أطلق “التيار الوطني الحر” وشخصيات مستقلة، مشروع وثيقة “لبنان المدني”، خلال مؤتمر في مركز “لقاء” في الربوة.
وألقى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل كلمة قال فيها: “أشكر المنظمين والمشاركين في هذا المؤتمر الذي عملنا عليه طويلا ونريده خطوة طموحة وتأسيسية نحو لبنان المدني. يبقى علينا لتحقيق ذلك، أن ننجح نحن، كمجموعة مشاركة هنا، في تحويل هذه الفكرة إلى مشروع متكامل وأن نسعى لإقناع اللبنانيين به ولتعميم هذه الثقافة. أتيتم من كل المناطق والطوائف لاقتناعكم العميق بأن لبنان المدني هو السبيل للعيش معا في دولة ناجحة. نحن في التيار الوطني الحر مؤمنون بوحدة لبنان، وبأن الحياة معا يجب أن تبقى خيار اللبنانيين وليس فقط قدرهم. نحن مقتنعون بأن فشل الدولة سببه سوء النظام وبأن الحلول لأزماته تكمن في إصلاحه وليس بفسخ العقد الإجتماعي بيننا. يدرك التيار الوطني الحر عمق التحولات الحاصلة في لبنان والإقليم، وقد شكل الانهيار المالي مؤشرا خطيرا على انهيار بنيوي في النظام بمستوياته الأخلاقية والسياسية وبخياراته الاقتصادية والمالية، وما أزمة تهريب أموال اللبنانيين إلى الخارج ورفض استعادتها، وسرقة أموال المودعين ورفض محاسبة المرتكبين سوى دليل على أكبر انحطاط أخلاقي شهده لبنان”.
أضاف: “يأتي هذا المؤتمر فيما اللبنانيون هائمون في البحث عن سبل الخلاص بعد صدمة 17 تشرين 2019، التي أخرت مؤتمرنا وكان مقررا في تشرين الثاني 2019. كما يأتي عشية استحقاقات داخلية وفي مناخ دولي متوتر له دور في رسم مستقبل منطقتنا. نحن تيار سيادي لا نقبل بأن يقرر الخارج مستقبل وطننا، وننبه جميع اللبنانيين إلى أن الفشل في الاتفاق في ما بيننا على نظام قابل للحياة والنجاح، سيعطي للخارج ذريعة ليفرض هو علينا ما يرضيه وليس ما يرضينا، وما يؤمن مصالحه وليس ما يؤمن مصالحنا. وطننا على مفترق حقيقي، ففشل النظام صار مصدرا للانحلال، أما إصلاحه فسيكون سبيلا للنهوض ويستلزم وعيا وإرادة وعملا مشتركا. نحن لا ندعي بأننا نملك وحدنا الحل الأمثل، ولا يجوز لأحد أن يدعي ذلك، لكننا نملك مقترحا نضعه أمام اللبنانيين وندعو لحوار حوله”.
وتابع: “أخذ علينا أننا في النظام الطائفي المعمول به، كنا متشددين في المطالبة بحقوق المسيحيين في الدولة وهذه حقيقة لا ننكرها، بل نتمسك بها لأننا نتمسك بالشراكة الوطنية، فيما سعى غيرنا في السابق إلى فسخ الشراكة بحجة تأمين الحقوق. إن اقتناعنا بالشراكة يقودنا الى التمسك بالحقوق ما دام بقي النظام طائفيا، أما طموحنا فهو الانتقال من حقوق الطوائف إلى حقوق المواطن، لأننا أساسا تيار عابر للطوائف وطامح لتجاوز الطائفية وصولا لإلغائها وتحقيق العلمنة بالفصل الكامل بين الأديان والدولة. إننا جاهزون لذلك، ليس تحديا وإنما عن اقتناع تام بأن المواطنة هي الخلاص”.
وقال: “ننطلق في مشروعنا، في محاوره السبعة، من وثيقة الوفاق الوطني، التي كنا خارجها ولكننا ارتضيناها دستورا، ونتعهد بأن يكون همنا في المجلس النيابي المقبل ترسيخ الدولة المدنية من خلال:
أولا، العمل على سد الثغرات في الدستور.
ثانيا، استكمال تطبيق الوثيقة وتطويرها بحيث تصبح ميثاقا وليد إرادة اللبنانيين وليس فقط وثيقة فرضتها في حينه معادلات وموازين خارجية.
ثالثا، العمل على إقرارالقانون المدني الموحد للأحوال الشخصية.
رابعا، إقرار قانون اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة ليصبح للبنان نظام إداري ومالي عادل وفعال.
خامسا، إقرار قانون انتخابات نيابية على أساس النسبية في الدوائر الموسعة (مع تحديد برنامج زمني للخروج من القيد الطائفي).
سادسا، إنشاء مجلس للشيوخ يتم انتخابه وفقا للتمثيل المذهبي المباشر وتكون صلاحياته التشريعية متصلة بالمسائل ذات الطابع الكياني، (والمرتبطة بخصوصيات المكونات حفاظا على تنوعها وتميزها وهوياتها الثقافية والدينية). ويجوز لنا هنا التفكير جديا بانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب على دورتين للحفاظ على خصوصية الموقع ورمزيته وتمثيله لكل اللبنانيين.
وسابعا، نتعهد بالعمل على إنشاء صندوق ائتماني يملك ويدير أصول الدولة بمشاركة القطاع الخاص (مع الأولوية للمستثمرين اللبنانيين المنتشرين)، (دون المس بحق الدولة السيادي) وذلك لحسن استثمار موارد الدولة وثرواتها ومرافقها والإفادة من مداخيلها بالتوازي مع تأمين الخدمة السوية والفعالة للمواطنين.
أضاف: “مؤتمرنا “نحو لبنان المدني” ليس شعارا بل هو عنوان نضالنا في المرحلة الآتية، ونحن نريد الانتخابات النيابية في أيار استفتاء عليه. نريدها استفتاء على بناء المواطنة، وعلى الخيارات الاقتصادية والمالية المطلوبة للانتقال من نظام الريع والمضاربة إلى الاقتصاد المنتج، ومن نموذج الاستدانة المكلفة للاستهلاك إلى الاستثمار المربح (للانتاج). التغيير المطلوب لا يحققه شخص أو فريق وحده، بل يحتاج إلى تعاون وتوافق يلامس الإجماع. إنه ورشة وطنية تبدأ ببناء الإنسان – المواطن، الإنسان الذي هو قيمة بذاته، وببناء الإنسان في البيت والمدرسة والجامعة والتيار والحزب مرورا بتطوير الجماعة فالمجتمع، وصولا لإصلاح الدولة بقوانينها ومؤسساتها. هي ورشة كبيرة نطمح إلى تحقيقها سويا في فرق عمل تتناول كل مفاصل الدولة المدنية المنشودة. فهل ننجح بالمثابرة والنفس الطويل؟ هي ورشة عظيمة نطمح إلى إنجاحها ليصبح لبنان دولة علمانية قوية بمدنية مواطنيها، دولة تقرر مصيرها بنفسها، وتجلس مع الدول حول الطاولة التي ترسم مستقبل منطقتنا، بدلا من أن تكون بندا على جدول أعمال الأمم فيقررون هم مصيرها”.
وتابع: “قوة التغيير تبدأ من الفكر وتليها الإرادة، وأنا كلي إيمان بقوة الفكر التي لا تنقص اللبنانيين، ويبقى أن نوحد الإرادة لننطلق في تحقيق المشروع الذي عملت له أجيال سابقة وتستحقه الأجيال اللاحقة”.
وختم: “عشتم، عاش لبنان موحدا، متنوعا وعلمانيا”.
مشروع الوثيقة
بعد ذلك، تلت المحامية بشرى الخليل نص مشروع وثيقة “لبنان المدني” وقالت: “نحن المجتمعين، من مشارب مختلفة، بعد التشاور في ما يتصل بحاضر وطننا لبنان ومستقبله، نعلن التزامنا الحوار الجاد معا كمواطنين لبنانيين وصولا الى تحقيق مجموعة أهداف وطنية تجعل الجمهورية اللبنانية عصرية، تحاكي الحداثة وتواكبها وتحصنها من آفات الطائفية والمذهبية ، وعلى رأس هذه الأهداف الانتقال من نظام المحاصصة الطائفية والفساد الى دولة المواطنة المدنية الديموقراطية”.
أضافت: “إن الدستور اللبناني لا يربط الدولة أصلا بدين معين، بل يحترم ويصون حرية المعتقد فيها. لكن النظام السياسي الطائفي المعمول به منذ الاستقلال لم يؤمن الاستقرار، كما لم يتح إرساء علاقات ثقة واطمئنان بين اللبنانيين بدليل ما شهدناه من انقسامات وحروب أهلية منذ خمسينات القرن الماضي. لقد تسبب هذا النظام بإضعاف الدولة وتعميق الفوارق بين اللبنانيين ، كما شرع الأبواب للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية اللبنانية. في موازاة اقتناعنا بأن دولة المواطنة المدنية الديموقراطية ، بكل مضامينها الحضارية، هي الحل للخروج من صراعات الطوائف وأزماتها، نؤكد اقتناعنا وتمسكنا بالشراكة الميثاقية المجتمعية والكاملة بين اللبنانيين، ونعتبرها ضمانة للتنوع وأساسا للتوافق على تجاوز الطائفية بكل مضامينها وبناء دولة الحق والمواطنة التي يكون الانتماء فيها الى الوطن، وتكون هي حصرا مرجعية المواطن في حقوقه وواجباته”.
وتابعت: “إن الدولة المدنية في بلد متعدد المذاهب والثقافات مثل لبنان ستكون أكثر قدرة على تأمين العدالة والمساواة بين المواطنين، وأكثر التزاما لحماية الحريات العامة والخصوصيات الثقافية والمجتمعية، من دون زبائنية أو تبعية أو تعصب. كما ستكون أكثر قدرة على ضرب الفساد الذي تحميه الطائفية والمذهبية وينخر جسم المؤسسات والإدارات العامة ويتسبب بإنهيار الجمهورية وتهجير شبانها وشاباتها. إن الدولة المدنية هي أكثر قدرة على بناء اقتصاد وطني منتج وحيوي ومؤنسن، يتصدى للمحميات الاحتكارية، ويرسخ العدالة الاجتماعية ويحرر الطاقات الإنتاجية للبنانيين ويحمي ثرواتهم، فينتقلون بذلك من الاقتصاد الريعي، المولد للفساد إلى الاقتصاد المنتج سلعا وخدمات ورقمنة، خصوصا تلك ذات القيمة المضافة العالية، مما يحد من الهجرة ويعزز الاستقلالية والسيادة والنمو المستدام”.
وقالت: “إن الدولة القوية والعصرية التي نريدها لا تفرط بعناصر قوتها اذ تقوم على قواعد الكفاءة والمساواة والتفاعل بين اللبنانيين في البناء السياسي والإداري والمؤسسي، كما أنها لا تتحقق الا بإجماع اللبنانيين على سيادة الدولة دون سواها واستقلالية القرار الوطني والحفاظ على الأرض والهوية، وبتحييدها عن صراعات القوى الخارجية على أرضنا. إن بلوغ هذه الدولة يحتم الركون، أولا، إلى سلطة قضائية مستقلة وكفوءة، كما إلى نظام اللامركزية الإدارية الموسعة كسبيل فعلي لتحقيق التنمية الشاملة والعادلة في كل لبنان، واعتبار انتخاب مجلس شيوخ ضرورة وطنية لصون الوحدة الكيانية وحماية التنوع الذي يغتني به لبنان”.
أضافت: “لبنان، بفعل تعقيدات المنطقة ومآسيها وتخاذل المجتمع الدولي، وبمقتضى الأخوة وحقوق الإنسان، يستضيف على أرضه لاجئين فلسطينيين ونازحين سوريين وعراقيين ، لكننا نرفض توطينهم في لبنان أو دمجهم، احتراما لحقهم في العودة إلى أوطانهم، واحتراما لحق اللبنانيين في البقاء في وطنهم، ومنع تعرضهم لتغييرات ديمغرافية تضرب اقتصادهم وتوازناتهم الاجتماعية وتهدد كيان دولتهم. إن الإلتزام الراسخ لدينا هو ان دعم حق الفلسطينيين في تحرير وطنهم وعودتهم الى أرضهم واستعادتهم لكامل الحقوق المنصوص عليها في قرارات الامم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الانسان. لبنان الذي نريد وطن تواق إلى السلام بين الشعوب في العالم، مستحق عن جدارة رسالته كمقر دائم “لأكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار”، وصاحب دور مشرقي وعربي وأورومتوسطي، مما يعطيه الفرادة والريادة في منطقتنا والعالم”.
وختمت: “بناء على ما تقدم، نوجه الدعوة إلى كل لبنانية ولبناني لملاقاتنا لكي نضع معا ما نؤمن به ونسعى إليه موضع التنفيذ، اي قيام دولة المواطنة المدنية الديموقراطية. عاش لبنان وطن الإنسان والتلاقي والحوار، بوحدته وتنوعه ورسالته، بدولته المدنية الديموقراطية، القوية بالدستور والقانون والاقتصاد”.
اللجنة التحضيرية
ودعت اللجنة التحضيرية “تحقيقا لأهداف هذه الوثيقة، الى المشاركة في ورش عمل عن محاور: الثغرات الدستورية واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف وسد نواقصه، مجلس الشيوخ: صلاحياته وقانون انتخابه، مجلس النواب وقانون إنتخابي، قانون موحد وموحد للأحوال الشخصية، قانون اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، الخيارات الاقتصادية ومواجهة الريع والاحتكار، الإنماء المتوازن للمناطق والخدمة السوية للمواطنين والصندوق الائتماني وإدارة أصول الدولة”.