كتبت “الجمهورية” تقول: المناخ الدولي في ذروة تأزّمه، وغيوم داكنة متكوّنة في الارجاء الدولية حيث لا يمكن التكهن بمآلات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا منذ فجر الخميس الماضي، والمدى الذي ستبلغه شراراتها وما سينتج عنها من تداعيات وتأثيرات، والقواعد السياسية وغير السياسية التي ستفرضها.
السِمة العامة حبس أنفاس وإرباك على مستوى العالم، وقلق من سيناريوهات وتطورات دراماتيكية مع استمرار العمليات الحربية، فلا شيء واضحاً فيها حتى الآن، سوى ان دوامة التصعيد ما زالت في بداياتها، ومتواصلة على نطاق واسع وخطير.
مخاوف من أزمة
أمام هذه الصورة، صعد لبنان الى قمة الارباك، سواء حول ارتباك موقفه من الحرب في اوكرانيا، او من التداعيات المباشرة لتلك الحرب على أزمته الداخلية خصوصاً في المجالات الاساسية، وسط مخاوف من دخول لبنان في ازمة قمح في الآتي من الايام ما لم تتوفّر مصادر بديلة للقمح الاوكراني. وذلك ربطاً بما قاله وزير الاقتصاد امين سلام حول انّ احتياطات لبنان من القمح تكفي لمدة شهر على الأكثر. فيما نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول في وزارة الاقتصاد قوله: «إنّ احتياطيات لبنان من القمح تكفي لمدة شهر ونصف إلى شهرين. وان لبنان، الذي يستورد 60 بالمئة من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا، يُجري محادثات مع الهند لاستيراد المزيد». ويضاف الى ذلك التخبّط الرهيب في سوق المحروقات مع الارتفاع الموعود لسعر البنزين، وكذلك اسعار الغاز التي بدأت تتصاعد.
رد روسي
على انّ الوجه السياسي للارباك، يتجلّى في الالتباسات التي أرخاها بيان وزارة الخارجية الذي دانت فيه بنبرة متشددة ما سمّته الاجتياح الروسي لأوكرانيا. وبمعزل عما اذا كان هذا البيان صائبا وخاطئا او متسرعا، الا ان مفاعيله وإن كانت قد أرضت بعض الجهات الدولية، فإنها في المقابل استفزّت الروس، وهو ما عبّرت عنه السفارة الروسية في بيروت في بيان امس، وأشارت فيه الى ان بيان الخارجية اللبنانية «اثار الدهشة لدينا، بمخالفتها سياسة النأي بالنفس واتخاذها طرفا ضد طرف آخر في هذه الاحداث، علماً ان روسيا لم توفر جهدا في المساهمة لنهوض الجمهورية اللبنانية واستقرارها».
ولفت بيان السفارة الى «انّ اساس سياسة روسيا الاتحادية ليست سياسة التعدي على المصالح الاوكرانية، بل حفظ للامن القومي الروسي بفعل التهديدات التي شكلتها حكومة كييف بعد تنصّلها من تنفيذ العديد من الاتفاقيات، لا سيما اتفاقية مينسك».
وأوضحت «انّ روسيا لم تشن حرباً بل عملية خاصة تهدف الى حماية مواطنين من روسيا وبناء على طلب جمهوريتي دونتسك ولوغاتسك بعد اعتراف رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين باستقلالهما». واكدت «ان روسيا تسعى دوماً لإرساء السلام وتعزيز الامن ومحاربة كل الاشكال العدائية وان يكون لكل دولة الحق في حماية امنها القومي بما في ذلك حماية مواطنيها».
إنفعال واتهام
الى جانب ذلك، تبدّت ارتدادات بيان الخارجية اللبنانية سريعا في الداخل، حيث أحدث انقساماً داخليّاً حاداً حوله، وتؤكّد معلومات «الجمهورية» انّه تفاعَل الى حد «الانفعال الشديد جداً» بين الجدران السياسيّة الحكوميّة والرئاسيّة، واثارة اسئلة اتهامية من قبل مراجع مسؤولة «حيال من أوحى بهذا الموقف غير المألوف والغاية منه»، وكذلك «حيال التفرّد في خطوات ومواقف خطيرة، تتجاوز البيان الوزاري للحكومة، وتقفز فوق المكونات السياسية والاساسية في البلد، وتأخذ لبنان الى غير موقعه وتحمّله مواقف اكبر من قدرته على تحمّل نتائجها وانعكاساتها وردود الفعل عليها لا بل عواقبها، في الوقت الذي هو في حاجة ماسّة الى كلّ دول العالم لمساعدته في أزمته الصعبة».
وقد استمرت المواقف الاعتراضية على بيان الخارجية، معتبرة «انه لا يعبّر عن موقف لبنان»، على ما قال وزير العمل مصطفى بيرم، حيث استغرب «بيان الخارجية الذي صدر مخالفا لمبدأ الحياد الذي اعلنته الحكومة اللبنانية، فضلاً عن عدم التشاور في ذلك، وتحميل لبنان تبعات الدخول في مثل هذا النزاع ذي الأبعاد الخطيرة». فيما قال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب ابراهيم الموسوي: «ينأون بأنفسهم ويدَّعون الحياد حيث يشاؤون، ويتدخلون ويدينون أيضاً حيث يشاؤون، أمر عجيب غريب». وسأل: «أي سياسة خارجية يتبعها لبنان، وأين مصلحة لبنان في ذلك؟ تفضّل وزير خارجيتنا عبدالله بوحبيب وأوضِح لنا الأمر».
وبرز في السياق، ما نقل عن مصادر في التيّار الوطني الحر قولها إنّ قيادته قامت بما يلزم لإبلاغ الجانب الروسي بأن لا علاقة له بالبيان الصادر عن وزارة الخارجيّة بشأن الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، كما أنّ «التيّار» يلتزم سياسة النأي بالنفس التي يطبّقها مع دول الجوار كما مع الدول البعيدة. ولفتت المصادر الى أنّ «التيار الوطني الحر» يؤيّد حلّ الأزمات بطرق سلميّة، آملاً أن تجد الأزمة الروسيّة الأوكرانيّة حلّاً عن طريق التفاوض».
الحكومة تنأى بنفسها
في هذا الوقت بَدا ان الحكومة قد نأت بنفسها عن بيان الخارجية، حيث تجنّبت في جلسة مجلس الوزراء أي اشارة الى هذا الأمر، ولم يقاربه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ولا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فيما كان اللافت للانتباه ان وزير الخارجية عبدالله بو حبيب حاول الايحاء بأنّ الامر محصور به شخصيا، حيث أفيد انه دخل الى مجلس الوزراء مستعداً أن يأخذ أي هجوم على البيان بصدره»، ونقل عنه قوله خارج الجلسة: «أنا لابس درع، قَوّصوا عليّي وَحدي بموضوع البيان».
وفي اشارة بالغة الدلالة الى ان البيان ما زال ساري المفعول، هي تأكيد الوزير بوحبيب على «أن الموقف اللبناني ليس موجهاً ضدّ روسيا الاتحادية أو أي دولة أخرى صديقة، وإنما موقف مبدئي وراسخ اتخذه وسيتخذه لبنان في كلّ أزمة مشابهة»، موضحاً أنه التقى بالأمس (الاول) سفير روسيا الاتحادية لدى لبنان وأعرب له عن أسفه وأن لبنان بصدد إصدار بيان إدانة للعملية العسكرية الروسية، وأن هذا الموقف غير موجّه ضدّ دولته ولا نرغب أن يؤثر في العلاقة الثنائية الوطيدة».
وكان بو حبيب قد تلقى شكر السفيرين الالماني والفرنسي على البيان، اللذين تمنيا «استمرار لبنان على موقفه هذا، وطلبا مشاركة لبنان في تبنّي القرار المقدّم أمام مجلس الأمن حول الأزمة والتصويت عليه في الجمعية العامة لاحقاً». فأبلغ بوحبيب السفيرين أنّ «موقف لبنان ثابت ونابع من حرصه بالالتزام بمبادئ الشرعية الدولية والقانون الدولي التي تشكّل الضمانة الأساسية لحماية السلم والانتظام الدوليين وسلامة أراضي الدول الصغيرة، خصوصاً أنّ لبنان عانى الأمرّين من الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المستمرة حتى اليوم». وأبلغ السفيرين «امتناع لبنان عن المشاركة في تبنّي القرار المقدّم أمام مجلس الأمن، وأنه سيتم دراسة الموقف اللبناني لناحية التصويت في حال إحالة القرار على الجمعية العامة بالتشاور مع المجموعة العربية».
مجلس الوزراء
وكان مجلس الوزراء قد عقد جلسة قصيرة امس، في القصر الجمهوري في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس الحكومة. حيث جرى التمديد لهيئة الاشراف على الانتخابات وتعيين كل من احمد حمدان وخليل خوري ونسيم اعضاء جدداً فيها.
ولم تقرّ خطة الكهرباء في الجلسة، حيث اعلن الوزير عباس الحلبي خلال تلاوته المقررات، انه «تمّت الموافقة المبدئية على خطة الكهرباء بعد الالتزام بوجوب تطبيق القانون وتنظيم القطاع بشكلٍ فوري لا سيما بالنسبة الى ما يتعلق بتشكيل الهيئة الناظمة وتسمية أعضائها وفق المعايير الدولية وتأليف لجنة وزارية مهمّتها مراجعة قانون تنظيم قطاع الكهرباء».
ولفت الى انّه سيتمّ رفع التعرفة الكهربائية بعد تحسين التغذية بدءاً من 8 إلى 10 ساعات يوميّا مع مراعاة وضع ذوي الدخل المحدود الذي لا يتجاوز استهلاكهم الشهري الـ500 كيلوواط. وقال: مجلس الوزراء ملتزم بتعديل التعرفة الكهربائية بشكلٍ تدريجي بالتزامن مع تحسين التغذية بشروط تسمح بتغطية التكاليف ووضع خطة لتحسين الجباية من خلال تركيب العدادات.
ولفت في مجال آخر الى «شراء كمية 50 ألف طن من القمح المستورد المُعد للطحن عند اقتضاء الحاجة، على أن يتم الشراء وفق المناقصات والأصول».
ورداً على سؤال قال: هناك وجهات نظر مختلفة عن الأزمة بين أوكرانيا وروسيا، والخارجية اللبنانية أخذت موقفاً. وأفضّل أن يجيب وزير الخارجية عن الأسئلة المتعلّقة بموقف لبنان، علماً انه كانت للوزير الحلبي تغريدة نهارا قال فيها: ألم يكن من مصلحة لبنان أكثر الحياد، من أن يأخذ موقفاً منحازاً والدعوة الى حل الصراع بالطرق السلمية وعن طريق الحوار؟».
وحول موضوع الكهرباء، قال وزير الطاقة وليد فياض: إنّ إنجاز اليوم مفيد وبنّاء، وبات يمكننا السير بمسار استكمال المفاوضات مع البنك الدولي لتأمين التمويل من أجل زيادة التغذية بأقل تكلفة».
وأوضح أنّ «الموافقة على الخطة كانت مقترنة بضمان نقاطها على أن تكون غير ملتسبة وواضحة ومستعدون لدراسة أي ملاحظات».
وقال: «سنعمل على تقليص الهدر وزيادة الجباية في سياق الخطّة، والعدادات الذكية تلعب دوراً، وسنرفع كلفة الكهرباء لتأمين التغذية ولكن لن تحصل أي زيادة قبل زيادة ساعات الكهرباء وتعرفة «كهرباء لبنان» أقل بـ70 % من تعرفة المولدات».
حضور عربي فرنسي
على صعيد سياسي آخر، وفيما اعلن امس عن وصول الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط الى بيروت يرافقه الامين العام المساعد للجامعة حسام زكي، حيث ربطت الزيارة بحفل تكريمي يُقام اليوم لمنح الجائزة العربية لأفضل اطروحة دكتوراه في الوطن العربي في مجال القانون والقضاء لثلاثة فائزين، تتواصل الاستعدادات للزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الى بيروت أواسط الاسبوع المقبل، ما لم يطرأ ما يُرجىء هذه الزيارة.
وقالت مصادر ديبلوماسية من باريس لـ»الجمهورية» ان لا جديد واضحاً حول زيارة الوزير لودريان الى بيروت، فهي في الاصل محددة. وتندرج في سياق الرغبة الفرنسية الدائمة للوقوف الى جانب الشعب اللبناني. والتأكيد على اولوية إجراء الاصلاحات الضرورية التي تساهم في معالجة الازمة اللبنانية الصعبة، وكذلك التشديد على الحفاظ على استقرار لبنان وصولاً الى إجراء الانتخابات النيابية في اجواء ديموقراطية سليمة وهادئة بعيداً عن ايّ ضغوطات او مؤثرات.
ورداً على سؤال عما اذا كانت الاحداث في روسيا ستعدل برنامج لودريان، قالت المصادر: ان تطور الاحداث في اوكرانيا، مع الحرب التي تشنها موسكو على كييف، فرضَ بالتأكيد قواعد اولويات ومقاربات جديدة. ولكن حتى الآن ليس في الامكان تأكيد او نفي زيارة لودريان الى بيروت.
عون والمملكة
من جهة ثانية، اكد الرئيس عون امام وفد من مجلس وزراء العدل العرب ان «بيروت تفتح ابوابها للجميع، وبخاصة للاشقاء العرب»، وشدد على «رغبة لبنان الكاملة في التعاون مع الدول العربية، والتضامن في كل المواضيع التي تساعد على تطوير وتعزيز القوانين وتوحيد التشريعات في هذه الدول»، وتمنى للوفد «النجاح في مشاريعه والعمل الذي يقوم به من اجل اعلاء روحية القانون واستقلاليته، وان يساهم الوفد، من خلال امكاناته وقدراته، في التخفيف من حدة المشاكل التي قد تطرأ في بعض الاحيان بين الاشقّاء العرب ومنعها من التطور الى ما لا يرغب به احد».
وفي برقية تهنئة الى الملك سلمان بن عبد العزيز بمناسبة تأسيس المملكة، قال: «انّ هذه الذكرى التي تحتفلون فيها، كما أكدتم، بتاريخ دولة وتلاحم شعب والصمود أمام كل التحديات والتطلع للمستقبل، تبقى عنواناً لمحطات مشرقة عديدة في تاريخ المملكة التي تمكنت برؤيتها وجهودها من حجز موقع متقدم لها بين الدول العصرية الساعية الى رحابة الافاق، وهي التي لم تدّخِر يوماً جهداً للدفاع عن القضايا الإنسانية والعربية المحقة، وللمحافظة على الكلمة العربية الموحدة رغم كل الظروف التي شهدتها المنطقة».
ولفت عون الى ان «لبنان يقدّر للمملكة، دولة وشعبا، وقوفها الدائم الى جانبه ويتطلع الى ما يعود بالصفاء على العلاقات الثنائية لما فيه خير الشعبين الشقيقين».
كما وجّه عون برقية مماثلة الى ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، مشددا على اهمية هذه المناسبة، معتبرا إيّاها «إحدى المحطات المضيئة في تاريخ المملكة التي واجهت التحديات في سبيل بناء غد مشرق».