كتبت صحيفة النهار تقول: مع إن الاضطراب الرسمي حيال الموقف الذي اتخذته وزارة الخارجية بإدانة الحرب الروسية على أوكرانيا انحسر في الساعات الأخيرة من دون انتهاء تردّداته نهائيا يتجه الواقع السياسي الداخلي إلى أولية الوقائع الانتخابية التي ستبدأ باحتلال واجهة هذا المشهد مع بداية شهر آذار. ذلك إن أذار يشكل نهاية مهلة تسجيل المرشحين وتسجيل اللوائح الانتخابية بما يفرض اكتمال صورة التحالفات الانتخابية التي يبدو لافتاً أنها تأخرت في معظم المناطق ولدى معظم القوى السياسية والحزبية و”المدنية” أيضاً بما يعكس وتيرة عامة في البلاد تتسم بالبرودة الانتخابية. وهذه البرودة بدأت تشكل عامل قلق وخوف لا يتمّ التعبير عنهما بكثافة لدى معظم القوى التي تتهيأ للاستحقاق الانتخابي ولكنهما يعتملان بقوة في مساعي القوى الحزبية الكبيرة أيّاً تكن اتجاهاتها إلى تحفيز قواعدها وجماهيرها على التفاعل والتكيّف بحماسة للانتخابات دون صدى بارز بعد أقله إلى هذه اللحظة.
وفي انتظار ما ستحمله الأسابيع القليلة المقبلة على صعيد بلورة الاتجاهات العامة والتحالفات الأساسية في الدوائر الانتخابية الـ15، لا يبدو أن لدى السلطة السياسية برمجة واضحة وثابتة لأولوياتها في معالجة أزمات البلاد عبر خطة ثابتة وحازمة بل أن العشوائية باتت تطبع سلوكيات اهل السلطة والمؤسّسات الدستورية أكثر فأكثر ولم يكن الانقسام والإرباك أمام الحدث الروسي – الأوكراني سوى نموذج عن حال التفكّك الذي تعتري حال السلطة في هذا الظرف.
وبدا لافتاً في هذا السياق تجنّب رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي التطرّق إلى موقفه من الضجة التي أثارها بيان الخارجية حول الحرب الروسية على أوكرانيا علماً أن تلميحات ضمنية وانتقادات علنية عدّة سبق أن أشارت إلى دور لميقاتي في إصدار ذاك البيان. ولكن ميقاتي وفي كلمة ألقاها امس في احتفال أقيم في السرايا في حضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط والأمين العام المساعد حسام زكي، أعلن أن “لبنان الذي كان وسيبقى جزءاً من العالم العربي، يعيش ازمة غير مسبوقة على كل المستويات، وتحاول حكومتنا حلّها بكل الإمكانات المتاحة متكلة على دعم أشقائه العرب وأصدقائه في العالم، ومن غير الانصاف تحميل وطننا ما لا طاقة عليه، ونحن ننتظر من أشقائنا العرب أن يتفهّموا واقعنا جيّداً، وأن يقفوا إلى جانبنا لتجنيب لبنان الأخطار ولمساعدتنا على تحمّل الأعباء التي فاقت قدراتنا”.
وشدّد على أنّنا “أدركنا منذ البداية أننا غير قادرين على الوقوف في خندق هنا أو على خط تماس هناك. فاعتمدنا سياسة النأي بالنفس تجاه أيّ خلاف عربي، ونصر على تطبيقها ، والخاسر في كل خلاف أو نزاع هو عالمنا العربي الذي لطالما كان ينشد الوحدة، فإذا ببعضه يتقوقع إلى كيانات داخل كل كيان”.
وعلى صعيد متابعة اوضاع اللبنانيين في أوكرانيا، أعلن أمس وزير الخارجية عبدالله بو حبيب بعد اجتماعه مع ميقاتي في السرايا، أنه تقرّر تكليف الهيئة العليا للإغاثة إجلاء الرعايا اللبنانين المقيمين في أوكرانيا والذين لجأوا إلى بولندا ورومانيا، جواً في موعد يحدّد لاحقاً، “ووفقاً لظروف ومعطيات يعلن عنها في حينه بالتشاور مع سفارات لبنان في أوكرانيا وبولندا ورومانيا”.
وأضاف: “تبيّن عدم وجود ممرات آمنة لتاريخه لمغادرة أوكرانيا، ولذلك ننصح اللبنانيين الموجودين فيها حالياً البقاء في أماكن آمنة لحين جلاء الأمور. أمّا بالنسبة إلى اللبنانيين الذين قرّروا التوجّه إلى المعابر الحدودية على مسؤوليتهم الشخصية، فيطلب منهم اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر حفاظاً على سلامتهم”.
وفي سياق استمرار الحملة على البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية قال عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله أمس إن “ما صدر عن وزارة الخارجية لا يعبّر عن موقف الشعب اللبناني، ولا عن موقف الدولة اللبنانية، لأن هذه الدولة لها مؤسّسات لم تناقش مثل هذا الموقف، فهو لم يصدر عن مجلس الوزراء ولم يناقشه، وبحسب الدستور فإن من يعبّر عن الموقف الرسمي هو الحكومة، ولكن وجدنا هناك من يخرق هذا الالتزام ويطلق موقفاً عبر وزارة الخارجية اللبنانية يحشر أنفه في صراع دولي وعالمي، كي يبيعه من خلال بيان صيغ بمفرداته ولغته بما هو مغاير عن غالبية مواقف الدول العربية، علماً أننا لم نقرأ في غالبية المواقف العربية موقفا مشابها لموقف الخارجية اللبنانية الذي فيه إدانة واستنكار ودعوة معيّنة وما إلى هنالك، إلى درجة ظنّنا أنفسنا أننا أصبحنا في دولة عضو في الحلف الأطلسي، وكأن لبنان دولة معنية مباشرة بهذه الحرب التي لها تداعياتها وأسبابها ونتائجها الكبيرة على المستوى العالمي”.
وأعلن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في مؤتمر إطلاق مشروع “وثيقة لبنان المدني” الذي نظمّه التيار في الربوة: “نحنُ تيّارٌ سيادِيٌّ لا نقبلُ أن يُقرِّرَ الخارجُ مستقبلَ وطنِنا، ونُنبِّهُ جميعَ اللُّبنانيينَ إلى أنَّ الفشلَ في الإتفاقِ في ما بينَنا على نظامٍ قابلٍ للحياةِ والنجاحِ، سيُعطي للخارجِ ذريعةً لِيَفْرِضَ هو علينا ما يُرضيه وليسَ ما يُرضينا، وما يؤمِّنُ مصالِحَه وليسَ ما يؤمِّنُ مصالِحَنَا. اما انتخابيا، فتعهّد باسيل بأنْ يكونَ همُّنا في المجلسِ النيابيِّ المقبلِ تَرسيخُ الدَّولةِ المدنيَّةِ من خلالِ: العملُ على سدِّ الثَّغَراتِ في الدُّستور،إستكمالُ تطبيقِ الوثيقةِ وتطويرُها بحيثُ تصبحُ ميثاقاً وليدَ إرادةِ اللبنانيينَ وليسَ فقط وثيقةً فرضَتْها في حينِهِ معادلاتٌ ومَوازينُ خارجيَّة. العملُ على إقرارِالقانونِ المدنِيِّ الموحَّدِ للأحوالِ الشخصيَّة، إقرارُ قانونِ اللامركزيَّةِ الإداريَّةِ والماليَّةِ الموسَّعةِ ليُصبحَ للبنانَ نِظامٌ إداريٌّ وماليٌّ عادلٌ وفَعّال، إقرارُ قانونِ إنتخاباتٍ نيابيَّةٍ على أساسِ النسبيَّةِ في الدَّوائرِ المُوسَّعة (معَ تحديدِ بَرنامجٍ زمنيٍّ للخُروجِ من القيدِ الطَّائفيِّ). وقال: لا حل الا بتغيير النظام او تطويره، نحن مقتنعون بأن فشل الدولة سببه سوء النظام وبأن الحلول لازماته تكمن في إصلاحه وليس بفسخ العقد الاجتماعي بيننا، نحن في التيار الوطني الحر مؤمنون بوحدة لبنان، وبأن الحياة معا يجب أن تبقى خيار اللبنانيين وليس فقط قدرهم”.