادي والحياتي المأزوم الذي يعاني منه اللبنانيون على صعيد الغذاء والدواء والاستشفاء والمحروقات والنقل ومتطلبات التدفئة والسلع والخدمات في ظل انعدام فرص الحل، وهو يزداد صعوبة هذه الأيام بتأثير الحرب الجارية في أوكرانيا التي لم تقف تداعياتها على الصعيد الأمني والعسكري، بل وصلت في آثارها إلى نضوب إمدادات القمح والحبوب على الصعيد الغذائي وعدم توفر النفط والغاز بالقدر الكافي. وقد بات لبنان الأكثر تعرضا لهذه الأزمة، للواقع الهش الذي يعاني منه هذا البلد والذي أشار إليه البنك الدولي في تقريره الأخير حين قال: إن لبنان هو الأكثر انكشافا على اضطرابات صادرات القمح في أوكرانيا، وهو سيواجه متاعب تحول سريع إلى مصادر أخرى”.
وأسف لأن “يأتي ذلك في ظل ضبابية حول مدى قدرة الدولة على تأمين بدائل للدول التي كانت تستورد منها هذه المواد بما يؤمن حاجات اللبنانيين. إننا أمام هذا الواقع، نجدد دعوتنا الحكومة إلى أن تتضاعف جهودها على هذا الصعيد لمنع حصول كارثة حقيقية يتحدث عنها العارفون بالاقتصاد على الصعيد الغذائي وفي التعامل مع ارتفاع أسعار المحروقات، ويبقى على اللبنانيين وعي حقيقة الصعوبات في تأمين حاجات البلد من مواد وسلع، والتعامل معها بمستوى هذه الخطورة إن من ناحية تأمين البدائل الممكنة أو بالتوازن المطلوب دائما في صرفها”.
أضاف: “ونبقى على الصعيد الاقتصادي لننوه بالخطوة المتمثلة في إقرار خطة الكهرباء في مجلس الوزراء بعد المخاض الطويل للوصول إليها، والذي يعرف الكل الكلفة الباهظة التي تحملتها الخزينة من وراء ملف الكهرباء، وتبقى العبرة بالتنفيذ وعدم دخول الشياطين في تفاصيله وما أكثرهم”.
وتابع: نقف على صعيد الأزمة التي حصلت مع أحد البنوك، والتي أشارت إلى الأزمة التي بات من الواضح أنها ستتفاقم إن استمرت البنوك في إدارة الظهر لها وهي عدم إعادة أموال المودعين، الذين من حقهم أن يستعيدوا الأموال التي أودعوها فيها وأن لا يتحملوا نتائج سوء إدارتهم لها. ومن هنا ندعو إلى ضرورة معالجة هذه الأزمة بالجدية المطلوبة قبل استفحالها بدلا من التهديد والوعيد الذي سمعناه من جمعية المصارف، أو الاستنكار للقرارات القضائية لكونها تؤثر على عمل المصارف وأدائها لدورها، ولعل من المؤسف هنا أن يستعيد من هم من جنسيات غير لبنانية بقوة القضاء أن يستعيدوا أموالهم بالطريقة التي تناسبهم، فيما لا يستطيع اللبنانيون أن يصلوا إلى جنى عمرهم”.
ودعا “الدولة المعنية بمواطنيها أن تحميهم أسوة ببقية الدول، وأن لا يكون دورها سلبيا بل مشاركا وفاعلا”.
ونبه من “خطورة الحديث الذي يجري مع صندوق النقد الدولي حول اقتطاع قسم من أموال المودعين كحل للدين الذي تعاني منه الخزينة وعلاج لأزمة المصارف والواقع المالي والاقتصادي في البلد”.
وتابع: “وفي هذا الجو، دخلت الانتخابات مرحلة الجدية بعد إقفال باب الترشيح ووضوح أعداد المرشحين، والذي سيبدأ معها بناء التحالفات التي نريدها أن تكون مبنية على أسس مبدئية ووطنية لا على مبدأ كسب الأصوات كما يحصل في غالب الأحيان بحيث تنتهي بمجرد انتهاء الانتخابات ويعود بعدها كل إلى مواقعه. ونحن على هذا الصعيد، نجدد دعوتنا لكل المرشحين أن يأخذوا بعين الاعتبار واقع هذا البلد وما عانى منه، أن لا يزيدوا في أزماته بالخطاب المتشنج والمتوتر والعالي السقف في الاتهامات والتخوين لكسب الجمهور. إن على الجميع أن يعوا أن اللبنانيين لن يعطوا أصواتهم لمن يزيد من أزماتهم ولا الذي يعقد العلاقات في ما بينهم ليزيدهم يأسا وإحباطا، هم يريدون الخطاب الهادئ العقلاني ومن يقدم لهم حلولا لكل ما يعانون منه”.
وقال: “ننتقل إلى ما جرى في أربيل، لندعو إلى إزالة الأسباب التي أدت إلى القصف، والذي جاء على خلفية وجود مراكز للموساد فيها، كانت منطلقا للعبث بأمن الجمهورية الإسلامية في إيران، لندعو السلطات في أربيل ودولة العراق إلى العمل بكل جدية على إبقاء علاقة حسن الجوار بين بلدين شقيقين وعدم السماح لوجود من يدخل على خط هذه العلاقة ويكون سببا لتوترها وسببا للعبث بأمن هذين البلدين”.
وختم: “أخيرا، إننا في عيد الأم، نتوجه إلى كل أمهاتنا اللاتي يملأن حياتنا عطفا وحبا وحنانا ورعاية وتضحية، بالشكر والتقدير والامتنان على ما بذلن ويبذلن، ولن نستطيع أن نبادلهن جميلهن بجميل، مهما قدمنا وفعلنا لهن. فهنيئا لكل أم بما قدمت وتقدم وستقدم. يكفيها أن الجنة تحت قدميها، وهنيئا لكل من قدر هذا العطاء، وعمل على مكافأته بكل ما يملك، والويل لمن قصر في ذلك”.